/ زينب حمود/
نجح فوج إطفاء الضاحية الجنوبية، فجر أمس، بمساعدة عناصر في الدفاع المدني، في إخماد الحريق الذي التهم مستودعاً للأقمشة والبرادي في طريق المطار. الشّارع أشبه بمنطقة منكوبة، تعبق رائحة الدّخان في أرجائه، ويغطّي السّخام معالمه. رجال الإطفاء منهكون بعد أكثر من أربعة أيام من العمل المتواصل، خسروا خلالها الشهيد محمد الديدي. أمّا مبنى الحريق فمهجور، لا يعرف سكّانه ما إذا كان صالحاً للسكن.
لا تزال التحقيقات جارية لمعرفة أسباب اندلاع الحريق الذي وُصِف بـ«المخيف»، وبـ«منظر من مناظر جهنّم»، إذ خرجت النيران من تحت الأرض، وامتدّت بطريقة «نادراً ما تحصل في عالم الحرائق»، بحسب رئيس فوج إطفاء الضاحية الجنوبية حسين كريم، وبالكاد انطفأت حتى تساءل كثيرون عما يخزّنه هذا المستودع. وبعيداً عن ملابسات الحادثة، لا بدّ من طرح السؤال الآتي: بأيّ وجه حق ووفق أي قانون يوجد مستودع يخزّن كمية كبيرة من القماش والبرادي الخارجية داخل مبنى سكني من دون ترخيص، ومن دون تركيب نظام مكافحة الحرائق؟ صاحب المستودع اشترى العقار المؤلّف من طبقتين، ثم استحدث طبقة ثالثة تحت الأرض. وعندما اندلع الحريق شكا عدم قدرته التعويض على المتضررين لأنه لم يؤمّن ضدّ الحوادث!
المتضررون جرّاء حريق مستودع الأقمشة هم سكان المبنى وتعاونية العاملية التي دخلتها ألسنة اللهب بعدما هدمت الحرارة المرتفعة الحائط الذي يفصل بينها وبين المستودع. خسائر صاحب التعاونية يوسف حمود «كبيرة، فهناك بضائع وتجهيزات وديكورات وتكييف ومكاتب وإنشاءات تضرّرت، وحتى الجزء الذي لم يلحق به الحريق نال نصيبه من مخلّفات النيران وسنقوم بتلف كمية كبيرة من البضائع، عدا إقفال التعاونية لأيّام ريثما ينتهي الترميم»، لكنه أكّد لـ«الأخبار» أنه ليس في وارد تقديم شكوى ضد صاحب المستودع لأنّه «لم يتقصّد أذيتنا، ولدينا تأمين ضدّ الحوادث».
أطلقت تعاونية العاملية عملية الترميم فور إخماد الحريق، لكنّ سكان المبنى غادروه ريثما تتأمّن كلفة الترميم. يقول صاحب المبنى وأحد سكانه علي إبراهيم: «لا يمكننا العودة إلى منازلنا قبل ثلاثة أشهر بالحد الأدنى لأنّ المبنى يحتاج إلى ترميم قساطل المياه وإمدادات الكهرباء، وإصلاح البلاط والمصعد ومولدات الكهرباء، عدا أن واجهة البناء أصيبت بأضرار». هذا كلّه «هيّن» أمام فرضية تضرُّر أساسات البناء، ما يجعله غير قابل للسكن. فالمهندسون لم يضعوا تقريرهم حول سلامة البناء بعد، وهناك من طمأن سكان المبنى بعدما ألقى نظرة أولية على البناء من الجهة العليا، من دون النزول إلى الجهة السفلى حيث اندلع الحريق لفحص متانة الأساسات.
يؤكد مالك إحدى الشقق أن سكان المبنى لم يرغبوا في رفع دعوى وقرّروا ترميم بيوتهم على أن يتحمّل صاحب المستودع مسؤولية ترميم الأقسام المشتركة المتضررة: «تفاوضنا على مبلغ أولي لنبدأ من الترميم ريثما نحدد الكلفة الفعلية، لكنّه استكثر الرقم الذي وضعناه، ما جعلنا نفكّر في التوجه إلى القضاء». وهذا ما دفع صاحب المستودع إلى توكيل محام لتسوية الأمور «حبيّاً».
كل جهة «غسلت يدها» من إغاثة المتضررين. بلدية برج البراجنة شكت من «أننا بالكاد نسدّد رواتب موظفينا»، ورئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير أبلغ البلدية صراحةً بأن «لا قدرة للهيئة على الدفع للمتضررين»، علماً أنه سيعاين المبنى اليوم.
لا يمكن النظر إلى هذه الحادثة على أنّها قضاء وقدر ما دام هناك مثل هذا المستودع «عشرات المستودعات والمخازن والمصانع تخزّن زيت النفط والكاز والورق والكلور وغيرها من المواد المشتعلة في مبانٍ سكنية من دون التفات إلى خطورتها على السلامة العامة»، كما ورد على لسان رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور الذي تبرّأ من مسؤولية البلدية بالإشارة إلى أن المستودع مصنّف «مؤسسة فئة ثالثة تحصل على الترخيص من وزارة الداخلية والبلديات والمحافظ أو وزارة الاقتصاد بحسب نوعها، فيما تنحصر صلاحية البلدية بإبداء الرأي بمنح الترخيص لها». وهذا ما يدحضه أمين سرّ نقابة المهندسين توفيق سنان الذي يؤكد أن مستودع الأقمشة هو مؤسسة صناعية تندرج ضمن الفئة «أ» أو «ب» بحسب الكمية المخزّنة، وليس «ج» أو فئة ثالثة كما قال منصور، لأنّه ليس محلاً تجارياً للبيع. وفق هذا التصنيف، يخضع إشغال المستودع لمرسوم السلامة العامة الرقم 7963/2012 الذي يَمنع إقامته في مدينة غير صناعية. «تقع الكارثة عندما نرخّص لإشغال مستودع كهذا في منطقة سكنية أو يُشغل المستودع من دون ترخيص أصلاً»، محمّلاً المسؤولية في الحالتين للبلدية.
من جهته، يلوم منصور سكان المبنى الذين «لم يكترثوا لكميات القماش الكبيرة التي تدخل على مرأى ناظرهم وتُخزَّن في المبنى الذي يشغلونه». لم يشتكِ أيّ منهم، على حدّ قوله، ولو فعلوا لـ«أرسلنا دورية إلى المكان وألزمنا صاحب المستودع بوضع نظام مكافحة الحرائق». لكن، لماذا لا تتحرّك البلدية من تلقاء نفسها وتكشف على سلامة البناء واستيفاء المخازن شروط السلامة العامة؟ يجيب منصور عن ذلك: «هناك آلاف المؤسسات والمحالّ وحوالي 36 ألف وحدة بين سكنية وتجارية في برج البراجنة، كيف يمكن أن تقوم البلدية بهذه المراقبة الواسعة بإمكاناتها المتدهورة؟».
الاخبار