أعلن الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة “أن لبنان يعيش في منطقة زلزالية جيولوجياً وسياسياً، ويتعرّض حالياً لانهياراتٍ كبرى على كل الصعد الوطنية والاقتصادية والمالية والسياسية والنقدية والمعيشية”، معرباً عن اقتناعه بأن “القيمة الأساسية للبنان تكمن في أنه بلد العيش المشترك الحقيقي”.
وفي إطلالته مساء الاثنين عبر برنامج “مع بوشعيل” الذي يقدّمه الفنان نبيل شعيل على تلفزيون “الراي” – الكويت، قال السنيورة: “علينا أن نعود إلى الفكرة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته للبنان العام 1997 حين قال “أنتم أكثر من وطن، أنتم رسالة للبنانيين وللإقليم والعالم، رسالة العيش المشترك وقبول الآخَر. وهذا الأمر ما زال لبنان يمثّله، وهناك دعوات للتكفير بهذا المبدأ، وأعتقد أنها كلها نسيج في الهواء”.
وأكد أن “لبنان بحاجة إلى أشخاصٍ يعودون إلى التمسّك بالمبادئ، من أجل أن يكون للبنان دولة ذات قرار حرّ”، وأضاف: “هناك إمكانية لإخراج لبنان من المأزق ولكن هذا الأمر بحاجة إلى ما يسمى باستعادة ثقة اللبنانيين بالغد”.
وعن كيفية تلقيه خبر اغتيال رفيق دربه الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، قال: “بعدما توليتُ وزارة المال لـ10 سنوات على مرحلتين، كنتُ اتخذتُ قراراً بالتوقف عن العمل السياسي كوزير، وعدتُ إلى العمل المالي والمصرفي. وكنتُ يومها في مكتبي، علماً أنني التقيتُ بالرئيس مساء السبت (اي قبل يومين من الاغتيال) وزرتُه وكان متألّماً جداً من طريقة التعامل معه من النظام السوري، واتفقنا على أن نلتقي مجدداً بعد أيام. ويوم الاثنين 14 شباط 2005، وقرابة الواحدة إلا بضع دقائق من بعد الظهر، دوى انفجارٌ اعتقدنا حينها أنه جدار للصوت. وثم من مكتبي القريب جداً من موقع الانفجار والذي تحطّم زجاجه، رأينا الدخانَ المتصاعد، وبدأت تتوالى الأخبار التي كان وقعها مثل الصاعقة عليّ، وقد أُغمي عليّ وعاينني طبيبٌ لأنني لم أفقد فقط صديقاً وأخاً كبيراً ورجلاً نبيلاً بكل ما للكلمة من معنى، فلبنان خسر رجلاً استثنائياً. وفي ضوء ما شهده العالم العربي من أحداث مترابطة بعد هذا الاغتيال، ندرك أن ثمة مَن كان يضمر الشرّ لِما يُسمى ظاهرة رفيق الحريري. ظاهرة عروبية لا تقتصر على لبنان بل كانت على مستوى أقطار عربية أخرى. والاغتيال بأبعاده وارتداداته هو مأ أعادني إلى السياسة”.
وأشار إلى أنه تولّى رئاسة الحكومة العام 2005 “بترشيحٍ من الرئيس سعد الحريري كونه ابن رفيق الحريري ولديه الرمزية، وهو رجل أكنّ له كل الاحترام والمَحبة”، وقال: “رشّحني سعد الحريري، وأنا اعتذرتُ حينها ولكنه أصرّ كونني كنتُ الأقرب للرئيس الشهيد، وهذا الأمر سلك بعدها مسارَه الدستوري عبر البرلمان”.
ولفت إلى أنه “في تلك المرحلة لم نكن نعرف من أين تأتي المصائب علينا وتتوالى الأحداث”، وقال: “في الفترة التي كنتُ ما زلتُ مكلفاً تأليف الحكومة، حصلتْ محاولة اغتيال الياس المر الذي كان مرشحاً لدخول الحكومة، علماً أنه قبل 14 شباط كنا شهدنا محاولة اغتيال مروان حماده، وبعد استشهاد الرئيس الحريري كرّتْ سبحة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وكان الكلام يكثر عن اغتيالات ستحصل”.
وأضاف: “تألّفتْ الحكومة على وهج المَخاوف من الاغتيالات. وحتماً كنتُ في دائرة الاستهداف، وحينها اتخذتُ قراراً بملازمة السرايا الحكومية في غالبية الأوقات، بعدما بات الوزراء وكأنهم عرضة للاغتيال في أي لحظة. واغتيل الوزير بيار الجميل الذي كان عضواً في حكومتي، كما اغتيل آخرون، وهذا الأمر تَرافق مع صعوبات سياسية، إذ كان ثمة محاولات من “حزب الله” لوضع يده على الدولة اللبنانية، وهذا ما حلتُ دونه”.
وحين قيل له: هناك من اتّهمك بأنك كنتَ ضدّ المقاومة في تلك الفترة، أجاب: “هذه التهمة الجاهزة والمعلّبة، وتُستخدم في وجه كل شخص لا يوافقهم الرأي. وأنا مَن أطلقتُ آنذاك عبارة: انتهى زمن فحص الدم. أي كل يوم يُراد إخضاعنا لفحص دم في وطنيّتنا وعروبتنا. وفي تلك الفترة أيضاً واجهتْنا مطبات أخرى مثل الاعتصامات التي حصلت ابتداءً من أواخر 2006، وقبْلها ما عُرف بغزوة الأشرفية (شباط 2006) وما تخللها من حرق سفارات وأمكنة دينية، وكان الهدف دفْع الحكومة للاستقالة، وهذا أمر عالَجْتُه بدرجةٍ عالية من الحكمة والتبصر”.
وفي سياق حديثه، تحدّث السنيورة عن حرب تموز عام 2006، معتبراً أنها “جاءت خلافاً لكل الوعود التي قدّمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله”، وأضاف: “قبل الحرب، كان نصرالله أكد أنه لن يكون هناك أي عمل حربي، وإذا كان سيحصل شيء فسيكون تذكيرياً وليس حربياً حقيقياً”.