نشر موقع “فرانس24” الفرنسي تقريراً مطولاً تناول فيه الوضع في جنوب لبنان على الحدود مع فلسطين المحتلة، وتصاعد التوتّر مع الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن ترسانة الأسلحة التي يمتلكها “حزب الله”.
يعتبر “حزب الله” اللبناني من الجماعات الأكثر تسليحا في العالم، وبلغة الأرقام، وقال أمينه العام السيد حسن نصر االله إن لدى حزبه 100 ألف مقاتل.
ويصرح الحزب أن لديه صواريخ يمكنها ضرب جميع مناطق الأراضي المحتلة والكثير من تلك الصواريخ غير موجهة، لكن الحزب لديه أيضا صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات وللطائرات وللسفن.
يقول خبراء أيضا إن إيران -الداعمة والموردة الرئيسية للأسلحة لـ”حزب الله” – ترسل الأسلحة براً عبر العراق وسوريا، وكلاهما تتمتع فيها طهران بعلاقات وثيقة ونفوذ. فالكثير من أسلحة الحزب هي نماذج إيرانية أو روسية أو صينية.
قوة الحزب الصاروخية من كاتيوشا إلى “بركان”
وتعتبر الصواريخ غير الموجهة الجزء الأكبر من ترسانة “حزب الله” الصاروخية في الحرب الأخيرة مع الاحتلال عام 2006، عندما أطلق نحو أربعة آلاف صاروخ على كيان الاحتلال الإسرائيلي، معظمها من طراز “كاتيوشا” روسية الصنع يصل مداها إلى 30 كيلومتراً.
ويمتلك “حزب الله” أيضاً أنواعاً من الصواريخ الإيرانية الصنع مثل “رعد” و”فجر” و”زلزال”، التي تتميز بحمولة أقوى ومدى أطول من صواريخ الـ”كاتيوشا”.
وبالنسبة إلى الـ”كاتيوشا”، كشف تقرير صادر عام 2018 عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، ومقره واشنطن، بأن “حزب الله” يمتلك أنواعاً مختلفة من هذا النوع من الصواريخ، يتراوح مداها بين أربعة و40 كيلومتراً، وأضاف أن صواريخ “فجر 3 و5” يتراوح مداها ما بين 43 و75 كيلومتراً، أما صواريخ “رعد” فيتراوح مداها ما بين 60 و70 كيلومتراً.
وقال نصر الله إن أكبر تغيير في ترسانة الجماعة منذ 2006 هو التوسع في أنظمة التوجيه الدقيق لديها. والعام الماضي، قال إن “حزب الله” لديه القدرة على تزويد آلاف الصواريخ بأنظمة توجيه لجعلها صواريخ دقيقة.
يضع هذا مزيداً من الأراضي المحتلة ضمن نطاق ضربات الحزب. ويقول الخبراء إنه قد يمّكن الجماعة من ضرب أهداف أكثر تحديداً مثل البنية التحتية الحيوية والمواقع العسكرية.
وأفادت قناة المنار يوم الاثنين بشن الحزب قصفا على ثكنة برانيت الإسرائيلية باستخدام صاروخين من طراز “بركان”.
ووفق وكالة “رويترز”، تتراوح حمولة صاروخ “بركان” المتفجرة ما بين 300 إلى 500 كيلوغرام.
الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات
وأقحم “حزب الله” الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات بشكل مكثف في حرب 2006. ونشر صواريخ موجهة مجدداً في الجولة الأحدث من القتال، وقصف مواقع إسرائيلية على الحدود. وقالت تل أبيب خلال التصعيد الأخير إنها ردت على صواريخ مضادة للدبابات.
ونشر “حزب الله” مقاطع مصورة لما يقول إنها ضربات مباشرة أصابت دبابات إسرائيلية ومركبات عسكرية أخرى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتظهر المقاطع أيضا ضربات موجهة على منشآت عسكرية إسرائيلية.
وسبق أن قال خبراء إن “حزب الله” لديه صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف في ترسانته.
وقال مصدر إن استخدام الصواريخ المضادة للطائرات كان إحدى الخطوات العديدة التي اتخذها “حزب الله”، للحد من خسائره والتصدي للطائرات المسيّرة الإسرائيلية التي تهاجم مقاتليه في التضاريس الوعرة وبساتين الزيتون على الحدود.
في نفس السياق، قالت الباحثة من مركز “كونترول ريسكس” دينا عرقجي لـ”وكالة الأنباء الفرنسية”: “منذ حرب 2006، وسّع حزب الله بشكل كبير ترسانته لناحية الكمية والنوعية”، مشيرة إلى أنه كان يمتلك 15 ألف صاروخ حينها، لكن التقديرات اليوم تبين أن “العدد تضاعف نحو عشر مرات”، وبات يمتلك أسلحة “متطورة أكثر” بينها صواريخ دقيقة.
ويمتلك “حزب الله” صواريخ موجهة استخدمها في غالبية عملياته ضد المواقع الإسرائيلية الحدودية خلال التصعيد الأخير مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي أغسطس/آب 2023، أعلن الحزب عن منصة مزدوجة للصواريخ الموجهة أطلق عليها تسمية “ثأر الله”، وهي عبارة عن منظومة أسلحة مضادة للدروع مؤلفة من منصتي إطلاق ومخصصة لرماية صواريخ “الكورنيت”. وتتمتع، وفق الإعلام الحربي التابع للحزب، “بدقة إصابة الأهداف بتوقيت متزامن وتدميرها”. ودخلت هذه المنظومة العمل في 2015.
كما يمتلك الحزب أنواعاً مختلفة من صواريخ أرض – أرض غير الموجهة، والتي شكلت الجزء الأكبر من ترسانته في حرب 2006، وقد طوّرها تدريجياً، بينها صواريخ غراد.
واستخدم الحزب مؤخرا صواريخ أرض – جو ضد المسيّرات الإسرائيلية. وسبق أن هدد عام 2019 باستهداف المسيّرات الإسرائيلية، وظهر في شريط مصور نشره حينها سلاح أرض جو يُحمل على الكتف.
صواريخ مضادة للسفن
أثبت “حزب الله” لأول مرة امتلاكه صواريخ مضادة للسفن في 2006، عندما أصاب سفينة حربية للاحتلال على بعد 16 كيلومتراً قبالة الساحل، ما أدى لمقتل أربعة جنود لقوات الاحتلال الإسرائيلي وإلحاق أضرار بالسفينة.
وبث الحزب منذ ذلك الحين مقاطع مصورة قال إنها تظهر المزيد من تلك الأسلحة التي استخدمت في 2006. وقال إن الأهداف المستقبلية يمكن أن تشمل البنية التحتية للغاز قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وخسر “حزب الله” في تلك الحرب 263 مقاتلاً عندما استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مواقع في أنحاء لبنان في صراع دام أكثر من شهر. وبدأت الحرب عندما عبر مقاتلو الحزب الحدود مع فلسطين المحتلة واختطفوا جنديين إسرائيليين.
وقال مصدران مطلعان على ترسانة “حزب الله” إن الصواريخ الروسية القوية المضادة للسفن التي حصل عليها الحزب، تتيح له وسيلة لتنفيذ التهديد المستتر الذي أطلقه زعيمه ضد السفن الحربية الأميركية، وتسلط الضوء على المخاطر الجسيمة لأي حرب مقبلة. وحذر الأمين العام للحزب واشنطن من أن “حزب الله” لديه ما تخبئه للسفن الأميركية المنتشرة في المنطقة.
ووفق وكالة رويترز، فقد قال المصدران المطلعان في لبنان إن نصر الله كان يشير إلى قدرات الحزب الصاروخية المضادة للسفن والمعززة بشكل كبير، والتي تتضمن الصاروخ “ياخونت” الروسي الذي يصل مداه إلى 300 كيلومتر.
وفيما لم يؤكد “حزب الله” قط امتلاكه لهذا السلاح، قال ثلاثة مسؤولين أميركيين حاليين ومسؤول أميركي سابق إن “حزب الله” قد بنى مجموعة مثيرة للإعجاب من الأسلحة التي تتضمن صواريخ مضادة للسفن.
وفي 2019، نشر “حزب الله” شريط فيديو بيّن فيه امتلاكه لصواريخ 802-C (سي 802) و704-C (سي 704) المضادة للبوارج والسفن العسكرية. وقد يكون يمتلك صواريخ أكثر تطوراً.
طائرات بدون طيار
كذلك، يمتلك “حزب الله” مسيّرات من أحجام مختلفة، منها طائرات تجسس، قال نصر الله إنها تصل منذ بدء التصعيد الأخير إلى مناطق في عمق فلسطين المحتلة، وأخرى “هجومية” يمكن تحميلها بذخائر. وأعلن نصر الله عن استخدام المسيّرات “الهجومية الانقضاضية” لأول مرة في لبنان.
ويستخدم الحزب طائرات بدون طيار يقول إنها تشمل طائرات “أيوب” و”مرصاد” التي يتم تجميعها محلياً، غالباً في مهمات استطلاعية. لكن من الممكن تزويد هذه المسيّرات بحمولة صغيرة من الذخائر.
ويقول الخبراء إن الطائرات المسيّرة، التي يمكن إنتاجها بسعر رخيص وكميات كبيرة، يمكن أن تستخدم بهدف استنزاف نظام الدفاع الجوي للاحتلال (القبة الحديدية).
واتهم الاحتلال الإسرائيلي إيران في سبتمبر/أيلول ببناء مهبط طائرات في جنوب لبنان يمكن استخدامه لشن هجمات. وقال مصدر غير “إسرائيلي” مطلع على الموقع لـ”رويترز” إنه يمكن أن يستوعب طائرات مسيرة كبيرة، قد تكون مسلحة، بناء على تصميم إيراني.
منظومة “بانتسير” الروسية و”خرداد-15″ الإيرانية
في نفس السياق، أشار “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في تقرير نشره في 15 نوفمبر/تشرين الثاني تحت عنوان “احتمال توسيع إيران محور دفاعها الجوي في لبنان وسوريا”، إلى أن طهران تضاعف جهودها لتزويد “حزب الله” وغيره من حلفائها في المنطقة، بأنظمة دفاع جوي متقدمة، ما قد يؤثر على الحسابات الإسرائيلية والأميركية في حرب غزة وما بعدها.
ووفق المعهد الأميركي، فإن مجموعات ربما تتدرب في دير الزور السورية على استخدام المنظومة الإيرانية للدفاع الجوي “خرداد-15” ذات الصواريخ المتوسطة إلى طويلة المدى، والتي تشبه منظومة باتريوت الأميركية. وأضاف نفس المصدر أن وجهة هذه المنظومة “النهائية غير معروفة”، وبأنها “قادرة على الاشتباك مع ما يصل إلى ستة أهداف بحجم الطائرات الحربية في وقت واحد من مدى 120 كيلومتراً.
كما تابع نفس التقرير بأن “حزب الله” قد يكون من بين المستفيدين من هذه المنظومة، وقال “إن احتمال إدخال منظومة متطورة مثل “خرداد-15” إلى جنوب لبنان أو جنوب غرب سوريا أمر مثير للقلق، بصورة خاصة في ظل السياق الحالي للحرب بين “إسرائيل” وحركة “حماس”، وتوسع رقعة الاشتباكات الحدودية بين “إسرائيل” و”حزب الله”، ومحاولات الجيش الأميركي ردع الضربات المتزايدة من جانب الميليشيات السورية والعراقية”.
وقال نفس المصدر: “من الناحية النظرية، سيعزز وجود المنظومة جهود وكلاء إيران لمواجهة العمليات الجوية الإسرائيلية بشكل ملحوظ على طول المناطق الحدودية أو في عمق لبنان وسوريا، خاصة إذا تم إقرانها بنظام دفاع نقطي مثل ‘بانتسير’، والذي تفيد بعض التقارير إن مجموعة فاغنر الروسية تخطط لتسليمه إلى حزب الله”.
لكن الكرملين نفى مؤخرا تقريراً نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” يفيد بأن المخابرات الأميركية تعتقد أن مجموعة “فاغنر” تعتزم تزويد “حزب الله” بمنظومة دفاع جوي. وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف رداً على التقرير الذي نقل عن مسؤولين أميركيين لم يسمهم القول إن المخابرات الأميركية تعتقد أن “فاغنر” تخطط لمثل هذه الخطوة: “قلنا بالفعل إنه بحكم الأمر الواقع هذه المجموعة (فاغنر) غير موجودة”.
وقالت الصحيفة إن “فاغنر” تعتزم مد “حزب الله” بمنظومة “بانتسير-إس1” المعروفة لدى حلف شمال الأطلسي باسم “إس.إيه-22″، التي تستخدم صواريخ مضادة للطائرات وأسلحة دفاع جوي لاعتراض الطائرات.
وقال “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إن قدرات “حزب الله” حالياً تقتصر على المدافع المضادة للطائرات قصيرة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل منظومتي “ستريلا-3 وإيغلا-1” الروسيتي الصنع، ومنظومة “ميثاق” الإيرانية (نسخة من الصاروخ الصيني KW) وما يُعرف بصواريخ “كروز” من طراز البند 358 للدفاع الجوي، وهي تسمح له بالاشتباك مع الأهداف الجوية.
وقال نفس المصدر إن تصميم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية يحرص عادة على “سهولة التشغيل”، بما في ذلك منظومة “15 خرداد”، مشيرا إلى احتمال أن تتمكن مجموعة من الطواقم والمستشارين الفنيين الإيرانيين و”حزب الله” والسوريين، وربما العراقيين، من تشغيلها بفعالية على المدى القريب.
المسلّحون المقاتلون وشبكة الانفاق
أعلن حسن نصر الله في 2021 بأن لدى حزبه 100 ألف مقاتل مدربين ومسلحين، لكن خبراء يرون أن العدد مبالغ به. حيث أشارت الباحثة من مركز “كونترول ريسكس” دينا عرقجي بشكل خاص إلى قوة “الرضوان” التي تعد قوة النخبة في الحزب من حيث الجهوزية ونوعية السلاح.
ومنذ 2006، ليس لـ”حزب الله” أي وجود عسكري مرئي في المنطقة الحدودية اللبنانية، بموجب القرار 1701 الذي منع أي تواجد مسلح في المنطقة، باستثناء الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، إلا أنه شيّد مخابئ وأنفاقاً يتحرك عناصره فيها، بعضها عابر للحدود.
وأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في نهاية 2018، تدمير أنفاق اتهمت الحزب بحفرها عبر الحدود. وتقول عرقجي إن الأنفاق استراتيجية قديمة يتبعها “حزب الله”، مرجحة أن تكون الشبكة “واسعة النطاق”.