لا يمر يوم في لبنان من دون وقوع عمليات سرقة ونشل وقتل وكأنّ الأزمة الاقتصاديّة وتداعياتها حوّلت سويسرا الشرق إلى ساحة مفتوحة للاعتداءات تحت شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”. واللافت مؤخراً هو “وقاحة” المعتدين الذين راحوا يُهاجمون ضحاياهم كباراً وصغاراً حتّى في وضح النهار و”على عينك يا تاجر”. فماذا يحصل على الطرق اللبنانيّة؟ وما السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة؟
حوادث متكرّرة
كان سامي الهاشم (٢٩ سنة)، يقود سيّارته الرماديّة من نوع كيا، على طريق عام الحدث – كفرشيما، حيث هاجمه شابان على دراجة ناريّة وسلبا منه مركبته ومحفظته بقوّة السلاح الأبيض.
يشرح الشاب العشرينيّ لـ”المدن” تفاصيل “اليوم المشؤوم” مسترجعاً أدقّ تفاصيله. “قُرابة الساعة الرابعة بعد الظهر، وبينما كنتُ عائداً من العمل، قرّرت ألّا أسلك طريقي اليوميّة هروباً من ازدحام السير، فذهبت من طريق عام الحدث باتجاه كفرشيما، وهناك انعطف أمامي فجأة شابان على درّاجة ناريّة وطلبا منّي الترجل من السيّارة بعدما وضعا سكيناً حول رقبتي، وبطبيعة الاحوال السائدة، لم يقترب أحد لنجدتي، فأعطيتهم طلبهم وركبت تاكسي للوصول إلى منزلي لأنّهم سرقوا هاتفي أيضاً. عندما وصلت إلى المنزل ورأتني أمّي سالماً اتصلنا بالشرطة، التي أفادتني بأنّها لا تستطيع القيام بأيّ شيء والحلّ الوحيد هو تقديم شكوى رسميّة ليأخذ القانون مجراه”.
بالواسطة كلّو بينحلّ”، يؤكّد سامي الذي استطاع بحكم عمله ومعارفه الوصول إلى الشابين بطرق ملتويّة وغير قانونيّة لاسترجاع السيّارة، في حين أنّهما باعا الهاتف وصرفا النقود التي كانت بالمحفظة.
الأمن الذاتي سيّد الموقف
تُخبرنا سيدة العريف (٤٢ سنة)، التي لم تسلم أيضاً من بعض العصابات المنتشرة في منطقة بيروت، كيف استطاعت “بفضل الله” الهروب من مسلحين على طريق عام المطار بينما كانت عائدة من مأدبة إفطار حضرتها مع أصدقائها في العمل. “اعترضتني سيارة رباعية الدفع واصطدمت بسيارتي في محاولة لتخويفي، حينها اتصلت بزوجي ليبقى معي على الخطّ في حال حدوث أيّ مكروه لي أقلّه ليُخبر الشرطة لتُحدّد مكاني”. عشرون دقيقة كانت أشبه بسنة كاملة للمرأة الأربعينيّة التي استرجعت شريط حياتها في مطاردة بوليسيّة تُسابق بها الزمن قبل أن تسلك طريقاً فرعياً خلّصها من السيارة التي لاحقتها.
تقول سيدة”لم أفكّر بنفسي ولا بالسيّارة، فما قيمة الحديد إذا كنت لن أرى أولادي قط بعدها؟”، لتخلص أن “لبنان لم يعد يُشبهنا”.
بالنسبة إلى جوزيف الهبر لم يختلف الوضع كثيراً، إلّا أنّه من الجيل الذي عاش الحرب الأهليّة وشهد على الجرائم التي حلّت بأهل البلد نتيجة التفلّت الأمني آنذاك. لذا فهو لا يخرج من منزله من دون سلاحه المرخصّ، كما يؤكد لـ”المدن” “لأن ما نعيشه اليوم أسوأ من الحرب، وأخطر من أصوات المدافع والرشّاشات”. يضيف “أعمل سائق لدى عائلة معروفة في كسروان، وفي ليلة كنت عائداً من عندهم حاول شاب على دراجة ناريّة عند مدخل بعبدا اعتراضي لسلب سيّارتي، فما كان مني سوى سحب سلاحي نحوه ليفرّ هارباً باتجاه الحدث… ربما كنت شجاعاً لدرجة كافية للدفاع عن نفسي، ولكن هل المطلوب أن نتولّى نحن كأفراد هذه المهمّة؟”، يسأل جوزيف.
الأرقام مُقلقة
أمنياً، تحسّنت المؤشّرات بشكل ملحوظ خلال الأشهر الثّلاثة الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام 2022 وفقاً لتقرير أعدّته “الدوليّة للمعلومات”. ومع ذلك، أظهرت المقارنة بين شهري شباط وآذار من هذا العام ارتفاعًا في نسبة الجرائم.
تراجعت جرائم القتل بنسبة 28.2٪ وجرائم السرقة بنسبة 40.5٪ وجرائم الخطف لقاء الفدية بنسبة 25٪ خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام السابق. ولكن، ارتفعت جرائم الانتحار بنسبة 71.4٪ وجرائم سرقة السيارات بنسبة 7.1٪.
الأمر المقلق هو الارتفاع الملحوظ في الجرائم خلال شهر آذار مقارنة بالشهر السابق، أيّ شباط 2023. فقد شهدت المؤشّرات الأمنيّة ارتفاعاً في جرائم سرقة السيارات بنسبة 34.1٪ وجرائم السرقة بنسبة 8.8٪ وجرائم الانتحار بنسبة 50٪ وجرائم الخطف لقاء الفدية بنسبة 40٪. وظلّت نسبة جرائم القتل دون تغيّر.
مصادر رسميّة لـ”المدن”: الآتي أخطر!
تُؤكد مصادر أمنية، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لـ”المدن” إلى أنّ “الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي شهدت تراجعاً كبيراً في نسب الجرائم والسرقات، ولا علم لدى القوى الأمنيّة بكل الحوادث التي تحصل على الطرق اللبنانيّة”، داعيةً “المواطنين إلى عدم اعتماد شريعة الغاب أو أخذ الحقّ باليدّ واللجوء إلى الأساليب القانونيّة الرسميّة لاسترجاع ممتلكاتهم كي لا نشهد انفجاراً مجتمعياً نحن في غنى عنه وسط المآسي العديدة التي نعيشها”.
وتُرجح مصادر متابعة للملف أن تشهد المرحلة المقبلة “ارتفاعاً كبيراً في السرقات ومحاولات القتل والنشل نتيجة الظروف المترديّة التي يُعاني منها القسم الأكبر من الشعب وسط ارتفاع معدلات البطالة والفقر، لذلك اتخذّت القوى الأمنيّة سلسلة إجراءات استباقية للحدّ من هذه الظاهرة قبل الموسم السياحيّ المنتظر ومنعاً لتفاقم الأوضاع”، محذّرةً من أنّها “لن تتهاون مع أيّ معتد مهما كانت خلفياته أو أسبابه، كما لن تكون الأحكام مخفّفة بتاتاً”.
متطلبات الأمن مفقودة
لا يختلف اثنان على أن مقوّمات الأمان في لبنان لم تعد متوافرة، والأسباب التي أدّت لهذه المرحلة واضحة ، إلّا أنّ الحلول الجذريّة مفقودة. فالأمن والأمان يتطلبان مقوّمات عدّة لوجستيّة وماليّة تعجز الجهات الرسميّة عن تأمينها على الرغم من تطمينات وزير الداخلية بسام مولوي والقيّمين على المؤسّسات الأمنية الذين يبذلون أقصى ما بوسعهم، غير أن الأمور تخرج عن سيطرتهم أحياناً وخصوصاً في بعض المناطق التي لا تخضع لسيطرة الدولة وأجهزتها. وهو ما يعزز تزايد الكلام عن الأمن الذاتيّ للمناطق والأحياء.