ارتفع سعر أونصة الذهب إلى 2140 دولاراً، متخطّياً أعلى سعر تاريخي له سُجّل في مطلع كانون الأول الماضي حين بلغ 2135 دولاراً. التحليلات تشير إلى احتمال ارتفاع إضافي ربطاً بعاملَين أساسيّين: التطورات في منطقة الشرق الأوسط التي تبدو ملتهبة، والطلب على المعدن الأصفر من المصارف المركزية التي ترى فيه دعماً لاقتصاداتها وعملاتها بدلاً من الدولار.
شهد سعر المعدن الأصفر تغيّرات عدّة في السنوات الماضية. كان أبرزها الأزمة التي نتجت من جائحة كورونا وأصابت سلاسل التوريد والإنتاج وكبحت الاستهلاك. ففي مطلع 2020، كان سعر الأونصة 1500 دولار، ثم ارتفع بنسبة 40% ليبلغ 2090 دولاراً في نهاية آب. لكنه في آذار 2021، انخفض سعر الأونصة إلى 1700 دولار مع نهاية وشيكة للجائحة. إلا أن الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا دفعته إلى الارتفاع ليسجّل في شباط 2022 نحو 2040 دولاراً. وما لبث السعر أن عاد إلى مسار تراجعي، ليسجّل 1600 دولار في تشرين الأول 2022. ثم انطلق في مسار تصاعدي تدريجي خلص أمس إلى كسر كل السقوف التي سجّلها تاريخياً.
في الواقع، أسهمت السياسة النقدية، التي اتبعتها المصارف المركزية الغربية كأحد الإجراءات لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، في تضخّم الأسواق المالية، ومنها الذهب. فالمصارف المركزية، على رأسها الاحتياطي الفدرالي، لجأت إلى طباعة الأموال وضخّها في الأسواق وخفض معدلات الفائدة إلى حدود الصفر، من أجل تحفيز الطلب في الأسواق. كان هاجس هؤلاء القلق من الركود الاقتصادي الناتج من إقفالات كورونا وأثرها على الإنتاج والعمل والاستهلاك. استثمرت الأموال في الأسواق المالية بشكل أساسي، ومنها في سوق الذهب الذي يعدّ ملاذاً لحفظ القيمة وجزءاً من توزيع مخاطر الاستثمارات. هذا الضخّ الكبير للنقد، زاد الطلب على الذهب ورفع سعره.
وعندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بإجراء معاكس في مطلع 2022، أي سحب السيولة من خلال رفع أسعار الفائدة، بدأت أسعار الذهب تنخفض. كان الهاجس أن الكتلة الهائلة من النقد الذي ضخّته المصارف المركزية، ستتحوّل إلى كتلة حارقة من التضخم الذي سينقلب إلى الركود. وفي ذلك الوقت، أصبح الاستثمار في سندات الخزينة الأميركية يُعطي عائدات كبيرة بالنسبة إلى استثمار خالٍ من المخاطر (تُعدّ السندات الأميركية خالية من المخاطر)، لذا حوّل المستثمرون جزءاً كبيراً من أموالهم من الأسواق المالية إلى سندات الخزينة.
استمرّ هذا الوضع لأشهر. ويحاول مصرف JP Morgan في تقرير نشره الشهر الماضي تفسير أسباب ارتفاع أسعار الذهب، بالإشارة إلى أن الطلب من المصارف المركزية على الذهب، كان أهم العوامل التي دفعته إلى الارتفاع. اشترت المصارف المركزية، بقيادة الصين، أكثر من 800 طن صافٍ من الذهب في الفصول الثلاثة الأولى من 2023. ويُقدّر JP Morgan أن مشتريات المصارف المركزية العالمية من الذهب بلغت في 2023 نحو 950 طناً، مع بقاء الصين في طليعة المشترين. يأتي هذا الأمر في إطار محاولة تخلّي بعض الدول عن الدولار في التجارة الدولية، ولا سيما أن دول مجموعة «بريكس» تحاول خلق عملة خاصّة بالمجموعة مدعومة بالذهب.
يضاف إلى ذلك تزايد المخاوف من الركود الاقتصادي في العالم بعد رفع أسعار الفائدة الأميركية، وهذا ما دفع المستثمرين إلى الادخار في الذهب. وتأكّد هذا المسار في الأشهر الأخيرة، بعد بداية الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزّة، إذ ارتفع سعر الأونصة من 1800 دولار، إلى 2140 دولاراً يوم أمس. وتتعزّز المعطيات بشأن المزيد من الارتفاع ربطاً بمخاوف من اندلاع حرب في المنطقة التي تُعدّ محورية في الاقتصاد العالمي لأنها تُصدّر الجزء الأكبر من استهلاك النفط العالمي.
الأخبار