/ جمال غصن /
عقدت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ليل الأربعاء الفائت (بتوقيت بيروت)، جلسة استماع لتعيينات دبلوماسية جديدة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. كانت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا من بين خمسة دبلوماسيين استجوبتهم اللجنة برئاسة السيناتور عن ولاية ديلاوير كريس كونز. توسّطت شيا الخمسة، فجلس السفيران المعيّنان في ليتوانيا وإيطاليا إلى يسارها والسفيرتان المرسلتان إلى الغابون وبوروندي الى يمينها. الجلسة كانت فولكلوريّة، فقد شكرت اللجنة الدبلوماسيين على “تضحياتهم الشخصية”، وسألتهم سؤالاً روتينيّاً عن كيفية مواجهة الخطر الداهم المتمثّل بجمهوريّة الصين الشعبية. شيا لن تضطر إلى أن “تضحّي” بعد الآن، إذ تمّ تعيينها في نيويورك نائبة للمندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتّحدة. أهميّة الجلسة تكمن في أنّها الإجراء قبل الأخير في عمليّة تغيير الحرس في عوكر (رغم أنه بالكاد ذُكِر اسم لبنان في الجلسة)، إذ يبقى التصويت من قبل مجلس الشيوخ على التعيينات، والذي غالباً ما يكون تحصيلَ حاصل في حالة السفراء، فنحن لا نناقش تعيين قاضٍ في المحكمة العليا هنا. إذاً، أيام أو أسابيع كحد أقصى تفصلنا عن رحيل دوروثي شيا وحلول ليزا جونسون مكانها.
جلسة الاستماع لليزا جونسون قبل شهر كانت مختلفة جدّاً عن جلسة شيا، إذ كان هناك هوسٌ كبير من الشيوخ المستجوِبين بلبنان. إلى جانب جونسون، جلس السفراء المعيّنون في عمان، الدولة الأهمّ في الوساطة بين إيران ودول الخليج حسب قول مترئّس الجلسة السيناتور كريس مرفي عن ولاية كونيكتيكت، وإثيوبيا، التي شهدت أكثر الأحداث دمويّةً عام 2022، إضافة إلى سيراليون وأوغندا. لكن رغم أهميّة التعيينات الأخرى، شغلت جونسون وتوجهها إلى بيروت الحيّز الأكبر من الاستجواب. بالأرقام، بعد الكلمات الافتتاحية وشكر السفراء على تضحياتهم، كانت هناك 55 دقيقة من الأسئلة والأجوبة، استحوذت جونسون على 23 دقيقة منها مقابل 32 دقيقة للسفراء الأربعة الآخرين. بالمناسبة جونسون “خدمت” الشعب الأميركي 32 سنة (مقابل 31 سنة في رصيد شيا).
السؤال الأوّل من السيناتور مرفي، الذي زار لبنان برفقة السيناتور كريس فان هولين من لجنة العلاقات الخارجيّة أيضاً، كان شهادة انبهار أكثر منه سؤالاً. والانبهار كان بـ”قدرات القوات المسلّحة اللبنانيّة واستعدادها للوقوف بين الفصائل التي غالباً ما تظهر النّيّة للتحارب الطويل الأمد”، وهي (القوات المسلحة اللبنانية) “من الأشياء القليلة التي تمنع حزب الله من مزيد من السيطرة على بيئة انعدام الأمن”. هنا، تصرّفت السفيرة القادمة وكأنها الآمر الناهي في شؤون الجيش والدرك. السؤال الثاني كان من السيناتور تود يونغ، الذي يمثّل ولاية إنديانا، وكان عن التوجّه شرقاً ومدى التزام لبنان بـ”مبادرة الحزام والطريق” الصينيّة. وهنا أكّدت جونسون أنه رغم توقيع الاتّفاقية مع الصين، لم يجرؤ لبنان على المضيّ قدماً في أيّ مشاريع مع العملاق الآسيوي لما قد يترتّب على متّخذي هكذا قرار من تداعيات.
انبهار بـ”قدرات القوات المسلّحة اللبنانيّة التي تمنع حزب الله من مزيد من السيطرة”
السؤال التالي كان من السيناتور تيم كاين من ولاية فيرجينيا (بالمناسبة كلّهم من الحزب الديمقراطي حتى الآن)، وهو: ماذا لو انهار لبنان، وما المصلحة الأميركية في عدم انهياره؟ جواب جونسون كان واضحاً: لبنان لا يزال يقع على تقاطع مصالح الأمن القومي الأميركي في “الشرق الأوسط”. وأكملت “لديك إسرائيل على الحدود الجنوبيّة التي يتوجّب عليها أن تدافع عن نفسها مقابل حزب الله. لديك سوريا وعدم الاستقرار والحرب التي حرّض عليها الديكتاتور الوحشيّ الأسد، ولديك إيران ووكيلها حزب الله اللذان ينشران عدم الاستقرار في لبنان والمنطقة”.
أخيراً حان دور السيناتور الجمهوري، بيت ريكتس من ولاية نبراسكا. قبل طرح سؤاله، أراد ريكتس التوجه بتحيّة لأقرب “أصدقاء أميركا في العالم وحتماً في المنطقة” التي تحتفل بعيدها “السبعين”، لن نصحّح له تاريخنا. طبعاً التاريخ تاريخ. لكن ما يلي التاريخ قابل للنقاش. ليزا، دوروثي الجديدة، حسمت أن التزام الأميركيين بأمن عملائهم صلب.
من غيرهم يجرؤ على التحدي؟
هنا ندخل في تفاصيل التحدّي. يتحدّث السيناتور ريكتس كيف رأى بعينه المجرّدة مقاتلي حماس على الجهة المقابلة من الحدود. جونسون تشارك قلقه حول الصواريخ التي تستهدف “إسرائيل” من لبنان وغزّة، وتؤكّد أنّ التزام الولايات المتّحدة بأمن “إسرائيل” صلبٌ كالحديد، وأن “إسرائيل” ستستمرّ بحقّها الطبيعي بالدفاع عن نفسها. تطرّقت جونسون إلى ثلاثة عشر موقعاً تمّ حجبها عن الإنترنت، وهدّدت بالمزيد. والفكرة هنا هي أن حزب الله يعاني من أزمة ماليّة ولن يقدر على الاستمرار من دون أن تنفتح ماسورات التمويل عليه. وهنا تقول إنّ اتّكالها على الحلفاء في الإمارات وقطر والسعوديّة.
ثمّ انتقل الحديث إلى الانتخابات الرئاسيّة. وهنا دخلت الدبلوماسيّة، وأنّ الولايات المتّحدة لا تتدخّل في اختيار رئيس جمهوريّة لبنان. لكن، للولايات المتّحدة توصيات حول صفات الرئيس، عليه أن يكون متحرّراً من الفساد وأن يضع هموم الشعب أوّلاً. وطبعاً أن يكون قادراً على تطبيق الإصلاحات. هنا ضحك الجميع على تفاؤل جونسون وأصرّوا على أن لبنان يحتاج إلى التفاؤل. خُتِمَ الحديث عند السيناتور فان هولين الذي تحدّث عن “الحلّ الأعجوبة” لمشكلة الكهرباء الذي طرحته السفيرة شيا، غاز مصري وكهرباء أردنيّة وبهلوانيّات على قانون قيصر.
تمتمت ليزا جونسون نفس الحلول الماضية، ويبدو أن هذه هي حلول أميركا للبنان في السنوات القادمة. لكنّ الأبرز هو أنّ رئيس الجلسة السيناتور كريس مرفي يعتبر أن السرديّة الأميركيّة فشلت في خلق وعي عام. هكذا خُتمت الجلسة، وهكذا تُختم الهيمنة.
أبرز ما قالته ليزا جونسون
– إذا تم تعييني، يشرّفني أن أعود إلى لبنان، حيث كان لي امتياز الخدمة بين عامي 2002 و2004. خلال ذلك الوقت، اكتسبت تقديراً عميقاً لحيويّة الشعب اللبناني وتثميناً للتحديات التي يواجهها، والتي تشمل فساداً متفشّياً، حَوكمة سيّئة، وتهديد حزب الله لسيادة وأمن بلادهم.
– فشلت قيادات لبنان في تطبيق إصلاحات اقتصاديّة مصيريّة مطلوبة من برنامج صندوق النقد الدولي، المسار الواقعي الوحيد للتعافي.
– ممتنّة بعمق للدعم المقدّم من قبل حزبَي الكونغرس للقوات المسلّحة اللبنانيّة وقوى الأمن الداخلي كونهم شركاء موثوقين في الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه. منذ عام 2006، قدّمنا دعماً بقيمة 3 مليارات دولار، مكّن هذه القوّات من تعزيز سيادة لبنان، معالجة عدم الاستقرار، تعطيل الإرهابيين، ومواجهة سردية حزب الله الزائفة بأن أسلحته ومقاتليه غير القانونيّين ضروريّون للدفاع عن لبنان.
– كما تبيّن من التسميات المطروحة على لوائح العقوبات أخيراً، أن الولايات المتّحدة ما زالت ملتزمة بمكافحة الفساد في لبنان، وسأستمرّ بإيلائها الأولويّة، إذا تمّ تعييني. أنا أيضاً واضحة الرؤية في ما يخصّ التهديد الذي يشكّله حزب الله لسيادة لبنان واستقراره، وكذلك للولايات المتّحدة وإسرائيل والمنطقة.
عن الجيش وقوى الأمن:
– لقد أنفقنا الكثير من الأموال على المساعدة الأمنيّة للقوات المسلّحة من أجل تطويرها إلى قوّة مهنيّة وقادرة على مواجهة أي تهديد في لبنان. تحديداً، عزّزنا قدراتها على الدفاع عن حدود لبنان، معالجة عدم الاستقرار، محاربة الإرهاب، تفكيك شبكات تهريب المخدّرات، الحفاظ على الأمن والسلم، وقد تولّت هذه المهام بشكل جيّد… هم شركاء موثوقون من قبل الولايات المتّحدة مع سجلّ مثاليّ في متابعة المساعدة التي قدّمناها لهم.
– من أهمّ الأمور في دعم القوات المسلّحة اللبنانيّة هو أنه يقوّض سرديّة حزب الله وادّعاءه الزائف أنّ سلاحه ضروريّ للدفاع عن لبنان. كما نرى باستمرار، القوات المسلّحة اللبنانيّة تنتشر بشكل فعّال لمواجهة أي تهديد يواجه لبنان.
عن الصّين:
– نعم لبنان وافق على مبادرة الحزام والطريق عام 2017، لكن حسب معلوماتي لا توجد أي استثمارات صينيّة مهمة في لبنان. نحن نكرّر بشكل دائم مع شركائنا هواجسنا حول مخاطر التعامل مع الصين، بسبب استثمارات ماليّة إشكالية غير شفّافة في البنى التحتيّة.
عن المنطقة:
– لديك إسرائيل على الحدود الجنوبيّة التي يتوجّب عليها أن تدافع عن نفسها مقابل حزب الله. لديك سوريا وعدم الاستقرار والحرب التي حرّض عليها الديكتاتور الوحشيّ الأسد، ولديك إيران ووكيلها حزب الله اللذان ينشران عدم الاستقرار في لبنان والمنطقة.
عن “إسرائيل”:
– أشكرك يا حضرة السيناتور على قلقك حول الهجومات الأخيرة من جنوب لبنان وأخيراً من غزّة. الالتزام الأميركيّ بأمن “إسرائيل” فولاذّي تماماً.
عن العقوبات:
– هناك العديد من الأماكن التي نستهدف بها حزب الله، أفراداً وكيانات، وذلك مهمّ… وأتفهّم أنّ حزب الله يقع تحت ضغط مالي.
دوروثي لم تعُدْ في كانساس
في فيلم “ساحر أوز” الكلاسيكي الذي برعت في أداء دور البطولة فيه جودي غارلاند، تجد البطلة التي تحمل اسم دوروثي نفسها في عالم سحريّ ما ورائيّ. في الإفادة التي تلتها السفيرة الأميركيّة السابقة في لبنان دوروثي شيا أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي تعهّدت بأنّها ستكافح ضد معاداة الساميّة في منظومة الأمم المتّحدة. وكما دوروثي “أوز” وكلبها “توتو”، تستمرّ المعارك الوهميّة.
حماس، حزب الله، فرقة حسب الله
لم يعرف السيناتور تيم ريكتس، خلال جلسة الاستماع للسفيرة ليزا جونسون، الفرق بين حركة حماس وحزب الله. استذكر زيارته لفلسطين المحتلّة هذا العام، واستصغر حجمها، إذ كان بإمكانه من طوّافته أن يرى سوريا ولبنان والبحر. لكنّ جهله ظهر عندما كان يروي كيف كان يسمع الضجيج الصادر عن حفر “حركة حماس” لأنفاقٍ على مدى عشر سنوات في الصخر الكلسي، وكيف كان يرى مقاتلي حماس على الجهة المقابلة من حدود فلسطين الشماليّة. “حماس ما زالت موجودة، يمكننا رؤيتها من الحدود الإسرائيلية”.