جاء في “الراي الكويتية”:
يَمْضي لبنان وكأنه لبنانان، واحِد منغمس في الحرب وآخَر يدير ظهرَه. فالانقسامُ بَلَغَ أَوْجَه مع مبادرةِ «حزب الله» إلى فتْح الجبهة المسترخية في ظلال الـ1701 غداة «طوفان الأقصى» تحت شعار مساندة غزة، والاعتراض المتعاظم على تَفَرُّد الحزب واقتياده الوطن الصغير إلى حربٍ لا طاقة له على تَحَمُّل نتائجها الكارثية عبر احتكاره الإمرة الإستراتيجية بالنيابة عن الدولة ومؤسساتها.
ومن المرجح أن يترك هذا الانقسام الذي تزداد مظاهره تداعيات عميقةً بعد أن يعود جمر الحرب إلى تحت رماد المناطق والمَرافق والقطاعات المدمّرة والمتهالكة والمنكوبة، ولا سيما في مناطق نفوذ الحزب وبيئته التي تدفع وبالمباشر، ثمن خياراته في الانضمام المبكّر لحرب غزة عبر مواجهةٍ يحرص على إبقائها مضبوطة ومحدودة لاعتبارات إيرانية وأخرى ذات علاقة بالواقع اللبناني.
ولم يعد خافياً أن إسرائيل المصابة بهلَع إستراتيجي بعد عملية 7 أكتوبر ومخاوفها من عملية مماثلة على حدودها الشمالية مستقبلاً، تحاول من خلف ظهر التفاهم الأميركي – الإيراني على تجنُّب الذهاب بالمنطقة إلى حرب واسعة، الإفادة من «الصبر الإستراتيجي» الذي يمارسه «حزب الله»، للاندفاع قدماً في ضرباتها للحزب على الحافة الحدودية وفي العمق اللبناني وداخل سورية.
ويوحي «الارتقاء» الإسرائيلي بالعمليات وكأن الساعة الرملية تتقدّم في اتجاه عد تنازلي لوقائع عسكرية أكثر توسعاً وإيلاماً وعنفاً على النحو الذي يُخْرِج جبهة جنوب لبنان من انضباطها النسبي في إطار قواعد اشتباك مطاطة بلغت أخيراً ولأربع مرات بعلبك وشملت الهرمل وتحط بين الحين والآخر في غير مكان في سورية.
وفي هذا الإطارـ بقيتْ أوساط مطلعة على تقديراتها بأن تل أبيب ستَمْضي في الاندفاعة الهجومية ضد الحزب بهدف قضْم قدراته الإستراتيجية في مواجهةٍ قد لا يعود توسيعُها هدفاً في ذاته بحال تمّ تحقيقُ نتائجها بـ «النقاط» بالاستفادة من حدودٍ رَسَمها الحزب لنفسه – ومن خلْفه إيران بتفاهمٍ ضمني مع الولايات المتحدة لتحييد نفسها عن «المقصلة» التي وُضع رأس «حماس» تحتها – وباتت تقيّد حركته العسكرية ومداها.
وفي رأي الأوساط أن التطورات في الأشهر الأخيرة عززت الاقتناعَ بأن هذه الحدود «الذاتية» باتت «ورقة مكشوفة» لتل أبيب، التي تلعب أيضاً «على وتَر» لبناني داخلي يتمثّل في أن الحزب يحاذر استجرار حربٍ تصبح معها البنية التحتية للدولة «تحت مرمى النيران» بما قد يرفع منسوب الاعتراض على تفرّده بما أسماه «الدفاع الاستباقي»، وهو الأمر الذي دفع بقادة فيه لطمأنة أطراف كانوا من حلفائه إلى أنه «يأخذ بصدره» الضرباتِ في مناطقه، مع إيحاءٍ موازٍ بأن التناقضات الداخلية في الموقف من حرب المشاغلة تشكّل في جانب منها «حماية» لبيئات أخرى، وتتيح للحزب في «تفسيرها» الآخَر الذهاب أبعد في مواجهةٍ يَعتبر أنه يدفع ثمنها «من جيْبه».