عبد الهادي محفوظ
تعقيدات عملية طوفان الأقصى وما بعدها تطرح تساؤلات كثيرة حول مسار الحرب وأيضا حول مسار المفاوضات. فهناك تقاطعات وتعارضات في الآن نفسه بين اللاعبين الأساسيين الأميركي والايراني والسعودي والقطري والاسرائيلي: تقاطع أميركي – ايراني حول عدم توسيع الحرب. وتعارض أميركي – ايراني حول حل الدولتين ومستقبل دور حماس. تقاطع أميركي – اسرائيلي حول ’’اجتثاث‘‘ حماس وتعارض أميركي – اسرائيلي حول حل الدولتين ودور السلطة الفلسطينية. تقاطع عربي خليجي – أميركي حول التطبيع وتمايز عربي يربط التطبيع بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ايران مهندسة وحدة الساحات تأخذ على ’’حماس‘‘ بأنها لم تنسّق معها في توقيت عملية طوفان الأقصى ما أبقى طهران ومحور الممانعة عموما في دائرة المساندة لا الاشتراك الفعلي في الحرب. كذلك واشنطن تحت عنوان ’’حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها‘‘ تزودها بالسلاح ولا تتخذ أي إجراء بحق المخالفات الاسرائيلية للقانون الدولي الانساني بشأن قصف المدنيين وقتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات والمدارس وتهجير السكان وتجويعهم وحتى قتل العاملين من الأجانب في مجال الإغاثة.التوجه الفعلي لليمين الديني اليهودي الذي يمسك حاليا بالسلطتين التنفيذية والتشريعية بدولة اسرائيل هو التوسع الجغرافي وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن وإقامة الدولة اليهودية الدينية الكاملة الهوية. ومثل هذا التوجه يصطدم بالرأي العام الدولي وبالقوانين الدولية وباصرار الشعب الفلسطيني على المقاومة والتثبت بالأرض وأيضا لا تستسيغ ’’الرؤية الأميركية‘‘ لمستقبل المنطقة مثل هذا التوجه باعتباره يشكل عائقا أمام المصالح الأميركية وحول كون واشنطن ترى أن مصلحة اسرائيل هي في التطبيع مع الجوار وبوجود سلطة فلسطينية محكومة من النخب يمهد لفكرة الدولتين
أيضا فكرة الدولة اليهودية الدينية لا يستسيغها العلمانيون الاسرائيليون وتحديدا الاشكيناز الذين كانوا في أساس قيام دولة اسرائيل على قاعدة علمانية غربية. وما الدعوة إلى انتخابات مبكرة في اسرائيل إلا تعبير فعلي عن الإعتراض على اليمين اليهودي ودولته الدينية كما أن المطالبة الشرسة بإطلاق الرهائن فورا من دون شروط من قبل أهالي الأسرى إلا للتأكيد على أن اليمين اليهودي الديني يصل إلى طريق مسدود في تحقيق أهدافه عبر الحرب على غزة. وهذا ما يعطي لواشنطن مزيدا من النفوذ في إدارة المفاوضات بين اسرائيل وحماس وانتزاع تنازلات من الطرفين وتعزيز مكانة ’’حكومة النخب الفلسطينية‘‘ على حساب الأطراف الثلاثة: اسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس مع تخفيف تأثير ’’الثلاثة‘‘ في مسار الاحداث وصياغة المستقبل. والواضح أن اليمين الديني اليهودي عجز عن توريط واشنطن في التدخل العسكري مباشرة بالحرب أو في استدراج ايران إلى حيث يريد هذا اليمين الديني عبر استهداف قيادات من الحرس الثوري في سوريا. وهذا في حد ذاته أمر من نتائجه إرباك موقف الحكومة الاسرائيلية في كيفية التعاطي مع ’’حماس‘‘. وهذا ما عبّر عنه نتنياهو بقوله ’’هناك مبالغة في مطالب حماس‘‘ ما يعني اعتراف فعلي بأنها طرف أساسي في المعادلة الفلسطينية وفي مسار المفاوضات.
كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن يستشعر بأنه مهدد بالسقوط في الإنتخابات الرئاسية الأميركية نتيجة التحولات لدى اليسار والعرب والمسلمين والأفارقة في الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه. وهذا ما يدفع إلى أخذ مسافة عن اليمين الديني اليهودي ويُبقي جسوره مفتوحة على ايران وإشراكها في الجلوس على طاولة ترتيب المنطقة كفاعل إقليمي وتجاوز الإعتراض الإسرائيلي. وفي هذا السياق لا ينبغي أن نُسقط من الحساب كون طهران لها مصلحة مباشرة في عودة الرئبس الأميركي بايدن إلى الرئاسة مجددا لأن البديل منه هو دونالد ترامب الذي يُحبّذ فكرة دولة يهودية خالصة الهوية والذي يعترض كليا على تجديد الإتفاق النووي الأميركي الايراني.
ختاما أكثر فأكثر الحرب الاسرائيلية على غزة مضبوطة على الايقاع الأميركي. وهو ايقاع يجعل من واشنطن الفاعل الرئيسي في المنطقة… وهو ’’ايقاع‘‘ محكوم بالصبر وتوظيف الوقت والرؤية البعيدة ما يجعل المخارج في التسويات وليس بالحروب.