قدّمت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مشروع قانون متعلق بمعالجة أوضاع المصارف اللبنانية وإعادة تنظيمها الذي جاء ثمرة جهد مشترك بين الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، كما قال نائب رئيس الحكومة الدكتور سعادة الشامي، وهو مكوّن من قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون الانتظام المالي وهدفه تأمين حماية الودائع وإعادة تفعيل دور القطاع المصرفي وتعزيز الاستقرار المالي وتنظيم عمليات السحوبات.
في قراءة أولية للمشروع لا سيما ما يتعلق بتصنيف ومعالجة الودائع، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1- يتطرق المشروع الى الودائع المشروعة بالعملات الاجنبية، ويطلب من أصحاب الودائع التي تتعدى قيمتها 500 الف دولار تثبيت مشروعيتها ومصدرها، ومن الموظفين العموميين الذين لديهم وديعة تتعدى 300 الف دولار التقدم بإفادة عن مصادرها، ومن مسؤولي المصارف التصريح عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة في لبنان والخارج واعادة فائض الأموال التي حصلوا عليها، ومن الأشخاص الذين حوّلوا من حساباتهم بدءاً من 17 تشرين الأول 2019 مبالغ تفوق 100 الف دولار الى الخارج، إعادتها. سيواجه المشروع تحديات وصعوبات في تثبيت مشروعية الودائع ومصادرها، وعدم مشروعيتها، وإعتراضات قانونية ورفض مساهمي ومسؤولي المصارف إعادة فائض الأموال.
2- يحمي المشروع الأموال الجديدة (Fresh Fund) أي الأموال المثبت تلقيها من الخارج أو كودائع نقدية بالعملات الأجنبية بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019 من خلال الزام المصرف بتسديدها كاملة للمودع عند الطلب. إن عدم حماية الأموال الجديدة كما يحصل حالياً في بعض المصارف يلحق ضرراً كبيراً بالقطاع المصرفي ويطيح بكافة الجهود الإصلاحية التي يقوم بها المصرف المركزي والحكومة لإنقاذ القطاع وإعادة الثقة به.
3- يصنَف المشروع الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة. فالودائع المؤهلة هي الودائع بالعملات الأجنبية الموجودة لدى المصارف قبل تاريخ 17 تشرين الأول 2019، ويفترض ان تبقى مؤهلة بعد هذا التاريخ حتى لو تحوَلت الى مصرف آخر أو توزعت الى حسابات مشتركة أو فردية أو على الورثة… أما الودائع غير المؤهلة فهي الودائع التي حوَلت الى عملات أجنبيــة بعد تاريخ
17 تشرين الأول 2019 وفقاً لسعر صرف يوازي 1500 ليــرة للــدولار الواحد.
4- يتناول المشروع الودائع المحمية. فيحدد قيمة الودائع المؤهلة المحمية بـ 100 الف دولار كحد أقصى لكل مودع في القطاع المصرفي حسب وديعته، تسدد في فترة زمنية طويلة تتراوح بين 10 -15 سنة على أساس 300 – 800 دولار شهرياً. ويحدد قيمة الودائع غير المؤهلة بـ 36 الف دولار كحد أقصى لكل مودع في القطاع المصرفي حسب وديعته أي بإقتطاع نسبة 64% من الوديعة، تسدد ايضاً في فترة زمنية طويلة تتراوح بين 10-15 سنة، على أساس 200-400 دولار شهرياً.
تقدّر الحكومة الودائع المحمية بالعملات الأجنبية بـ 20 مليار دولار! لا تملك الحكومة الأموال الكافية لسدادها لا سيما ان موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية الصافية تقارب 7.5 مليار دولار، والسيولة لدى المصارف تتراوح بين 4-5 مليار دولار، وقروض القطاع الخاص بالعملات الأجنبية تراوح بين 5-6 مليار دولار.
5- يقترح المشروع لسداد الودائع غير المحمية، أي التي تفوق 100 الف دولار للمودع حسم فائض الفوائد التي تفوق 1% والتي تمّ دفعها منذ سنة 2015. يعتبر الاقتراح غير واقعي اذ تجاوزت الفوائد حينذاك معدل 3% في بلد يحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة كلبنان. لذا نقترح ان يطال حسم فائض الفوائد حصراً كبار المودعين الذين تعدّت ودائعهم المليون دولار بالعملات الاجنبية في شباط 2020 وشكلوا اقل من 1% من اجمالي المودعين أي ما مجموعه 58 مليار دولار، علماً أن هؤلاء يشكلون أقل من 1% من المودعين وتبلغ قيمة ودائعهم حوالي 34 مليار دولار.
6- يعطي المشروع المودع إمكانية تحويل جزء من رصيد وديعته الى الليرة على أساس 20% من سعر صرف الليرة للدولار الواحد. يؤدي الاقتراح الى إقتطاع 80% من القيمة الفعلية للوديعة. وهو أمر مجحف بحق المودع ومرفوض وقابل للطعن أمام مجلس شورى الدولة (وأمام المجلس الدستوري إذا قرر عدد من النواب الطعن). لذا نُقدّر ان يعطى المودع إمكانية تحويل وديعته الى الليرة على أساس السعر الفعلي للدولار.
7- يقترح المشروع تحويل جزء من الودائع التي تفوق قيمتها 500 الف دولار الى أدوات رأسمالية (Bail-in) على أساس كل 5 دولارات محلي يساوي دولار واحد من الأموال الجديدة للودائع المؤهلة، وعلى أساس كل 10 دولارات محلي يساوي دولار واحد من الأموال الجديدة للودائع غير المؤهلة. يعتبر الاقتراح غير منصف اذ يعرّض الوديعة المؤهلة الى اقتطاع 80% من قيمتها والوديعة غير المؤهلة الى 90%. لذا نقترح ان تحوّل الودائع الى أدوات رأسمالية لكبار المودعين الذين تخطت ودائعهم المليون دولار بشكل طوعي وان يحدد سعر الدولار المحلي من الوديعة مقابل الدولار الواحد من الأموال الجديدة بعد تقييم الموجودات الصافية في القطاع المصرفي.
8- يتكلم المشروع بشكل غير واضح عن تحويل الودائع غير المحمية الـــى سندات مصنّفــة and Above A صادرة عن مؤسسة معروفة وموثوقة. يستند المشروع كما هو متداول الى إصدار مؤسسة مالية عالمية أو دولة قطر سندات ذات القسائم الصفرية Zero coupon Bonds بقيمة 40 مليار دولار، بفائدة 6% سنوياً، واستحقاق مدته 30 سنة. تعطي الحكومة السندات للمودعين الذين تفوق ودائعهم 100 الف دولار، وتدفع ثمنها وفق القيمة الحالية Present value للسندات، أي 6 مليار دولار، للجهة المصدّرة، مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف. تتداول السندات في الأسواق الثانوية ويبلغ سعرها حالياً 15% من قيمتها الاسمية.
يحمل اصدار السندات ذات القسائم الصفرية إيجابيات وسلبيات. تظهر الإيجابيات في عدم استخدام الدولة فائض إيراداتها المستقبلية او أصولها الاستثمارية والعقارية لسداد الودائع.
أما السلبيات، فهي متعددة نذكر منها ما يلي:
-هو اقتطاع مقنّع للودائع يصل الى 85% من قيمة الوديعة عند اصدار السندات ثم تنخفض نسبة الاقتطاع تدريجيا مع اقتراب السند من تاريخ الاستحقاق.
-مدة استحقاق السندات طويلة جداً اذ نتكلم عن 30 سنة وهي غير منصفة للمودعين الذين تجاوزوا 50 سنة وللطبقة المتوسطـــة.
-أسعــــار السنــــدات شديــــدة الحساسيــة حيــال أسعــار الفوائد العالمية ومعدلات التضخم.
-على مصرف لبنان ان يدفع 3 مليار دولار عند اصدار السندات مقابل اعتراض المصارف دفع حصتها.
– تحمل السندات مخاطر جسيمة في حال تعثر أو اخفاق الجهة المصدرة للسندات عن سدادها عند الاستحقاق.
يعتبر الاصدار بشروطه الحالية مجحفاً بحق المودعين. على الدولة تحسين الشروط من خلال تقليص المدة الزمنية لاستحقاق السندات ليكون 20 سنة بدل 30 سنة. حينذاك يمكن ان يحصّل المودع على 34.5% من قيمة السند عند الاصدار بدل 15% حاليا.
باختصار يمكن القول ان تقديم خطة لحل أزمة الودائع أفضل من ترك الأمور ليعالجها الوقت كما حصل في السنوات الأربع الماضية ونتج عنها تذويب نسبة كبيرة من الودائع.
ولكن المشروع يؤدي الى اقتطاعات كبيرة من قيمة الودائع وهي تصل الى 64% عند تصنيفها ودائع غير مؤهلة، الى 80 و 90% عند تحويلها الى اسهم مصرفية (Bail-In)، الى 80% عند ليلرتها، الى 85% عند تحويلها الى سندات مالية. كما تعتبر الفترات الزمنية طويلة جداً لتحصيل المودع وديعته اذ تصل الى 15 سنة للودائع المحمية، و 30 سنة للسندات ذات القسائم الصفرية.
في الخلاصة، يحتاج هذا المشروع الى طاولة حوار إقتصادية مالية اجتماعية يتخللها نقاش جدي وادخال تعديلات أساسية لا سيما ان المشروع لا يتطرق الى الخسائر ومعالجتها، ولا يؤمن السيولة لسداد الودائع، ولا يتناول مسؤولية الدولة في الخسائر ومساهمتها في الحلول، ولا يحدد سعر صرف الدولار للسحوبات الذي يفترض ان يكون السعر الفعلي.
| الدكتور غازي وزني |((وزير المال اللبناني السابق)