يقول المثل “لا دخان من دون نار”، لكن في السنوات الأخيرة وبفضل التقدّم التكنولوجي بات هناك “دخان دون نار”، كما أن لها روائح بعدّة نكهات، إنها السيجارة الإلكترونية، موضة الأعوام الأخيرة بين فئات الشباب، وأنيستهم لساعات، حتى باتت ظاهرة متفشية في الأماكن العامة والخاصة، تهدد جيلًا كاملًا بالإدمان عليها وتضع صحته على شفير الهاوية.
وفي اليوم العالمي لمكافحة التدخين، من الجيّد أن تسأل نفسك، كيف ينبعث الدخان من هذه السيجارة؟، وما يميّزها عن نظيرتها التي تشتعل بالنار؟ وما حجم الضرر الذي تسببه للصحة باعتبارها تحتوي على خليط من مواد كيميائية قد تدمّر وتتلف أعضاء الجسم التي تلامسها؟
بحسب وزير الصحة اللبناني السابق، والطبيب المتخصص في الأمراض الداخلية الدكتور جميل جبق، فإنّ هذا الاختراع عبارة عن عدّة مواد كيميائية مجموعة على شكل سيجارة، وهي تشتعل بفعل بطارية صغيرة واحتكاك مادة موجودة في الأوكسيجين بالهواء، من خلال تفاعله مع المادة الموجودة في السيجارة. إذًا، هي ليست دخانًا أو تبغًا، بل نكهات متعددة قريبة لمادة النيكوتين، عندما يدخنها الإنسان يدمن عليها ويشعر أنه يدخّن، وهي أخطر من الدخان.
ويشير جبق في حديث لموقع “العهد” الإخباري إلى أن عمر هذه السيجارة لا يتجاوز العشر سنوات، لافتًا إلى أن منظمة الصحة العالمية وإدارة الغذاء والدواء (FDA) والاتحاد الأوروبي منعوا تدخينها والترويج لها عبر الإعلانات، وهي قد توقفت في أوروبا والولايات المتحدة.
وينبّه إلى وجود ضررين لهذا النوع من السجائر:
– الأوّل مباشر وقريب، حيث تتسبّب بالتهاب الحنجرة، ومن الملاحظ أن كل من يدخنون هذه النوع يختفي صوتهم ويعانون من مشاكل في الحنجرة، ويلفت الدكتور جبق إلى عدم التمكن من تأمين الدواء المناسب لعلاجهم، لأن الحرق الذي ينتج في الحنجرة ناتج عن مواد كيميائية تتفاعل مع الخلايا الموجودة في الجسم وتحولّها من خلايا حميدة إلى خلايا سرطانية.
– الثاني غير مباشر وبعيد، إذ إنّ المواد الموجودة في السيجارة الإلكترونية هي مواد مسرطنة، وقد تسبب سرطانًا في اللسان والحنجرة والرئتين.
ورغم أنّ هذه المشكلة غير منتشرة في العالم إجمالًا، إلاّ أنها، بحسب الوزير السابق، لا زالت منتشرة في دول العالم الثالث ومن بينها لبنان، لافتًا إلى أنه منع إدخال السيجارة الإلكترونية إلى لبنان خلال فترة توليه وزارة الصحة عام 2019، كما أنه رفض التوقيع على هذا القرار، ما أحدث إشكالًا مع إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي).
ويضيف جبق، أنه فيما بعد تم الترخيص لإدخال هذه السيجارة إلى لبنان، وهي الآن منتشرة في المجتمع بين الشباب اللبناني، واصفًا إياها بالظاهرة التي تدمر المجتمعات الصغيرة والفتيّة في دول العالم الثالث.
السيجارة الإلكترونية تتسبب بسرطان القصبة الهوائية وسرطان الحنجرة، والإنسان غير مضطر لتعريض حياته للخطر، لأن الإدمان على السيجارة الإلكترونية لمدة خمس سنوات إلى عشر سنوات يسبب مشكلة في الرئة أو في الحنجرة، بينما السيجارة العادية تحتاج إلى 30 إلى 40 سنة لتؤدي إلى هذه النتيجة.
ويحمّل الدكتور جبق وزارة الصحة مسؤولية هذا الانتشار للسيجارة الإلكترونية بشكل أساسي، لأنها رخّصت لدخول هذا النوع، مشيرًا إلى أنه من أجل حماية المجتمع يجب أن يُمنع استيرادها وبيعها في لبنان نهائيًّا.
جبق يلفت إلى أن ظاهرة تحوّل الشباب نحو التدخين الإلكتروني مؤذية، حيث تجد العديد منهم في أي مكان عام. تنظر إلى شباب لا يتجاوز أعمارهم 16 سنة، يدخّنون النرجيلة بكافة أنواعها إضافة للسيجارة الإلكترونية، وهم يتباهون بين بعضهم بالنكهات التي يتناولونها.
ولهؤلاء الشباب يتوجه جبق بالنصيحة، معتبرًا أن التدخين بهذا العمر قد يقضي على كل آمالهم في الحياة في ما بعد، نتيجة إصابتهم بأمراض، جزء منها قاتل وجزء منها معيق للحركة وللحياة العادية، فمثلًا أحد أسباب مرض الانسداد الرئوي هو التدخين بـ90% من الحالات، إضافة للأمراض السرطانية الرئوية أو أمراض القصبة الهوائية، وينبغي لهؤلاء أن يسمعوا ويتعظوا، ويتفكروا كيف لهذه السيجارة أن تخرج دخانًا دون أن تشعلها النار.