في عصرنا الحديث يكاد يكون من المستحيل تخيل العالم بدون الهواتف الذكية أو شبكات الإنترنت في كل مكان، إلا أن هذه الاختراعات ليست الوحيدة التي غيّرت شكل العالم والحياة اليومية.
فرغم أنه من السهل أخذ العديد من أهم الاختراعات التي نتفاعل معها على أساس يومي كأمر مسلّم به- مثل مقاعد المراحيض- لكن القصص وراء ابتكارها قد تغير تماماً نظرتنا للأمور.
في هذا التقرير نستعرض تاريخ ابتكار بعض أهم الاختراعات البشرية التي نستخدمها بشكل يومي، والتي غيرت شكل العالم الذي نعرفه للأبد.
1- مقاعد المراحيض الحديثة
كانت المراحيض بشكلها البدائي موجودة منذ آلاف السنين، وبينما يأخذ الكثير منا هذه الأدوات من قطع البورسلين كأمر مسلم به هذه الأيام، فلا شك أن الحياة كانت ستبدو مختلفة وأسوأ بكثير بدونها.
إذ تُعد المراحيض المفتاح لمجتمع مزدهر وصحي، فهي تحد من تفشي الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد، وكلاهما كان منتشراً في المناطق الحضرية قبل استخدام مراحيض التدفق المائية.
وبالرغم من أن الناس عادة ما يؤرخون مرحاض التدفق الحديث لجون هارينجتون، الابن الروحي للملكة إليزابيث الأولى بين القرنين الـ16 والـ17 ميلادياً، لكن كانت هناك مراحيض دافقة بالمياه قبل أن يتدخل، وعوضاً عن استخدام الأواني الخزفية أو الذهاب إلى الحمام في الخارج، أفضى اختراعه لاستخدام الصورة البدائية للمراحيض التي نعرفها، وهي ربط مقعد المرحاض بأنبوب تصريف يفضي إلى غرف أسفل المنزل يتم تنظيفها دورياً بشكل يدوي.
بعد ذلك، في عام 1775، طوّر صانع ساعات اسكتلندي يُدعى ألكسندر كومينغ قطعة سباكة في مؤخرة مقعد المرحاض، تسمح باستخدام الماء لتصريف النفايات، وبمجرد أن حصل كومينغ على براءة اختراع لتصميمه، حدثت نهضة المراحيض الدافقة.
وبمجرد أن أصبحت مواد صنع المراحيض أرخص أصبحت أكثر شيوعاً، وأصبح العالم أكثر أماناً، وانخفضت معدلات الوفيات بسبب التلوث وانتشار الأوبئة والأمراض بسبب المراحيض.
2- بنك الدم
منذ أقل من قرن كان المرضى الذين يحتاجون إلى نقل الدم يخوضون سباقاً مع الزمن للنجاة بحياتهم، إذ لم تكن هناك شبكة منظمة للناس للتبرع بالدم، ولأنه كان من الصعب حفظه لفترات طويلة لم تكن هناك طريقة لتخزينه أو لاستخدامه في وقت لاحق، فكان على المرضى العثور على المتبرعين بالدم فوراً كلما احتاجوا المساعدة.
ثم في عام 1937، بعد ابتكار تقنية لحفظ الدم لمدة تصل إلى 10 أيام، أنشأ الطبيب برنارد فانتوس أول “بنك دم” في البلاد في مستشفى مقاطعة كوك في ولاية شيكاغو الأمريكية.
فكان يمكن للناس أن يصنعوا “إيداعات” من الدم لاستخدامهم الخاص، أو ليتم إعطاؤها للآخرين الذين لديهم فصائل دم متطابقة.
في الوقت نفسه تقريباً توصل الجراح تشارلز آر درو إلى طريقة لفصل البلازما عن الدم الكامل، ووجد أنه إذا لم يكن الدم الكامل ضرورياً، فيمكن إجراء عمليات نقل الدم بنجاح باستخدام البلازما فقط.
فأصبح من الممكن تجفيف البلازما لتخزينها على المدى الطويل في بنوك الدم.
3- الشريط اللاصق
كان الشريط اللاصق من بنات أفكار فيستا ستودت، وهي أم من إلينوي كان ولداها في البحرية، عملت تلك الأم الأمريكية في مصنع لتعبئة وتفتيش صناديق الذخيرة.
وكان يتم إغلاق الصناديق بشريط ورقي قبل غمسها في الشمع، وكان يُلحق بها علامة لتسهيل فتحها لاحقاً. وقد لاحظت ستودت أن الصناديق بها عيوب قوية، وهي أن الشريط واهن ويسهل قطعه، وغالباً ما كانت علامات الفتح تتمزق، ما يعني أن الجنود لم يتمكنوا من فتح الصناديق بسرعة عندما كانوا تحت النيران.
ففكرت الأم التي أرسلت ولديها للحرب، لماذا لا تصنع شريطاً لاصقاً مقاوماً للماء من القماش لإغلاق الصناديق؟ ولأن مديريها لم يتفاعلوا معها قررت رفع فكرتها مباشرة إلى الرئيس فرانكلين روزفلت، كما عرضت فكرتها على مفتشين حكوميين مختلفين، قالوا إن الابتكار جيد، لكنهم لم يشرعوا في التصنيع.
لكن روزفلت قرأ رسالتها، وبالفعل وجّهها إلى مجلس الإنتاج الحربي، حيث تمت الموافقة على فكرتها، فكان الشريط اللاصق حلاً سريعاً وعملياً للجميع في مختلف المجالات والتخصصات.
4- أحزمة المقاعد
لم تبدأ فكرة حزام الأمان من أجل سلامة النقل مع نيلز بوهلين، المهندس السويدي الذي ابتكر حزاماً للكتف والحجر للسيارات في عام 1958.
إذ أدرك مبتكرون آخرون، مثل طيار القرن التاسع عشر جورج كايلي، الحاجة إلى وقاية البشر من أن يتم قذفهم من الطائرات والمركبات المتحركة الأخرى باستخدام حزام للحماية.
لكن بوهلين كان هو من سعى لتحسين أحزمة الأمان، والتي كان يمكن لها أن تضر في بعض الأحيان أكثر مما تنفع في حالة وقوع حادث.
مثل التسبب في إحداث إصابات داخلية عند الارتطام بقوة.
ومن خلال تثبيت الجذع بحزام الكتف الحديث بات من الممكن إبقاء السائقين والركاب في مكانهم، دون اللجوء إلى الأحزمة ذات الأربعة مراكز ربط الأكثر إرهاقاً، التي كان يرتديها الطيارون، أو الأحزمة على شكل حرف Y سابقاً.
وقد سمحت فولفو لأي مصنع سيارات بنسخ الحزام وتطبيقه دون احتكار الابتكار.
5- مكيفات الهواء
منذ طرحه في مطلع القرن العشرين، غيّرت مكيفات الهواء نوعية الحياة التي عرفها الناس من قبل، ولكن لم يتم اختراع أول وحدة تكييف هواء حديثة لاستخدام الناس، بل تم إنشاؤها لمطبعة في حقيقة الأمر.
ففي عام 1902، طُلب من مهندس يبلغ من العمر 25 عاماً يُدعى ويليس كاريير أن يبتكر طريقة للتحكم في الرطوبة في مصنع للطباعة في بروكلين، حيث غالباً ما كانت أيام الصيف الحارقة تتعارض مع سجل الألوان وتدمر المطبوعات.
وبعد إجراء اختبارات مبكرة باستخدام البكرات والخيش ومحلول ملحي من كلوريد الكالسيوم، كان يصطدم الناقل بجهاز يرسل الماء البارد عبر ملفات التسخين لتوزيعه.
تم تركيب النظام في وقت لاحق من نفس الصيف في المطبعة، جنباً إلى جنب مع المراوح وأنابيب البخار المثقوبة وغيرها من الملحقات. وبالفعل، حقق جهاز التبريد نجاحاً كبيراً، وبحسب ما ورد كان له نفس تأثير تبريد 50 ألف كيلوغرام من الجليد يومياً.
تم بيع اختراع كاريير في كل مكان من مطاحن الدقيق إلى مصانع الحلاقة والمساكن، واستمر تكييف الهواء في إعادة تشكيل الهندسة المعمارية ومظهر الدول التي تمكنت من بناء الأبراج الشاهقة دون الخوف من الحرارة. كذلك أسهم صنع مكيفات الهواء في تطوير المدن الكبرى الحديثة، التي كانت قبل ذلك تعاني الشمس الحارقة مثل سنغافورة وشنغهاي ودبي وغيرها.