45 طلب جواز سفر فقط هي حصّة الضاحية الجنوبية يومياً. الانتظار بالسّاعات، يبدأ عند التاسعة من ليل اليوم السابق، مع “جدول” بأسماء المنتظرين، لا أحد يعلم من وضعه، وهل هو رسمي وملزم لعناصر الأمن العام، أم “محاولة للتنظيم” من أول الحاضرين إلى المكان. طوابير غير منظّمة يقصدها “موظفو انتظار”. هؤلاء يأتون باكراً، يحجزون مكاناً، ويبيعونه لمن “لا يحب النطرة” بـ30 دولاراً. أما من لا تهمّه “النطرة”، أو لا قدرة له على الدفع، فعليه افتراش الأرصفة المحيطة بالمراكز، حيث الإشكالات يوميّة، والأرجحية لأصحاب البنية القوية، والمزاجية تحكم تعاطي عناصر الأمن العام مع المنتظرين، إذ “يتفرّج” هؤلاء على الطابور وهو يزداد طولاً من شباك صغير خلف البوابة الحديدية، قبل أن يطلبوا منهم كتابة الأسماء على جدول، غالباً ما لا يلتزمون به.
في مركز أمن عام الشهيد عبد الكريم حدرج في الغبيري، تصبّ كل الطلبات من منطقة يسكنها أكثر من مليون نسمة. عند الاعتراض على الزحمة، يردّ العناصر خارج المركز بأن “المركز الرئيسي هو الذي يقرّر عدد الجوازات الممكن إصدارها يومياً”. عند وصول الطلبات الى الحدّ الأقصى المسموح به، يفضّ عنصر الحماية في الأمن العام الطابور، في انتظار يوم جديد مماثل، من دون أن يشفع لإحدى المنتظرات بكاؤها الشديد بعد قضائها اليوم الخامس أمام المركز من دون الوصول إلى الداخل.
“كيف أدخل في الجدول”؟ السّؤال الأبرز الذي يدور في رأس ليلى، التي تنتظر “حلول نعمة تقديم طلب جواز السفر عليها” منذ ثلاثة أيام. في اليوم الأول، حضرت باكراً لتجد طابوراً طويلاً ما لبث أن انفضّ بعد إبلاغ عنصر الأمن العام المصطّفين بـ”استنفاد حصة اليوم من الجوازات، أي 45 اسماً فقط”. “جرّبت حظي في اليوم التالي”، إنّما هذه المرّة عند ساعات الفجر، لتفاجأ بطابور من الوجوه نفسها، ما لبث أن انفضّ عند ساعات الصّباح مع “اكتمال الجدول”. في اليوم الثالث، تحوّل هدف ليلى من تقديم الطلب إلى “الدخول في الجدول”، نجحت في ذلك، إلا أنّ عنصر الأمن العام هذه المرّة قرّر عدم الالتزام بـ”الجدول”، وأعلن انتهاء القدرة الاستيعابية، إذ غالباً ما تظهر أسماء على “جدول الانتظار” ليس أصحابها بين المنتظرين، بل يحضرون بعد اتصال هاتفي يبلغهم بـ”فتح المركز”! تشير ليلى إلى “أمّ تنتظر مع ولدَيها الرضيعين. تأتي يومياً من بعلبك في محاولة لإنجاز طلب جوازات الأولاد، التي تأخّرت بسبب خطأ المختاظ على عهدة “مديرة الانتظار” كما تسمّيها ليلى. وهذه، رغم أن لا ذي “يفتح عند السادسة صباحاً، من دون أن يعنيه الدور، ومن وصل في وقت أبكر”.
جواز السفر بات حلم كثيرين من دون وجود آلية واضحة للوصول إلى “جنة الجوازات”. رغم تحوّل المشاحنات إلى روتين يومي، إلا أن الأمر لا يخلو من وجه ايجابي، إذ، “تولد صداقات بين أشخاص يحضرون يومياً لأيام متتالية حتى صاروا يعرفون بعضهم بعضاً، ويسألون عن الأولاد والأعمال” بحسب أحد المنتظرين.
“لا مشكلة في الانتظار للحصول على أوراق رسمية، فهذا موجود حتى في أكثر الدول تقدماً”، تقول ليلى. لكنهم، “يعرفون على الأقل الآلية وكيفية الوصول إلى الحق بالحصول على جواز السفر”. لذلك، “قطعت الأمل، ولن أعود غداً”.