أفرزت نتائج الانتخابات النيابية عام 2022 توازنات جديدة لا تشبه توازنات مجلس نواب دورة الـ2018، ومنها ظهور الكتلة النيابية الشمالية، التي إذا ما أضيف إليها «اللقاء النيابي المستقل» و»لبنان الجديد» وبعض المستقلين والنواب الذين ليس لديهم مرشح رئاسي معلن، فإنّ هذه القوى تستطيع أن تكون «بيضة القبّان» في تحديد هوية رئيس الجمهورية الجديد.
ثمّة من يعتبر أنّ كتلة «الاعتدال الوطني» مستفيدة من التجربة الناجحة بدور لعبته في التمديد لولاية قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية، ونجاح تعاونها مع كتل أخرى يمكّنها من أن تؤدّي اليوم دوراً أساسياً في دفع باقي الكتل على خطوط المواجهة السياسية إلى التحاور على المسائل الخلافية لإيجاد الحلول لها، وفي مقدّمها مسألة الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى.
لو كان الرئيس سعد الحريري لا يزال يتابع عمله السياسي، لكانت «الاعتدال» جزءاً من كتلة «المستقبل». وكون الحريري كان عرّاب التسويات في الاستحقاقات الدستورية، وآخرها التسوية التي أتت به رئيساً للحكومة وبالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وبصرف النظر عن مسألة نجاحها أو فشلها، غير أنّ كتلة «الاعتدال» اليوم، بحسب متابعين، قادرة أكثر ممّا لو كانت تحت قُبّة «بيت الوسط»، على الحديث والتحاور مع كل الكتل السياسية، انطلاقاً من موقعها الوسطي، وربما يمكن القول إنها الأكثر حيوية من باقي الكتل في خرق الجمود السياسي الحاصل من وقت لآخر، بصرف النظر إذا ما أسفر تحرّكها عن نتيجة سياسية أم لا.
وتحاول الكتلة نقل هذه «الوسطية» إلى الملفّ الرئاسي، لكنّ البعض يعتبر أنّ «الاعتدال» التي لم تصوّت في جلسة الانتخاب في حزيران الماضي، في المواجهة بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور – لأنها كانت تدعو إلى التوافق بين الكتل على اسم باعتبار أنّ جلسات المواجهة في لبنان لا تأتي برئيس- هواها في الحقيقة شمالي، وقد تكون أقرب إلى خيار فرنجية من مرشحين آخرين، وقد عبّر بعض أعضائها عن ذلك صراحة. على أنّ ذلك لا يدينها بالطبع، لأنّ لكل لبناني هواه السياسي، والتحدّي الأكبر أمامها ككتلة هو أن تحافظ على الوسطية في زمن التموضع السياسي الحاد.
أوساط «الاعتدال الوطني» توضح أنّ الكتلة «الباحثة عن توافق على اسم جامع يحقّق الرضى الداخلي والثقة الخارجية، ستصوّت لأي رئيس يحقّق الإجماع الوطني من دون أن يكون لها اسم إلا من يحقق الإجماع».
وبحسب عضو الكتلة النائب سجيع عطية فقد «أطلقنا حراكنا الجديد باتجاه الكتل لكسر جدار الجمود في الملف الرئاسي، هذا هو السبب الرئيسي وراء مبادرة الكتلة الأخيرة نحو باقي الكتل والأطراف السياسية في البلاد». فالكتلة التي تضمّه والنواب: محمد سليمان، وليد البعريني، أحمد رستم، عبد العزيز الصمد وأحمد الخير، «ليس هذا هو حراكها السياسي الأول لإنهاء الفراغ الرّئاسي وقد لا يكون الأخير ما دام الفراغ مستمراً ويتمدّد لأسباب شتّى يعرفها الجميع».
لكنّ عطيّة يشدّد على أنّ المبادرة الجديدة للكتلة «جاءت مدفوعة من منطلق الحسّ الوطني لدى نوابها، بأنّ هناك من يجب أن يفعل شيئاً وسط هذا الجمود. فـ»الاعتدال» و»اللقاء النيابي المستقل» و»لبنان الجديد» مع من يشبهنا من الزملاء، لدينا هامش أوسع للحركة السياسية، ومساحة أكبر للتعامل مع الجميع، لأنّه ليس لدينا مرشح مطروح على الطاولة، كما لدى كتل أخرى. صحيحٌ أننا انطلقنا من قرار ذاتي، إلا أننا حصلنا بعدها على مباركة الرئيس نبيه بري واللجنة الخماسية الدولية، وكل من التقيناهم إلى الآن من الكتل. فالكل يرغب في أن يبدأ أحد من مكان ما بخرق الحائط السياسي المسدود».
أما عن بنود المبادرة فيوضح عطية «أنّ أساسها إعادة فتح باب المجلس النيابي تمهيداً لانتخاب رئيس، خصوصاً أنّ الأوضاع في لبنان لم تعد تحتمل استمرار الفراغ على كل المستويات. وما دام السيّد نصرالله تحدث عن ضرورة فصل الملف الرئاسي عن مسار الحرب في غزة، وكذلك رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل أعلن أنه مع الحوار في الملف الرئاسي، وما دامت الأطراف الأخرى ترغب في ذلك أيضاً، كان من الواجب أن يبدأ أحد هذا الحوار، وأخذنا نحن المبادرة».
ويؤكد عطية أنّ لبنان «في حاجة ماسّة إلى رئيس جمهورية، ولا يمكن أن نضع البلد على سكة التعافي من دون هذا الشرط الأساسي، وأما الانتظار فهو قاتل للبنان».
مايز عبيد
نداء الوطن