ترتعد ذاكرة اللبنانيين بحلول ذكرى الحرب الأهلية في الثالث عشر من إبريل – نيسان من كل سنة، ذاكرة مُفعمة بالخوف والمآسي والأسى.
فذكرى الحرب تحلّ هذا العام، على وقع مواجهات عند الحدود الجنوبية قد تتوسّع الى حرب شاملة، وتتزامن مع أحداث أمنية خطيرة شهدها البلد في الفترة الأخيرة، من جرائم خطف وقتل وسرقة واعتداءات .
حتى يومنا هذا لم يتعلم الشارع اللبناني بكل طوائفة وفئاته رغم وقوع آلاف القتلى و الجرحى وتدمير القرى والمنازل وضرب الاقتصاد الوطني وسرق مقومات الدولة وجلب زعماء الحرب وتسليمهم الدولة بكل مؤسساتها أن لبنان أو بلد التقلبات والمصالح وبلد البلدان والدول ، اي بما معناه أن كل دولة لها زعيمها وطائفتها ورجالها الأمنيين وغيرهم ، لم يتعلموا أن الانتماء الوطني فقط هو الذي يبني بلد و أن القوى الأمنية الشرعية والقضائية هي المخولة الوحيدة لمحاسبة المرتكبين والقتلة اليوم نسمع عن عشرات عمليات القتل والتسليح والسلب والكل يعرف من يقف وراءها و عادت لغة التقسيم والتصاريح التقسيمية إلى الشوارع المختلفة وكأن لبنان قادر على مواجهات جديدة بين أبناء الشعب الواحد
اذا 13 نيسان / ابريل 1975 كان وسيظل ذكرى اليمة في ذاكرة لبنان واللبنانيين، ففي هذا اليوم دخل لبنان نفق الحرب الاهلية التي سقط بسببها مئات الاف اللبنانيين بين قتيل وجريح ومهجر ويتيم، بالاضافة الى بدء هدم دولة المؤسسات في لبنان والتي قطف اللبنانيون ثمارها اليوم، هذه الحرب العبثية لم تستثن اي منطقة لبنانية على الاطلاق، وربما كانت التدخلات السياسية الخارجية سببا بل وقودا لاشعال نار هذه الحرب، فالتبعية للخارج علت على الروح الوطنية الجامعة، وزاد الامور تعقيدا التغيرات المتلاحقة التي حصلت في المنطقة .
ومنذ هذا التاريخ تحول لبنان الذي طالما تم التغني بقيمه الجميلة كالحرية وحرية الفكر وملتقى الاديان والحرية الدينية وسويسرا الشرق ومحط انظار السياح حول العالم، الى ساحة الحروب المتنقلة التي انتجت اجيالا بعيدة كل البعد عن الانتماء الوطني، وطبقة سياسية فاسدة كانت خلال الحرب تشكل طبقة امراء الحرب الذين تحولوا اليوم لامراء السياسة.
الشرارة الاولى للحرب كانت باطلاق الرصاص على حافلة تقل عدد من عناصر منظمة التحرير الفلسطينية وبعض عناصر الاحزاب اليسارية في منطقة عين الرمانة خلال عودتهم من احتفال في مخيم تل الزعتر، ومنطقة عين الرمانة للتوضيح كانت انذاك تحت سيطرة الاحزاب اليمينة المعارضة للوجود الفلسطيني وعلى صدام مع باقي الاحزاب التي تدور بفلك اليسار ومنظمة التحرير، والحادثة بحد ذاتها كان بالامكان تطويقها لولا ان النفوس والعقول كانت مهيئة لخوض هذه المغامرة المستمرة الى الان، رغم ان البعض حاول وقتها الترويج بان الامر ليس معقدا وان الامور ستعود الى الهدوء وسيعود لبنان الى سابق عهده.
في هذا اليوم شهد اللبنانيون مشاهد لم يالفوها، سواتر ترابية تفصل بين المناطق الطائفية، وحواجز ثابتة وطيارة تمارس القمع الطائفي حسب ما يرد على بطاقة الهوية.
شهد لبنان طيلة هذه السنوات حروبا داخلية شرسة ومجازر وعمليات تهجير ممنهجة لا تزال اثارها باقية في النفوس الى الان، بالاضافة الى موجة من عمليات اختطاف الاجانب، والاغتيالات التي طالت رموزا لبنانية من الصف الاول .
ويخطئ من يظن ان الحرب الاهلية اللبنانية انتهت باتفاقات واجتماعات لوزان والطائف والدوحة ولقاءات بعبدا، بل هي لا تزال مستمرة الى الان وخير دليل النزاع المستمر بين امراء الطوائف الذين يحاولون الحصول على القدر الاكبر من المكاسب الشخصية والطائفية، حتى لو قاموا بتغطية النزاعات هذه بغطاء سياسي وسباق على الاصلاح الوطني، فمعظم الوجوه الحالية كانت طرفا اساسيا في الحرب الاهلية وتم تحريكها من الخارج لتنفيذ الاجندات المشبوهة، واكبر الخاسرين لبنان وشعبه الذي سيدفع الثمن طويلا كما دفع سابقا.
وفي الختام نرجوا من الله عز وجل أن يبعد عنا شر الحروب ومطلقيها والذين يعيشون على دماء الابرياء كل 13نيسان وانتو بخير.