جاء في “الاخبار”:
لا يعير لبنان جدّية للرسائل التي تصله، وآخرها فرنسية تحذّر من أن إسرائيل تقترب من القيام بعمل ضده، متّكلاً على الموقف الأميركي، من دون اعتبار أن إسرائيل قد تتفلّت من ضغوط واشنطن.
يجري التعامل مع التحذيرات الإسرائيلية المتكررة للبنان على أنها في إطار الحرب الإعلامية والنفسية التي تمارسها إسرائيل في خضمّ معركتها مع حماس وحزب الله. لكن الرسائل الإعلامية تختلف، في مضمونها وحيثيّاتها، عن تلك التي تنقلها القنوات الديبلوماسية والاستخبارية المعنية عادةً بمثل هذا النوع من الرسائل. ومنذ بداية حرب غزة، تفاوتت درجات حدّة التحذيرات التي يتلقّاها المسؤولون اللبنانيون، بحسب معطيات غزة وسير المعارك فيها وإيقاع العمليات في جنوب لبنان
في الأيام القليلة الماضية، تلقّى مسؤولون لبنانيون تحذيراً فرنسياً يحمل مؤشرات مهمة عن احتمالات إسرائيلية أخطر من السابق، وأن إسرائيل قد تكون في وارد القيام قريباً بعمل ما ضد لبنان. ويفترض أن يكون التعامل اللبناني مع هذا التحذير أكثر جدّية، ولا سيما أن الرسالة تضمّنت تنبيهاً إلى أن إسرائيل لا تتصرف على أنها تخضع للضغط الغربي ولا سيما الأميركي. وتقاطع ذلك مع معلومات أميركية ديبلوماسية تؤكد أن مقاربة الإدارة الأميركية لوضع لبنان لا تزال على القدر نفسه من الاهتمام منذ بداية الحرب، وأكدت على مساعي الفاتيكان لدى البيت الأبيض لتحييد لبنان. لكن المعلومات نفسها لفتت إلى أن إسرائيل لا تبدي التجاوب المطلوب في هذه المرحلة مع الضغوط الأميركية، وتوافقت مع التحذير الفرنسي من أن إسرائيل قد تقوم بعمل مفاجئ، متجاوزة الخطوط الحمر الغربية.
في إيقاع الرسائل المتتالية، ربط بما يجري في غزة، وخصوصاً في المرحلة الحالية التي انتقل الحديث فيها عن رفح، واقتراب شهر رمضان، وما يمكن أن تتعرّض له إسرائيل من ضغط لعمل مبكر قبل بدء شهر الصوم لدى المسلمين، ما سيعرّضها لضغط إعلامي وسياسي عالمي، لا تزال أساساً تحت وطأته ربطاً باستهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس، وخصوصاً أن ذلك يمكن أن يتمدّد أكثر نحو الدول العربية، ولا سيما التي لا تزال تقف موقفاً أقرب الى المتفرج. والأمر نفسه يتعلق بلبنان لجهة المدة الزمنية التي يمكن أن تلوح فيها بوادر أيّ عمل يستهدفه.
في المقابل، يقف إيصال الرسائل الى لبنان عند حدود التبليغ فحسب، إذ إن الدول الغربية التي كثّفت زيارات موفديها لبيروت تدرك أن لبنان الرسمي ليس سوى صندوق بريد للرسائل، وأن لا قدرة له على التعامل بموضوع الحرب أو السلم إلا في الشكل. فمنذ أن بدأت التحذيرات، ورغم ما كان ينبغي أن تخلقه تجربة حرب تموز، لم تتصرّف حكومة تصريف الأعمال بما يلائم التحذيرات التي تتلقّاها ومعها كبار المسؤولين من سياسيين وعسكريين، فلم تضع خطة جهوزية كاملة تحسّباً لما قد يقع، تماشياً مع حجم المخاوف التي تنقل إليها.
ولم تتخذ تالياً أيّ إجراءات مسبقة، لا على صعيد إعداد المستشفيات ولا تحضير البنية التحتية لجهة المواد الغذائية والمحروقات، وتأمين الضرورات الحياتية، إضافة الى ترقب احتمالات النزوح، ولا سيما أن تجربة الأشهر الأربعة الأخيرة، ورغم أنها محصورة بالمناطق الحدودية، عكست حجم مشكلة النازحين اللبنانيين اجتماعياً ومادياً، فضلاً عن مواكبة مشكلة النازحين السوريين في حال القيام بأيّ عمل إسرائيلي واسع النطاق.
وفي موازاة ذلك، وباستثناء الاتهامات المتبادلة بين حزب الله وخصومه حيال مشاركته في قرار ربط الجنوب بغزة، لم يتطوّر الأداء السياسي الى ما يعكس فعلياً خطورة أن الوضع اللبناني، وليس الجنوبي وحده، أصبح على المحك. لا بل إن قرار حزب الله زاد من الشرخ الموجود أصلاً في لبنان، وأيّ تمدّد للعمليات الإسرائيلية بما يتعدّى الإطار المضبوط حالياً، وفق ما يصل من تحذيرات، سيكون انعكاسه سياسياً، أبعد بكثير مما خلقته حرب تموز.
واستطراداً، فإن لبنان يتصرّف على أنه يضع رهانه كلّه على الضغط الأميركي على تل أبيب من جهة، ومن جهة أخرى على نجاح مساعي التفاوض الأميركي – الإيراني غير المباشر وعدم رغبة إيران في الذهاب الى حرب شاملة في المنطقة، ما جعل إيقاع حرب الجنوب مضبوطاً ومحصوراً.
وترى الأقنية الديبلوماسية المعنيّة في ذلك استسلاماً لبنانياً مطلقاً، إن لمنطق حزب الله في فرض معادلة الحرب جنوباً، أو لمنطق التفاوض الذي قد يطول ويتبدّل بحسب إيقاع الإدارة الأميركية ومصالح طهران في المنطقة والأثمان التي تريدها.
ويتناسى، في الوقت نفسه، أن حسابات إسرائيل بعد 7 تشرين الأول قد تكون متفلّتة من أيّ قيود، ولم تعد تخضع للقراءات والسلوكيات المعتادة، بما في ذلك ربط قراراتها العسكرية بما تريده واشنطن.