تبقى نتائج المبادرة التي طرحتها كتلة “الاعتدال” النيابية لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزم، مرتبطة بخواتيمها، بصرف النظر عن تسويقها إعلامياً من قِبل أصحابها لإعادة تحريك الملف الرئاسي، مع أنه لا مشكلة في تأمين المشاركة الواسعة فيها، كون الكتل النيابية تنأى بنفسها عن مقاطعتها؛ لئلا يدرج اسمها في خانة معطلي انتخاب الرئيس.
ولفتت مصادر نيابية إلى أن الغموض والضبابية يكتنفان النتائج المرجوة من اللقاء، وقالت لـ”الشرق الأوسط” إن الاجتماعات التحضيرية التي تتولاها كتلة “الاعتدال” لم تؤدِّ إلى تبدُّل المشهد السياسي بتأمين الأرجحية للخيار الرئاسي الثالث الذي تتمسك به قوى المعارضة، في مقابل إصرار “حزب الله” على ترشيح ريس تيار المردة سليمان فرنجية فرنجية، شرط أن يتمتع الرئيس التوافقي بالمواصفات التي حددتها اللجنة “الخماسية”، كونه يُشكل المعبر الوحيد لوقف تمدُّد الشغور الرئاسي.
وأكدت المصادر أنها تخشى من أن ينتهي اللقاء التشاوري بلا نتائج محسومة، خصوصاً وأنها لاحظت أن النواب الأعضاء في كتلة “الاعتدال” يكتفون بالاستماع إلى آراء الكتل النيابية، من دون أن يطرحوا أفكاراً تسمح بفتح الباب أمام التعاطي بمرونة مع الاستحقاق الرئاسي، تقضي بتبادل التسهيلات المطلوبة لإنقاذه من التأزم، فيما تشتعل المواجهة في الجنوب، وتنذر بتوسعة الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” الذي لا يزال يمارس ضبط النفس لمنع خروجها عن السيطرة، وبالتالي، لا مصلحة أن يتحول اللقاء إلى “هايد بارك” نيابي يجد فيه كل فريق منصة لتكرار مواقفه الشعبوية بما يؤدي إلى تعميق الفجوة، بدلاً من خلق المناخ المواتي لانتخاب الرئيس.
“الخماسية” تنفي علاقتها بمبادرة “الاعتدال”
واستبعدت المصادر نفسها أن يكون لـ”الخماسية” علاقة بالمبادرة التي أطلقتها كتلة “الاعتدال”، وهذا ما أكده أحد سفراء الدول الأعضاء فيها لعدد من رؤساء الكتل النيابية، مشدداً على أن دوره وزملاءه السفراء في “الخماسية” يبقى تحت سقف توفير الدعم والمساندة لتسهيل انتخاب الرئيس من دون التدخل في الأسماء.
ونفى السفير إياه، الذي تمنّى على من تواصل معه عدم ذكر اسمه، ما يروّج من حين لآخر عن وجود خلاف داخل اللجنة، ونقل هؤلاء عنه قوله إنه لا صحة لكل ما يشاع عن وجود انقسام بين أعضاء “الخماسية”، وإلا لو كان هذا الكلام صحيحاً فسنجد صعوبة في تقديم المساندة للنواب لتغليب إنهاء الشغور الرئاسي على انقساماتهم التي يتخبطون فيها والتي تؤخر انتخابه، في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة التي تلح لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد.
ورأى السفير ضرورة انتخاب الرئيس ليكون حاضراً في صلب الاتصالات الدولية والإقليمية الرامية إلى إنهاء التوترات في المنطقة، بإيجاد تسوية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ووضع حد للمواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل.
حقيقة الخلاف داخل «الخماسية»
لكنّ نفْي السفير نفسه وجود خلاف داخل “الخماسية” لا يفي بالغرض المطلوب، وإلا ماذا يقول، حسب المصادر النيابية، عن تراجع منسوب «الكيمياء السياسية» بين باريس وواشنطن، التي تكاد تنعكس سلباً على أداء “الخماسية” بغياب أي موعد لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، وهذا ما يؤكده السفير الفرنسي لدى لبنان، هيرفيه ماغرو، في لقاءاته مع القوى السياسية والهيئات الاقتصادية.
وفي هذا السياق، علمت “الشرق الأوسط” من مصادر اقتصادية، أن السفير ماغرو في اجتماعه بالهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق محمد شقير، غمز من قناة واشنطن على خلفية عدم شمول الوسيط الأميركي أموس هوكستين بيروت في زياراته المتكررة لتل أبيب، مع أنها معنية مباشرة بوساطته لتطبيق القرار 1701. وسأل السفير الفرنسي عن الأسباب الكامنة وراء إغفال هوكستين زيارة بيروت، مع أن مصادر وزارية تنقل عن الوسيط الأميركي تأكيده أن لبنان يبقى في البال، وهو يعمل على منع توسعة الحرب لتشمل الجنوب.
لذلك، ليس هناك من تناغم، كما يقول السفير نفسه، بين كتلة “الاعتدال” و”الخماسية” كما يُنقل عن نوابها في لقاءاتهم مع زملائهم من الكتل الأخرى، لفتح ثغرة في انسداد الأفق السياسي الذي لا يزال يعطّل انتخاب الرئيس، وإن كانت “الخماسية”، حسب قوله، تبارك كل مسعى يؤدي إلى خفض منسوب الانقسام داخل البرلمان، لفتح كوّة يمكن التأسيس عليها لإخراج انتخابه من التأزُّم.
جلسة نقاش من دون شروط مسبقة
ولفتت “الاخبار” الى انه بعد الاجتماع مع كتلة الوفاء للمقاومة، سيدعو “التكتل” إلى جلسة نقاش من دون شروط مسبقة، يتم الاتفاق على مكان انعقادها وعدد المشاركين فيها وكيفية إدارتها. وإذا كان النقاش سيتطرق إلى المرشحين ليحاول حصرهم باثنين أو ثلاثة، إلا أن الهدف الأساس هو الاتفاق على آلية الانتخاب وليس اسم المرشح، وانتزاع التزام من أكبر عدد ممكن من النواب بتأمين النصاب، خصوصاً بعدما أبدى بري استعداده للدعوة إلى عقد جلسات واحدة تلو أخرى حتى انتخاب رئيس.
بمعزل عن مصير المبادرة، فقد نجحت حتى اليوم في إنهاء التحفظ المسيحي (القواتي – الكتائبي – التغييري خصوصاً) على مبدأ الحوار أو النقاش، وقفزت فوق الشروط المتبادلة لجهة سحب ترشيح سليمان فرنجية وغيره. وإذا كان أصحابها هادئين جداً مقارنة بمن سبقهم من أصحاب المبادرات، فإن المشهد الأولي الحالي يوحي بقدرتهم على تحقيق خرق ما، مستفيدين بشكل رئيس من عدم وجود تعويل هائل على تحركهم، ومن عدم تموضعهم في لا اقليمياً ولا محلياً.