/ندى أيوب/
بعيداً عن الجدل حول ما إذا كان تلزيم كازينو لبنان شركة “OSS” تشغيل ألعاب القمار والمراهنات عبر الإنترنت يُفترض أن يخضع لقانون الشراء العام من عدمه، فإن السؤال الأساس حول ما إذا كان يحق للكازينو التلزيم من أساسه. فألعاب القمار الإلكترونية والمراهنات الرياضية، قانوناً، من صلاحيات مديرية اليانصيب الوطني، ولا تندرج ضمن الحصرية الممنوحة للكازينو، إذ إن ما يحقّ للأخير فقط هو حصرية إقامة هذه الألعاب “على أرضه”، وليس في الفضاء الإلكتروني. مخالفة القانون، هنا، تضيّع على الخزينة العامة عشرات ملايين الدولارات سنوياً، بعدما خالفت وزارة المالية القانون و”أهدت” الكازينو قطاعاً “ربّيحاً”، وتنازلت له عن جزءٍ من أرباحها!
“ولعت” بين إدارة كازينو لبنان وهيئة الشراء العام، بعدما لزّمت إدارة الكازينو، في تشرين الثاني الماضي، تشغيل ألعاب القمار والمراهنات الرياضية “Online” لشركة “أو أس أس” (Olive Support Systems) من دون مراعاة أحكام قانون الشراء العام، استناداً إلى “استشارات قانونية” بعدم خضوع الكازينو لهذا القانون. الخلاف دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الطلب من إدارة الكازينو وقف العمل بالاتفاق وإيداع وزارة المالية المستندات اللازمة لعرض الملف على ديوان المحاسبة.
ولكن، بعيداً عمّا إذا كان رأي الديوان سيُخضِع الكازينو لأحكام الشراء العام أم لا، تكمن المشكلة في مكان آخر، إذ إن حصرية تنظيم الكازينو لألعاب القمار والمراهنات عبر الإنترنت “غير قانونية” أساساً. فالكازينو مُنح، عام 1994، بموجب قوانين ومراسيم تستند إلى قانون القمار لعام 1954، حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار في لبنان. وهو تاريخ يسبق ظهور الألعاب على الإنترنت، وتالياً “لا يمكن أن يشمل الحق الحصري للكازينو هذا النوع من الألعاب، لأن ما مُنح له، وفق قانون القمار، محصور بتنظيم ألعاب القمار ضمن حرمه على أراضٍ محددة، وليس في فضائه الإلكتروني” بحسب تأكيد قانونيين.
ولهذه المخالفة، أيضاً، شقّ آخر يتمثّل في نوعية الألعاب، إذ بدأ الكازينو منذ أكثر من شهرين تنظيم المراهنات الرياضية، علماً أن الألعاب المأذون له الاستثمار فيها، حدّدتها المادة الأولى من قانون القمار وفقاً للتالي: “الروليت والبكارة والفرعون والسباق والبكرة والثلاثون والأربعون والخيال الصغير… وسائر ألعاب القمار المماثلة”، وهذه كلها لا تشمل المراهنات على نتائج المباريات الرياضية، و”لا يجوز تفسير الحق الممنوح للكازينو بشكلٍ موسّع، وجعله يشتمل على تلك المراهنات، المختلفة نوعياً عن ألعاب القمار، ولا تندرج ضمن خانتها”. ويلفت قانونيون إلى أن هذا ما يُستشفّ أيضاً من “عدم تنظيم الكازينو، منذ تأسيسه في منتصف القرن الفائت، أي مراهنات على نتيجة مباراة رياضية. فهل يمكن لمن لا يملك الحق بتنظيم مراهنات رياضية أرضية في مركزه، أن ينظّم مراهنات رياضية عبر الإنترنت؟”. الجواب، وفق القانونيين هو: “بالطبع لا”.
المالية تخالف
لكن، على ماذا استندت إدارة كازينو لبنان لتجاوز القانون؟ توضح مستندات حصلت عليها “الأخبار” أن العقد الأساسي الموقّع بين المالية والكازينو، عام 1995، يجيز تنظيم ألعاب القمار “الأرضية” تطبيقاً لقانون القمار. إلا أن وزارة المالية أدخلت، عام 2008، تعديلاً عليه يسمح للكازينو، بشكلٍ حصري، بتنظيم ألعاب القمار “Online” والمراهنات الرياضية. إلا أن الإدارة لم تستثمر في هذا المجال. عام 2012، صدر عن مجلس الوزراء مرسوم يرمي إلى تنظيم شؤون اليانصيب الوطني واليانصيب الخاص، نصّت المادة الثانية منه على أنّ “اليانصيب يشمل كل ألعاب الحظ والمراهنات الناشئة أو التي ستنشأ”، وهو “يشمل على سبيل المثال لا الحصر: اليانصيب الوطني اللبناني، اليانصيب الوطني الخاص، اللوتو، اليانصيب بواسطة التليبتينغ (Tele Betting) للمراهنة على نتائج أحداث وألعاب ومباريات رياضية (منها كرة القدم، الركبي، كرة السلة، المصارعة والملاكمة…) وألعاب الـ online Games، والـ”بينغو، وألعاب الحظ التي تُنظم من طريق الإنترنت…”.
بحسب خبراء قانونيين، يُستخلص من مرسوم 2012 أمران:
الأول، أنه “وضع تنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت بيد مديرية اليانصيب في وزارة المالية، وهو ينقض ويلغي أي مرسوم أو قرار وزاري آخر صادر قبله”. بمعنى أوضح، فإن المرسوم يلغي مفاعيل تعديل العقد بين المالية والكازينو، و”لم يعد يحق للكازينو استثمار الأونلاين طالما أن هذه الألعاب أعادها إلى مديرية اليانصيب”.
ثانياً، أنه ينص على أن “صلاحية مديرية اليانصيب تشمل كلّ ألعاب القمار والمراهنات الناشئة أو التي ستنشأ باستثناء تلك التابعة حصراً لكازينو لبنان وسباق الخيل”. تفسير ذلك، أن “المديرية مسؤولة عن كل ألعاب القمار (أرضي وأونلاين ومراهنات) ما عدا الألعاب الممنوحة بحق حصري لكازينو لبنان، أي الألعاب الأرضية”، وبعد استثناء الألعاب الأرضية، تبقى الألعاب “Online” والمراهنات الرياضية ضمن مَهام المديرية. أكثر من ذلك، تتحدث البنود 7 و8 و10 من المادة الثانية، بوضوح، عن أن المراهنات الرياضية والألعاب أونلاين تندرج ضمن صلاحيات مديرية اليانصيب. بالنتيجة: “ليس من حق الكازينو استثمار أي نوع من ألعاب القمار عبر الغنترنت أو في المراهنات الرياضية”.
حصّة الدولة تتقلّص
عام 2014، وفي مخالفة قانونية، تجاهل المدير العام لوزارة المالية في حينه، آلان بيفاني، مرسوم الـ2012، وراسل إدارة الكازينو يحثّها على إطلاق الألعاب “Online”، كسباً لـ”العائدات المالية الكبيرة التي قد تحقّقها لخزينة الدولة وللكازينو”. وكرّر الطلب عامي 2015 و2016، من دون أن يستجيب مجلس إدارة الكازينو برئاسة حميد كريدية. نام الملف حتى تموز 2019، عندما راسل رئيس مجلس إدارة الكازينو الحالي، رولان خوري، وزارة المالية بكتابٍ عنوانه “احتساب حصة الخزينة من ألعاب الميسر والمراهنات عبر الإنترنت”، ما أشار إلى نيته تفعيل الـ”Online”.
وفق قانون القمار ليست للكازينو حصرية تشغيل ألعاب القمار عبر الإنترنت
مرة أخرى، أهمل بيفاني وخوري الجانب القانوني، وبدآ البحث في تعديل الحصص المالية ليتمكّن الكازينو من تلزيم الألعاب “أونلاين” لشركة تتقاسم الأرباح معهما. ومعلوم أن حصّة الدولة تبلغ 50% من إيرادات الكازينو الناتجة عن ألعاب القمار داخل حرمه. ولكن، لأن تشغيل الألعاب “أونلاين” يحتاج إلى شركة مشغّلة، أي طرف ثالث، اقترح خوري أن تبلغ حصة الدولة 50% من الأرباح الصافية بعد حسم حصة الشركة المشغّلة وليس 50% من الإيرادات. بعد استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، أفتت بأنه لا يجوز السير في هذا الاتفاق قبل تعديل الاتفاق بين المالية والكازينو لناحية الحصص المالية. على ضوئه، طلبت المالية من الكازينو في شباط 2020 إفادتها باقتراح التعديل، وكرّرت الطلب في حزيران من العام نفسه. “عسّ” الأمر حتى 22 آذار 2022، عندما وقّعت المالية والكازينو ملحقاً تعديلياً للعقد الأساسي، طاول الشق المالي استناداً إلى استشارة هيئة الاستشارات والتشريع، كما شمل شق الصلاحيات، إذ سُمح للكازينو باستثمار الألعاب والمراهنات الرياضية “Online”، لكن بناءً على تعديل 2008 الذي أسقطه مرسوم 2012.
هدية ثمينة بـ”بلاش”
مصادر في وزارة المالية اكتفت، رداً على أسئلة “الأخبار”، بالإشارة إلى أن تعديل العقد جرى بموافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون ونجيب ميقاتي، ووقّعه وزيرا المال والسياحة يوسف الخليل ووليد نصار. علماً أن قانونيين يؤكدون “أن الحق الحصري بالأساس ممنوح للكازينو بموجب قانون ولا يمكن توسيعه لشمول ألعاب جديدة (Online) إلا بقانون”، وفي هذا الأمر “لا يوجد شيء اسمه موافقة استثنائية”، ما يُسقط ذريعة “المالية” المرتكزة على تعديل (2008) الذي أدخل الـ”Online” ضمن حق الكازينو الحصري خلافاً للأصول.
أهمية مرسوم 2012، الذي ضرب به الرئيسان و”المالية” و”السياحة” والكازينو عرضَ الحائط، أنه يمكّن مديرية اليانصيب من إعداد دفتر شروط، وإطلاق مزايدة لتلزيم تشغيل الألعاب أونلاين، وتتقاسم المديرية (أي الخزينة) الأرباح مع الشركة التي تفوز بالمزايدة، ما يضمن للخزينة ربحاً أكبر، من دون الحاجة إلى إشراك كازينو لبنان كطرفٍ ثالث يأكل من حصّة الدولة المالية من دون أن يقدّم شيئاً في المقابل. ووفق القانونيين، “لا يمكن للوزارة التذرّع بأنّ للكازينو حقاً بتنظيم تلك الألعاب. فلو كان الأمر كذلك، لما كان بحاجة إلى رخصة من وزارة المالية. أما إذا كان لا يملكه، فبأيّ شروطٍ أعطي له؟”. لتوضيح خطورة هذه المخالفة، يمكن “تقريش” كل ما ورد أعلاه بنصف مليار دولار، إذ إن ألعاب القمار عبر الإنترنت قطاع قائم بذاته، يلزمه إيجاد تشريع خاص به، ويفوق بأهميته الاقتصادية كازينو لبنان بأشواط. ويقدر خبراء في هذا المجال حجم الأرباح السنوية الصافية لهذا القطاع في لبنان، مقارنة مع عددٍ من الأسواق العالمية، بأكثر من 500 مليون دولار سنوياً. هكذا، تكون وزارة المالية منحت الكازينو، بـ”بلاش”، حقاً حصرياً باستثمار قطاعٍ “يبيض ذهباً”، بمخالفة قانونية ومن دون مناقصة. فهل الأمر مجرد سوء إدارة أم تنفيعة في صندوق أسود آخر؟ الفضيحة سيّان في الحالتين.
خطر التعامل مع العدوّ
وقّع كازينو لبنان عقد تشغيل الألعاب والمراهنات “Online” مع شركة “OSS” في 20/10/2022، وبدأ العمل في 1/12/2022 في المراهنات الرياضية، علماً أن إذن وزير الاقتصاد أمين سلام ببدء التشغيل أتى في 24/1/2023، بعدما وصل رد مكتب مقاطعة إسرائيل الإقليمي حول أوضاع الشركات المتقدمة إلى وزارة الاقتصاد في 30/1/2023، وأبلغته الوزارة الكازينو في 6/2/2023. المعنى أن إدارة الكازينو بدأت العمل في المنصة قبل شهرين وأسبوع من تبلّغها رد مكتب المقاطعة، مستسهلةً خطر أن تكون لدى إحدى الشركات علاقة ما بالعدو قبل إذن الوزير الذي هو خالف بدوره قانون المقاطعة ولم ينتظر وصول رده في 30/1/2023.
لا شروط قاسية
يشير اختصاصيون إلى أن تعديل العقد الأساسي بين وزارة المالية وإدارة الكازينو أغفل شروطاً يفترض أن يتضمّنها هذا النوع من الاتفاقات المتعلقة بالمراهنات لإقامة ما يُسمى توازناً مع مساوئ القمار، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 2% من لاعبي القمار معرّضون أن يصيروا مدمنين عليها. ومع بدء الألعاب أونلاين بما يتيح وصولها إلى كل بيت، بات ممكناً أن تنخرط شرائح كبرى في الألعاب وتتعرّض لهذا النوع من الإدمان. لذلك فإن ما يُطبّق في معظم دول العالم هو إما المنع التام لألعاب الحظ، أو تلزيمها لمشغلين يخضعون لشروط ضرائبية قاسية، مع تخصيص جزء من هذه الضرائب ومن الدولة المالية من إيرادات هذا القطاع القمار لدعم وزارات كالشباب والرياضة.
حبر على ورق
منحت الدولة كازينو لبنان الحق الحصري باستثمار ألعاب الميسر داخل حرمه مقابل القيام باستثمارات غالبيتها عقارية كبناء أقسام جديدة وفندق خمس نجوم، إلا أن هذه الاستثمارات بقيت بمعظمها حبراً على ورق.
المصدر:الأخبار