في وقت سابق من شهر كانون الثاني الماضي، نشر عضو مجهول في مجموعة دردشة يزيد عدد أعضائها عن 10 أشخاص بقليل، ملفات تحتوي على وثائق عسكرية أميركية مصنفة على أنها “سرية” و”سرية للغاية”.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير موسع لها عن هذه الوثائق العسكرية إنه “على ما يبدو لم يلاحظها أحد في العالم الخارجي” عندما تسربت الوثائق للمرة الأولى.
وطبقا للصحيفة، بقيت الوثائق – التي يبدو أنها كانت بالمئات – حتى أوائل آذار الماضي بين أعضاء المجموعة الصغيرة على منصة الرسائل “ديسكورد”، وهي منصة تواصل اجتماعي للدردشة.
وفي أوائل آذار، أعاد مستخدم آخر نشر العشرات من تلك الوثائق في مجموعة أخرى ذات جمهور أكبر قبل أن تنتشر بين مجتمع لعبة “Minecraft” الإلكترونية.
والأربعاء، نشر حساب دعائي روسي على موقع تلغرام نسخة مزورة “بشكل فاضح” من إحدى الوثائق إلى جانب عدد قليل آخر من الوثائق غير المحررة، بحسب الصحيفة ذاتها.
وقال مسؤولون إن التسريب الاستخباراتي يمثل أحد أكثر التسريبات ضررا منذ عقود وينظر إليه على أنه من أخطر الخروق الأمنية بعد تسريبات موقع “ويكيليكس” عام 2013 والتي شملت ما يزيد على 700 ألف وثيقة ومقطع فيديو وبرقية دبلوماسية.
وتعمل الولايات المتحدة على تقييم أي مخاطر على أمنها القومي قد تترتب عن تسريب وثائق سرية تتعلق خصوصا بالغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الأحد.
هذا التسريب لوثائق سرية الذي كشفت عنه لأول مرة صحيفة “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي لا يشمل فقط تقارير ووثائق متعلقة بالنزاع في أوكرانيا، لكنه يتعلق أيضا بتحليلات حساسة جدا بشأن حلفاء الولايات المتحدة.
وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، “تم مباشرة التعاون بين الوكالات لتقييم تأثير (تسريب) هذه الوثائق المصورة على الأمن القومي وعلى حلفائنا وشركائنا”.
ولم تتمكن صحيفة “وول ستريت جورنال” من التحقق من المستندات بشكل مستقل، لكنها تحتوي على تفاصيل كافية لمنحها المصداقية. وقال مسؤولو الدفاع إنهم يعتقدون أن بعض الوثائق يمكن أن تكون أصلية.
وتساءلت الصحيفة الأميركية في تقريرها عن الأشخاص الذين لديهم حق الوصول لمثل هذه المستندات السرية.
وقال غوشوا سكول، وهو مسؤول تنفيذي رفيع سابق بمكتب التحقيقات الفدرالي والذي يشغل الآن منصب رئيس مؤسسة “Bow Wave” للمقاولات الحكومية، “سيكون التحقيق في التسريب من بين أولويات مكتب التحقيقات الفدرالي القصوى، حيث يبحث المحققون عن من لديه حق الوصول إلى المعلومات ومن سيكون لديه الدافع لنشرها”.
وأضاف سكول: “سوف يتطلعون إلى معرفة من فعل ذلك بأسرع وقت ممكن، ولن يدخروا أي مورد لذلك”، مشيرا إلى أن “مكتب التحقيقات الفدرالي يعتبر هذا كما لو أن شخصا ما قد ارتكب فعل خيانة”.
وقال مسؤولون أميركيون، السبت، إن الولايات المتحدة تدرس مجموعة من الاحتمالات بشأن كيفية حدوث التسريب، بما في ذلك قيام شخص لديه تصريح أمني شديد السرية بتسريب المعلومات أو اختراق أنظمة المخابرات الأميركية.
وقال مسؤولون حاليون وسابقون إن تحقيقات التسريب تبدأ عادة بتحديد من لديه حق الوصول إلى الوثائق. ويحتمل أن المئات من موظفي الحكومة لديهم تصاريح أمنية من شأنها أن تمنحهم القدرة على استعراض الوثائق.
وقال المسؤول السابق في وزارة العدل، مارك ريموندي، إن مجموعة الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات السرية قد توسعت خلال السنوات التي أعقبت هجمات 11 أيلول الإرهابية.
وأشارت لجنة تابعة للكونغرس حققت في الهجمات إلى أن عدم تبادل المعلومات الاستخباراتية يعد من أحد أسباب عدم كشف الحكومة الأميركية عن المؤامرة في عام 2001.
ولا تزال هوية الناشر الأصلي لهذه الملفات السرية بمجموعة “ديسكورد” غير معروفة.
وقال أريك تولير، رئيس قسم الأبحاث والتدريب في مجموعة “بيلينكات” للصحافة الاستقصائية، التي أجرت عدة تحقيقات في عمليات المخابرات الروسية، إنه كان على اتصال بثلاثة أعضاء أصليين في مجموعة “ديسكورد”.
وقال إن أعضاء المجموعة شاهدوا مئات الملفات السرية قبل مسحها، حيث يقيم معظم الأعضاء في الولايات المتحدة.
وظهرت تسريبات المستندات كتكتيك شائع خلال الحرب في أوكرانيا، لكن نشر ملفات المخابرات الأميركية على “ديسكورد”، وهي خدمة دردشة عبر الإنترنت يفضلها لاعبو ألعاب الفيديو، يتبع نمطا مختلفا ومحيرا إلى حد ما، وفقا للمحللين.
بمجرد لفت الانتباه العالمي إلى التسريب، سارع أعضاء مجموعات “ديسكورد” لحذف حساباتهم وتطهير خوادمهم، خوفا من الاهتمام غير المرغوب فيه من الحكومة الأميركية ووكالات الاستخبارات الأجنبية.
وقال متحدث باسم “ديسكورد” لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنهم يتعاونون مع سلطات إنفاذ القانون بشأن التحقيق في التسريب.
وتابع: “من أهم أولويات ديسكورد ضمان تجربة آمنة لمستخدمينا. بما أن هذا لا يزال تحقيقا جاريا، فلا يمكننا تقديم المزيد من التعليقات في الوقت الحالي”.
من المحتمل أن يكون لدى “ديسكورد” معلومات حول مستخدمي خادم المجموعة الأصلية والتي من شأنها أن تكون مفيدة لمحققي إنفاذ القانون، حسبما قال كبير مسؤولي الأمن في شركة الاستخبارات “ريكورديد فيوتشر”، ليفي غوندرت.