قضية التمييز في الأسرة، تنقلنا معدّة ومقدّمة برنامج “لأنّي أنثى” الدكتورة ماريز يونس، إلى قضية العنف ضد النساء، مبيّنة أنّ أكثر من 30% من نساء العالم تتعرّضن للعنف، واللافت أنّ هذه النسبة تزداد في العالم العربي لتتجاوز الـ 37%، في حين نجد أنّ واحدة من ثلاث نساء تتعرضن للعنف في لبنان.هذه الأرقام دفعت الدكتورة يونس أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، ورئيسة شبكة دراسات المرأة “صون” أن تطرح جملة من الأسئلة حول أسباب كل هذا العنف من الرجل؟ لمناقشتها مع ضيوفها أستاذ علم الاجتماع ورئيس النجدة الشعبية في لبنان البرفسور علي الموسوي، ومنسّقة البرامج الوقائية في منظّمة أبعاد الأستاذة لمى جرادي، إضافة إلى استاذة علم الاجتماع في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتورة روضة القدري من تونس.المسألة … القضية
كعادتها تبدأ دكتورة يونس برنامجها بعرض قصّة، تشبه قصّة معظم النساء اللواتي لا يزلن يعانين من اضطهاد المجتمع وظلمه بأشكال مختلفة ومستويات متعدّدة، لا لذنب اقترفته، إنّما فقط “لأنها أنثى”. أرادت د. يونس من خلال عرضها لقصة منى، أن تسلط الضوء على أسرار العنف وتناقضاته ومستوياته ودرجاته، التي برأيها قد لا يدركها سوى المرأة “الضحية نفسها”.
مراحل العنف وتناقضاته: المرأة المستورة لا تستفز زوجها!
تبدأ منى قصتها بالمرحلة الأولى، التي وصفتها بمرحلة” الحب والغرام”، تحدثت خلالها عن حبها مع الوسيم والحنون والجذّاب وخفيف الظل، الذي وثقت به، فأبرما عهدًا على الحب إلى الأبد. وبعد الزواج بفترة دخلت منى المرحلة الثانية، حيث بدأ العنف اللفظي والمعنوي، والشتم والتجريح عند كل جدال يحدث بينهما، ليتحوّل الأمر بعدها إلى عنف جسدي في المرحلة الثالثة التي سمتها منى مرحلة “الحدث”. أدخلت المرحلة الرابعة منى في عنف مزدوج من قبل الزوج والأهل معًا، بعد استنجادها بعائلتها لإنقاذها من دائرة العنف.
في هذه المرحلة تصطدم منى بتواطؤ أهلها مع زوجها، وتروي هول المشهد الذي تعيشه في هذه اللحظة التي حوّلتها من ضحية إلى مذنبة بتهمة “استفزاز زوجها”، تريد تخريب أسرتها وتشريد أطفالها بإصرارها على الطلاق. مرحلة حفلت بالنصائح والإرشادات من الأهل والمعارف بغية توجيه منى بأقوال على غرار “الله يلعن الشيطان، المرأة المستورة يا بنتي ما بتستفز زوجها، قومي ارجعي على بيتك، أسرار البيت بتبقى داخله”… مراحل العنف هذه قضمت من حياة منى 11 عامّا، لتتّخذ بعدها القرار بكسر الصمت والخروج من دائرة العنف، عندما توفّرت لها ظروف الخلاص، لا سيما حضانة ولديها بعد بلوغهما السن القانوني للاختيار بين أبويهما وفق قانون الأحوال الشخصية الذي يحكم زواجها، وبعد أن مدّت لها إحدى الجمعيات يد المساعدة لإنقاذها.
من الحب ما قتل
أرادت دكتورة ماريز أن تنقلنا إلى يوميات الأنثى في صراعها مع العنف، من خلال الكشف عن مراحل متعدّدة تعيشها المعنقة قبل أن تكسر حواجز الصمت، وتتّخذ قرار الانفصال.
أسرار العنف: منطلقات مجتمعية
وفي تفسيرها لشخصية المعنّف، اعتبرت دكتورة روضة القدري، أنّ هذه الشخصية للمعنّف ليست موجودة في لبنان فقط، بل في تونس أيضا، وفي العالم العربي، كما في أوروبا وأميركا. وأوضحت أنّ هذه الشخصية تتمظهر أكثر في الثقافة الذكورية التي تتيح صلاحيات للرجل ضد النساء. مشيرة إلى أنّ الرجل يتلقى أيضًا عنفّا من المرأة، والعنف هو لغة للنظام السائد بشكل عام، وبالتالي تُلقي الثقافة الذكورية بثقلها على الطرفين، والعنف يشملهما.
تهديدات الأهل: العنف المزدوج عزا البرفسور علي الموسوي هذا الأمر إلى الثقافة التقليدية للأهل، التي تخاف من كلام الناس ونظرة المجتمع والوصمة التي قد تلحق بابنتهم في حال تطلّقت أكثر من الخوف على ابنتهم، فضلاً عن هروبهم من تحمل المسؤولية وعبء الإعالة.
تهديدات العنف الاقتصادي
وأوضحت مسؤولة برنامج الدعم النفسي في منظمة أبعاد أن تأمين الحماية للنساء كما لأفراد من الأسرة، حصل في عدد كبير من القضايا قبل الأزمة اللبنانية، معتبرة أن هذه الخدمات لا يمكن أن تتحملها جميعها المنظمات الأهلية، بل هي مسؤولية الدولة.
تهديدات قوانين الأحوال الشخصية
لم يحم قانون حماية النساء من العنف الأسري في لبنان منى التي كشفت عن تهديد حرمانها من أطفالها في حال أقدمت على الطلاق.
في هذا السياق أكّدت الدكتورة القدري أنّ الثقافة الذكورية التقليدية أشد فعالية من القوانين المدنية، مبيّنة أنّه على الرغم من التقدّم القانوني المدني الذي يلحظ المساواة بين الجنسين في تونس، إلاّ أنّه يوجد حوالي ٣٥ ألف قضية شكوى من نساء معنّفات، ٣٠% منها مقدّمة من الزوج، بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة المرأة عام 2021.
طروحات واستنتاجات أمام هذا الموضوع المتشعّب والمرتبط حسب رأي دكتورة ماريز يونس بالمنظومة الاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة، اختتمت عرضها بطرح مسارات ثلاث. طال الأول المرأة نفسها، التي يجب أن تحمي جسدها ولا تقبل لأحد بتعنيفه تحت أي مبرر، وأن تمتلك الجرأة لكسر حاجز الصمت.
اما المسار الثاني، فيطال الرجل والمجتمع معًا، حيث ترى دكتورة يونس أنّه في هذه القضية الاجتماعية والإنسانية من الدرجة الأولى، لا يكفي أن يكون الرجل محايدا في هذه القضية التي تتطلّب جهود كل إنسان سواء كان امرأة أو رجل، فكلّنا معنيّون، ونحن مسؤولون أن نرفع الصوت لوقف العنف.بينما يطال المسار الثالث، المنظومة السياسية المتمركزة خلف القوانين.
هي مسارات شرّعتها معدّة ومقدّمة برنامج “لأنّي أنثى” للمطالبة بمناهضة ما أسمته بالانحراف الاجتماعي، معتبرة أنّ العنف إجرام، يجب أن يتوقّف بأي شكل من الأشكال.يُعرض برنامج #لأني-أنثى كل ثلاثاء الساعة الواحدة ظهرًا على شاشة تلفزيون مريم. يُمكنكم متابعة الحلقة من خلال الرابط التالي https://youtu.be/HAcfS5VHNBY”