في الوقائع الميدانية لاشتباكات مخيم عين الحلوة، اشارت “الأخبار” الى انها تمكنت من تجميع الرواية الآتية: قبل فترة، قتل خالد علاء الدين (الملقّب بالخميني) محمود علي زبيدات من حركة فتح. بعد 18 يوماً، نجحت هيئة العمل الفلسطيني المشترك في تسليم علاء الدين إلى الجيش، وعُقدت مصالحة بين علي زبيدات والقوى الإسلامية باعتبار أن القاتل قد سُلِّم. إلّا أن أحداً ما سرّب خبر اشتراك أبو قتادة في عملية قتل محمود زبيدات، ما دفع شقيقه (الملقّب بالصومالي) إلى السعي لقتل أبو قتادة. وبالفعل، استغلّ الصومالي الفرصة لإطلاق النار على أبو قتادة، قبل أن يختفي على الفور. وتقول مصادر أمنية رفيعة المستوى، إن “كشف ما حصل يبدأ بكشف الأسباب التي دفعت الصومالي للقيام بعمليته ومن أمّن له الغطاء”.
إثر “الثأر”، اندلعت في منطقة البركسات اشتباكات متقطّعة بين حركة فتح والإسلاميين، وتداعت الفصائل إلى عقد اجتماع لتطبيق الاتفاق السابق بتسليم القاتل. صباح الأحد، كلّفت هيئة العمل الفلسطيني المشترك العميد أبو أشرف العرموشي باعتقال الصومالي لتسليمه إلى الأجهزة الأمنية، فتوجّه الأخير إلى منزل الصومالي، إلّا أنه ووجه برفض من آل زبيدات. وبسبب القنص، اضطر العرموشي إلى استخدام طريق يمرّ بموقف للسيارات في المنطقة الفاصلة بين مدارس الأونروا في الغرب بحي الطوارئ، ومنطقة البركسات في الشرق، وشمالاً امتداداً للطوارئ وجنوباً حتى منطقة بستان اليهودي. ومن المعروف أن هذه المنطقة تخضع لسلطة هيثم الشعبي، المحسوب على “الشباب المسلم”.
وبحسب غالبية المصادر التي تحدّثت إليها “الأخبار”، فإن وسيطاً كان ينقل رسائل التهدئة بين العرموشي والشعبي، ومن تلك الرسائل تطمينات تلقّاها الأول للمرور في المنطقة التي يشرف عليها الثاني. علماً أن أكثر من مصدر أكّد للعرموشي أن إسلاميين يتمركزون في الطابق الأول في مدرسة “الأونروا” المطلّة على الموقف، إلا أنه استند إلى تطمينات الشعبي. وأثناء عودته إلى مكتبه في الاتحادات، تعرّض العرموشي لكمين محكم في الموقف، من قبل 8 أو 9 مسلحين، ما أدى إلى مقتله مع أربعة من مرافقيه. وبحسب المعلومات الأوليّة فإن أسماء المجموعة التي نفّذت الهجوم باتت معروفة للأجهزة الأمنية اللبنانية، إلّا أن الجميع ينتظر ما ستتوصل إليه لجنة التحقيق الفلسطينية قبل الإدلاء بأي معلومات.
إثر الجريمة، بدأت الاشتباكات داخل المخيم من جديد، وتداعى مسؤولو الصف الأول في الفصائل إلى الاجتماع في مكتب حركة أمل في حارة صيدا، بدعوة من مسؤول الملفّ الفلسطيني محمد جباوي عند الساعة الخامسة من يوم الأحد، ليتم عندها التوصّل إلى اتفاق يتضمن وقف إطلاق النار، وسحب المسلحين، وتشكيل لجنة تحقيق فلسطينية، وتسليم القتلة للدولة اللبنانية، على أن يبدأ وقف إطلاق النار عند السادسة مساءً. وجرى الاتصال أيضاً بعصبة الأنصار عبر مسؤولها أبو شريف عقل، والقيادي إبراهيم السعدي ابن قائدها الفعلي أبو محجن، بهدف تنسيق الأمر مع القوى الإسلامية أيضاً. وبالفعل، بدأ وقف إطلاق النار، إلّا أنه لم يستمر أكثر من 10 دقائق، وبقيت المعركة مستمرة حتى الساعة 8 والنصف مساءً.
صباح يوم الإثنين، دعا النائب أسامة سعد إلى اجتماع في منزله، وبحضور 36 حزباً فلسطينياً ولبنانياً، قدّم سعد عرضاً لمواقف أهالي صيدا من الأحداث مؤكّداً أن المعارك يجب أن تتوقّف فوراً لمصلحة صيدا والمخيّم. في هذه الأثناء، كانت أخبار الهجمات المتبادلة تدور على وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب مصدر أمني لبناني وآخر من الفصائل الفلسطينية الرئيسية، فإن أكثر من جهة كانت تروّج طوال الوقت لنية الجهة الأخرى القيام بهجوم واقتحام مقرات، وتعمل على بث الشائعات، كما حصل فجر الثلاثاء. ويؤكّد المصدر اللبناني أن كثيراً من هذه المعلومات لم تكن صحيحة، إنّما “هدفها دفع الطرفين إلى الاستمرار بالاشتباك، ومحاولة جرّ الجيش اللبناني إلى التورّط في معركة ليس لها أفق سوى سقوط الكثير من الدماء”.
في اليومين التاليين، تكرّرت الاجتماعات، ولا سيما في السفارة الفلسطينية مع عودة السفير أشرف دبور من القاهرة (مساء الأحد)، ومحاولة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار. وفي حين، تؤكد مصادر حركة فتح أن القوى الإسلامية حاولت مراراً التقدم نحو مواقعها وتهديد مواقع الجيش اللبناني، تقول مصادر القوى الإسلامية إن غالبية الهجمات قامت بها مجموعات فتح للسيطرة على مناطقها. وقد استهدفت حركة فتح مسجد زين العابدين التابع لعصبة الأنصار، ما أدّى إلى مقتل أحد الأشخاص. من جهة ثانية، يجمع المعنيون على أن الفصائل الفلسطينية حرصت على إعطاء عصبة الأنصار دوراً واضحاً لـ”المونة” على القوى الإسلامية لتخفيف حدة الاشتباكات والوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار. إلا أن ذلك لم يحل دون تجدد الاشتباكات، مع محاولة حركة فتح استعادة زمام المبادرة العسكرية ومحاولة القوى الإسلامية المحافظة على ما حقّقته من تقدم عسكري على الحركة.
يوم الخميس، عرض الرئيس برّي مدعوماً من حزب الله، اقتراحاً بإدخال مسؤولي الصف الأول للفصائل إلى محاور الاشتباكات، بعد أن تم تقسيم المسؤولين إلى مجموعات مختلطة من القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية، وإرسال جزء إلى خطوط التماس عند القوى الإسلامية وجزء آخر إلى محاور الأمن الوطني الفلسطيني. جرى خرق وقف إطلاق النار ليل الخميس، لكنّ الأمور لا تزال هادئة منذ يوم الجمعة.
يشكل مصير الصومالي لغزاً يسعى جميع المعنيين إلى حلّه، لفهم الأحداث التالية، إذ إن أكثر من جهة تربط بين من حرّض الصومالي ومن نفّذ عملية اغتيال العرموشي. وبحسب المعلومات الأمنية المتداولة، فإن من قاموا بقتل العرموشي هم الأشخاص التالية أسماؤهم: هيثم الشعبي، عدنان الشعبي، عمر الناطور، يحيى العرّ، أبو جورية الملقب بمحمود البرناوي (وهو لبناني من طرابلس يُرجح أنه أمير داعش في مخيم عين الحلوة)، محمود عزب المعروف بالـ”فولز”، عبدالله قدور ابن أخت هيثم الشعبي. في حين تشير مصادر فلسطينية إلى أن بلال بدر كان بين المشاركين في العملية.