/ خلود شحادة /
استعر الخلاف من جديد بين بلدة بقاعصفرين وبلدة بشري الشماليتين. خلاف جغرافي يتغذى على الاختلاف الطائفي ـ المذهبي، وكأن النزاع ليس على أرض لبنانية بين قريتين لبنانيتين، بل أوشك أن يكون كصراع جزيرة القرم.. وربما أكبر!
اهتز هدوء العيد بحادثة بشري اليوم، بعد أن قضى الشاب هيثم طوق برصاص قنص من قبل مجهولين في المنطقة “المتنازع عليها” في القرنة السوداء، ليشتد أكثر مع إعلان خبر وفاة شاب آخر متأثراً بجراحه. إلا أن المعلومات كشفت أن الضحية الثانية ويدعى مالك طوق، قضى برصاص الجيش اللبناني، بعد اشتباكات جرت بين الجيش وبين مسلحين من منطقة بشري، كانوا قد ذهبوا إلى المنطقة إنتقاماً لجريمة القتل التي حصلت صباحاً بحق الضحية الأولى.
طوّقت فرق الجيش اللبناني المنطقة، وعملت على تمشيطها للتأكد من عدم وجود أي مسلحين، تحسباً لأي ردات فعل غير محسوبة.
هذا على الصعيد الأمني، أما قضائياً فقد انتقلت قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار، في إطار متابعة التحقيقات، إلى مستشفى بشري الحكومي حيث جثة القتيل الأول هيثم، على أن تنتقل لاحقًا إلى مستشفى السيدة في زغرتا حيث نقلت جثة القتيل الثاني مالك.
كما أن النائبة العامة الإستئنافية في الشمال القاضية ماتيلدا توما، كانت باشرت باتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة، فور شيوع خبر جريمة القتل قنصًا.
موقف بلدية بشري كان تصعيدياً، حيث أعلنت في بيانها أن “الجريمة لن تمر مرور الكرام”، في الوقت الذي يحتاج الوضع لخطاب يخفف من وهج ردات الفعل.
على صعيد المواقف السياسية، كان من الملفت أن انتشار خبر الحادثة جاء عبر بيان النائب ستريدا جعجع، التي طالبت بأن تأخذ العدالة مجراها، ويساق المجرمون إلى السجن.
بدوره رئيس تيار الكرامة وعضو تكتل التوافق الوطني النائب فيصل كرامي، أجرى اتصالات مكثفة مع فعاليات الشمال لردع الفتنة، والتنديد بالجريمة التي حصلت صباحاً.
وأكد كرامي حرصه على الاستقرار العام وخصوصًا بين الجارين بشري وبقاعصفرين، واعدًا بتحكيم العقل والضمير في هذه المسألة، وفي كل ما يتصل بالامن والاستقرار الاجتماعيين.
وأجرى كرامي اتصالاً بقائد الجيش جوزاف عون مشدداً على اتخاذ الجيش كل الاجراءات الأمنية والضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه العبث الامني ومشاريع الفتنة.
كما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، في اتصال مع كرامي، إلى توخي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة التي أودت بحياة الشاب هيثم طوق.
ودعا بري خلال اتصاله، أهالي بقاعصفرين والضنية إلى عدم الإنجرار وراء الأحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة.
من جهته شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال على أهمية أن “يأخذ القانون مجراه وليكونوا الجناة عبرة لغيرهم”.
وشدد على ضرورة تحلي الجميع بالحكمة وعدم الإنجرار إلى أي ردات فعل، خصوصًا في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه.
وكذلك اتصل مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان بكرامي، مشدداً على ضرورة منع المصطادين بالماء العكر من تحقيق مرادهم.
تخوف حقيقي يعيشه كل “أولياء الأمر” في لبنان، من أن تحقق هذه الجريمة مرادها، عبر جر الشارع اللبناني إلى فتنة مسيحية ـ إسلامية لا تحمد عقباها، في مرحلة عصيبة يمر بها لبنان، خاصة بعد التخوف الذي عبرت عنه القوى السياسية اللبنانية عقب جلسة انتخاب الرئيس في 14 حزيران.
قد تكون هذه الحادثة “فردية”، وقد تكون مدبرة لإشعال فتنة، لكن الملفت في الأمر أن شرارة الفتنة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل “الفيدرالية”، التي يسعى البعض إلى تكريسها بمواجهة “العيش المشترك” والوحدة الوطنية التي لطالما كانت تميز لبنان كما تميزه “الأرزة”، التي أصبحت سبب الخلاف بين “الجيران”.