بقلم: وفيق الهواري.
منذ زمن طويل، نقرأ قصص الف ليلة وليلة، وهي قصص ترويها شهرزاد يوميا لشهريار كي تنقذ نفسها، لأن الرواية تقول ان شهريار كان يتزوج إمرأة ويعود ويقتلها في اليوم التالي.
لكن شهرزاد كانت محظوظة لأنه في زمانها لم يعرفوا ابر التخدير، وبالتالي لم يكن بإمكان شهريار حقنها بابرة فوق المعدل بدون ان يتحمل مسؤولية قتلها تاريخيا، ويقال ان شهريار كان ابيضا، ولم يعرف ان كان ابيض البشرة ام ابيض الشعر ام ابيض الكنية. ولكن المعروف انه كان حسنا بعد ان كان جميلا.
وفي ليلة من الليالي بدأت شهرزاد قصتها بالقول: “كان يا ما كان في زمن من الازمان، في مدينة من لبنان كان هناك مستشفى حكومي عام، تحول إلى مستشفى ذو استثمار خاص بفضل نظام المحاصصة بين الأمراء في تلك الايام، وكانت ادارة المستشفى تحظى بحماية سياسية واضحة تحمي الانتهاكات والسرقات ومخالفة القوانين التي تحصل بدون رقيب او حسيب”.
تدخل شهريار وسأل: “الم يتدخل حرس الإمارات لكشف المخالفات والارتكابات؟”.أجابت شهرزاد: ” لقد حصل وتدخلوا واجروا التحقيقات اللازمة بشأن التزوير والسرقات من تيار كهربائي ومازوت وخبز وخضار وتزوير الاوراق الطبية والفواتير، لكن التدخلات السياسية كانت تنهي الموضوع عند هذه الحدود”.عاد شهريار وسأل:” هل من جديد؟”أجابت شهرزاد:” يوم الثلاثاء السادس من آذار ٢٠٢٤، التقى والي المستشفى بقسم التمريض وطلب من موظفيه، اطلاعه على اي خطأ طبي يرتكبه اي طبيب وعدم تغطية الموضوع، اتى هذا الاجتماع بعد وفاة الطفل ياسين هيثم حمزة الذي تعرض لعضة كلب، والاشتباه يدور بان وفاته سببها خطأ ارتكبه طبيب التخدير، وأن طلب الوالي جاء حفاظا على سمعة المستشفى وأن الوفاة قد حصلت وانتهى الامر”.
واضافت شهرزاد:” لقد غاب عن المسرح ان إدخال الطفل الى غرفة العمليات لإجراء عملية تجميل يتحمل مسؤوليتها اكثر من طبيب، بالإضافة إلى طبيب التخدير، وأن الهدف كان الحصول على مبلغ من المال، لم يجر للطفل اي تصوير اشعة قبل الادخال، بل جرى تصويره بعد وفاته وتبين ان الرئتين كانتا سليمتين وأن سبب الوفاة هي كمية البنج الزائد. ان
ها ليست المرة الأولى التي يرتكب طبيب التخدير هذا الخطأ الطبي، قبل عام توفي طفل اخر كان يجري عملية بالورك بنفس الخطأ وجرى توقيف الطبيب المعني عن العمل، لكن دعما سياسيا اعاده الى العمل يومي السبت والأحد من كل أسبوع.يقول احد الأطباء ان الطفل كان بحاجة الى لقاح، وإجراء قطب مفتوحة لكن بعض الأطباء أصر على عملية تجميل من اجل حفنة من الدولارات، واكد الممرضون ان عضة الكلب أصابت الطفل بوجهه لكن احد الأطباء “الاختصاصيين” أصر على أن العضة حصلت بالقلب”.
وتزيد شهرزاد:” ارسلت رسالة إلى والد الطفل عبر الحمام الزاجل، كان رد الوالد: كل ما أريده ان يمنعوا هؤلاء الأطباء من ممارسة العمل كي لا يشاركوا بقتل المزيد من البشر.هل تريد يا سيدي ان اخبرك المزيد؟”اجاب شهريار: “وهل من مزيد؟ دعينا نشرب فنجان قهوة في استراحة المستشفى مع اني لا احمل نقودا”.اجابته:” لا ضرورة لحمل النقود، انا من المحظيات في المستشفى ولا ادفع ثمن ما اتناوله في استراحة المستشفى.
وهناك اخبرك المزيد”.واضافت: “منذ اسبوع أقدم احد الأطباء بالتهجم على عدد من الموظفات بسبب طلبه مبلغا من المال وكسر هاتف احدى الموظفات، كما جرت محاولة سرقة خزانة احدى الممرضات، وتم رصد المشتبه به بآلة تصوير وانتهى الموضوع.كما استطاع احد الأطباء المحسوبين على طرف سياسي سلطوي باستئجار عيادة مجانا، ويستخدم كل ما يلزمه من قسم الطوارىء مجانا، اسوة بجاره المحسوب على زعيم اخر”.صمت شهريار قليلا وطلب من شهرزاد ان تأخذه نزهة بسيارتها، ضحكت شهرزاد وقالت:” لم أعد احضر بالسيارة بعد اختفاء دراجة نارية من الموقف، ومحاولة سرقة تعرضت لها سيارة موظفة، وسرقة بطارية سيارة، هذا الى جانب الكلفة العالية التي تدفعها ادارة المستشفى للموقف من دون استرداد الكلفة ولا يعني ذلك انه مشروع خاسر بل سوء ادارة فحسب.سأخبرك ما حصل في احد الايام، اذ حضر مريض يعاني من السرطان عمره ١٨ عاما، أجريت له الاسعافات الاولية والصور، لكن طبيب الطوارىء رفض الكشف عليه بحجة ان دوامه قد انتهى، وطلب تحويله الى بيروت، واخبار الاهل ان لا سرير موجود في العناية الفائقة، وخوفا من حصول اي طارىء أخبر الممرض الوالي عند وصوله بعد اربع ساعات من الحادث بما حصل، وانتهى الموضوع عند هذه الحدود. انها ليست المرة الأولى التي تحصل مع طبيب الطوارىء اذ جرت العادة ان يتأخر بالحضور الى عيادة الطوارىء حتى لو كانت الحالة التي وصلت بحاجة الى متابعة فورية.
كل هذا الى جانب الفوضى الادارية التي تطال معظم الأقسام، لكن لوحظ مؤخرا ان احد الموظفين الذين فصلوا من العمل بسبب ارتكاب سرقات في عدة ميادين عاد متعهدا للدهانات ويقال انها مقدمة لعودته الى العمل، ويقول الوالي: “ان احد السياسيين “طوشني” وهو يطلب مني إعادته الى العمل كما عاد غيره من المخالفين”. وتختم شهرزاد:” يا مولاي هذه بعض المشكلات اعرضها عليك، بعد ان بات المستشفى بدون أطباء في عدد من الاختصاصات الضرورية والسبب كي يبقى المستشفى ممسوكا من الشركة الاستثمارية التي تديره”.يسألها شهريار وهو يمسك بشعر رأسه الأبيض:” برأيك هل انا مسؤول عن ذلك؟”اجابته شهرزاد:” انت ادرى، ألست انت مسؤولا عن الولاة المعينين في امارتك، الم اقص عليك من قبل قصة: مغارة علي بابا والأربعين حرامي؟”.استيقظت من نومي مذعورا،احسست انها قصة صالحة للرواية وخصوصا في ليالي رمضان الكريم.