في بلد ينازع فيه أطباؤه للبقاء في المهنة، متحدّين الظروق الاقتصاديّة الصعبة، حالهم حال معظم مواطني هذا البلد، بتصميم واضح على إكمال رسالتهم الانسانيّة، نسي بعض الأطباء الرسالة، فوجدوا في وجع الناس فرصة لتحقيق أرباح غير شرعيّة، في عمليّة نصب واحتيال لم يسبق لها مثيل.
“الحرامي الصغير”
فقد ضجّت مستشفى كليمنصو، (CMC – Clemenceau medical center) ، منذ حوالى ثلاثة أشهر، بفضيحة من العيار الثقيل، كان أبطالها طبيبين ومحاسباً يعملون داخل المستشفى.
وفي التفاصيل، تقول مصادر مطّلعة على الفضيحة في حديثها لـ”المدن”، إنّ “أصحاب المستشفى، وهم عائلة من بيت غزالة، وبعد العديد من الشكاوى التي تلقوها من قبل مرضى، اشتكوا من الكلفة الاستشفائيّة الباهظة للعمليّات الجراحيّة داخل المستشفى بالمقارنة مع مستشفيات أخرى. فقاموا بإجراء تحقيق داخلي، ليتبيّن أنّ المحاسب م. أ. كان يدفّع المرضى ضعفي كلفة العمليات، ويقوم بإيداع قسم من المبلغ الذي يدفعه المرضى، وهو التسعيرة الرسميّة، في صندوق المستشفى، فيما الأموال الإضافيّة يضعها في صندوقه الخاص. واكتشف أصحاب المستشفى ذلك بعد أن نصبوا له فخّا، عبر شخص ادّعى انه مريض وبحاجة لإجراء عمليّة جراحيّة فوريّة، ليقوم الياس بتدفيع المريض 2000$ فوق المبلغ الرئيسي المحدّد من قبل المستشفى لإجراء العمليّة. وبعد التحقيق معه نفى الياس جميع التهم الموجّهة ضدّه. ومن بين هذه الأخيرة، سرقته لأكثر من نصف مليون دولار في السنوات الأخيرة، خلال فترة مزاولته لعمله في المستشفى. وبعد نقله إلى مخفر حبيش في بيروت، والتحقيق معه، قام ذويه بتسليم أكثر من نصف المبلغ المتبقي إلى المعنيين في المخفر، والذي تخطّت قيمته الـ250 ألف دولار، لتثبّت بذلك التهمة عليه، فيعترف بفعلته قائلا “أنا الحرامي الصغير شوفوا الحراميّة الكبار”.
الطبيبان والمرضى الأثرياء
وتتابع المصادر “قام الياس بالاعتراف على كلّ من م. ق. صاحب منصب مهم بالمستشفى، وع. ح. وهو جرّاح يجري العمليّات للمرضى. ليتبيّن أنّهما شريكان مع المحاسب بعمليّة النصب. يقومون بفوترة العمليّة التي تكلّف 5000 دولار بـ15 ألف دولار. خصوصاً إذا ما كان المريض من اللبنانيين أو العراقيين أو حتى السوريين الأثرياء. وهذه الأموال كانت تضيع، أو يتمّ إخفاؤها، بين قسم المحاسبة وأجرة الطبيب، والجراحين، وشركات التأمين. لذلك كان يصعب على أصحاب المستشفى كشف السرقة. ولكن وبعد توقيف شركات الضمان والتأمين عملها مع المستشفى، لاشتباهها بعمليات سرقة وتزوير في الفواتير، وبعد أن اشتكى أكثر من مريض من كلفة الاستشفاء المرتفعة، ما أدّى إلى خسارة المستشفى لعدد كبير من مرضاها.. بدأ أصحاب المستشفى بالتحقق من الموضوع. وبعد ظهور الحقيقة ترك م.ق. عمله في المستشفى في لبنان ودبي، فيما صُرف ع.ح. من المستشفى، إلاّ أنّه لا يزال يزاول مهنته بشكل طبيعي في مكان آخر”.
وتختم المصادر “عاد بذلك أصحاب المستشفى واستلموا إدارتها، بعد أن غيّروا طاقم العمل بآخر جديد من أصحاب الخبرة والسمعة الطيّبة. وعادت وأصلحت المستشفى علاقتها مع شركات التأمين واستعادت مرضاها”.
رد فعل الإدارة
تواصلت “المدن” مع المستشفى، التي لم تنف مصادرها في حديث خاص، حدوث هذا الأمر، لكنها تعتبره أنه أصبح وراءها وعالجته بالطريقة الأمثل. وشدّدت المصادر على أنّ “المستشفى لم تكن يوما بأياد غير أمينة، وما حصل كان حادثة منفردة وتعالجت في وقتها، أمّا تغيير أعضاء الإدارة أو الطاقم الطبي فهو أمر طبيعي في كل المستشفيات، وهو شأن داخليّ”.
ما العقوبة التي قد تلحق الأطباء؟
في هذا الإطار تواصلت “المدن” مع نقيب الأطباء السابق، شرف أبو شرف، للوقوف عند رأيه في هذا الموضوع وما العقوبة التي من المفترض أن تنزل بحقّ الطبيبين، الذي ذكّر في حديث خاص بـ”ضرورة إلتزام الاطباء بقانون الآداب الطبيّة، والاتفاقيّة الموجودة بين النقابة والجهّات الضامنة والمستشفيات، مع أخذ وضع الناس الاقتصادي بالاعتبار”.
وتابع شرف “هناك العديد من الأطباء الذين يتقاضون بدل خدماتهم الطبيّة وفق الحدّ الأدنى، أيّ تسعيرة النقابة، فيما آخرون لا يزالون يقبضون رواتبهم دون هذا الحدّ. أمّا قسم آخر، فيرفع تسعيرته قليلاً بسبب الوضع الاقتصادي السيء”، مذكّراً بأننا “في اقتصاد حرّ يسمح للطبيب بتسعير خدمته كما يشاء، ويعطي الحريّة للمريض بقبول الدفع من عدمه”.
ولفت إلى أنّه “وفي حال إخلال الطبيب بآداب المهنة فمن المفروض أن يتمّ محاسبته من قبل نقابة الأطباء، حسب كل حالة. حيث تتراوح العقوبات بين توجيه لوم أو توجيه تنبيه وصولاً إلى شطب اسمه من النقابة إذا لزم الأمر، في حال المخالفات الكبيرة”، مؤكّدا أنّه “ليس من صلاحيّة أي جهاز أمنيّ جرّ أيّ طبيب إلى التحقيق. فالجهّة الوحيدة المخوّلة بمحاسبته هي نقابة الأطباء”.