أدى تكرار الزلازل والهزات الارتدادية القوية بعد زلزال تركيا وسوريا لإثارة تساؤلات في منطقة الشرق الأوسط برمّتها حول ماهية الظاهرة التي تضرب المنطقة، وهل نحن أمام زلزال مزدوج، أم ظاهرة نادرة من الحركات الأرضية تُعرف باسم “سرب الزلازل”، أم نحن أمام ما هو أخطر من عاصفة زلزالية؟
رغم مرور أكثر من أسبوعين على الزلزال الكبير الذي ضرب جنوب تركيا وأجزاء واسعة من سوريا، لم تتوقّف توابعه ممثلة في الهزات الأرضية من حينها حتى الآن، حيث تم تسجيل آلاف الهزات.
تركيا تعرضت لنحو 4700 هزة ارتدادية منذ الزلزال الذي ضربها في 6 فبراير/شباط 2023، حسب مدير عام مخاطر الزلازل والحد منها في إدارة الكوارث والطوارئ التركية أورهان تاتار، فإن آخرها أمس الأول الإثنين 20 فبراير/شباط حيث وقع زلزالان شعر بهما سكان تركيا والشام ومصر، أحدهما بقوة 6.4 ريختر والثاني بقوة 5.4.
سلسلة من الزلازل، أم زلزال مزدوج؟
تجدر الإشارة إلى أن زلزال تركيا سوريا 6 فبراير/شباط المركزي يوصف أحياناً بالزلزال المزدوج؛ حيث وقع زلزالان كبيران الأول بقوة 7.8 ريختر وفقاً لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (و7.7 ريختر حسب المصادر التركية)، والثاني بقوة 7.5، وفي تقديرات أخرى 7.6 ريختر.
ولكن الواقع أن يوم 6 فبراير/شباط شهد أربعة زلازل تتراوح ما بين متوسطة وصخمة.
تجدر الإشارة إلى أنه من 4 إلى 6 ريختر يعد زلزالاً متوسطاً، بينما من 6 إلى 7 ريختر يعد زلزالاً كبيراً أو قوياً، ومن 7 إلى 9 يعد زلزالاً ضخماً، ومن 9 إلى 10 يعد زلزالاً رهيباً، وزيادة عدد صحيح في الحجم (أي زيادة بمقدار درجة)، يعني تضاعف الطاقة الزلزالية المنبعثة بحوالي 32 مرة.
وهذا يعني أن زلزالاً بقوة 7 درجات ينتج طاقة أكثر 32 مرة -أو أقوى 32 مرة- من قوة 6 على مقياس ريختر.
بعد 11 دقيقة من الزلزال الأول الأكبر الذي وقع في الصباح المبكر بكهرمان مرعش، تعرضت المنطقة لهزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة، ووقع زلزال ثالث بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر بعد 9 ساعات من الزلزال الرئيسي، تلاه تشنج آخر بقوة 6.0 درجات في فترة ما بعد الظهر.أي أننا أمام زلزلزين ضخمين وثلاثة آخرين يصنفان أقوياء منها الزلزال القوي الذي وقع أمس الأول الإثنين بقوة 6.4 ريختر، إضافة لعدة زلازل متوسطة حدث كل ذلك بشكل متوالٍ خلال بضع ساعات، مع حدوث بعضها بعد أيام.
وعند مقارنة الزلزال الأكبر الأول والثالث الكبير أيضاً الذي ضرب المنطقة، يقول العلماء إن الزلزال الثالث تحديداً، يعد قوياً للغاية مقارنة بالهزات الارتدادية المتوقعة؛ حيث عادة تكون الهزات الارتدادية أقل بكثير، ولكن الزلزال الرئيسي أعقبته هزة بقوة 6.7، أي تقارب الحد الأقصى للزلازل المتوسطة ثم هزة ثالثة بمقياس 7.5، أي أنها تعد في حد ذاتها زلزالاً قوياً.
وبالنظر إلى وقوع الهزة الارتدادية الكبيرة على بعد أكثر من 60 ميلاً من مركز الزلزال الأول الكبير الذي يقع بالقرب من مدينة غازي عنتاب، فمن المحتمل أن يكون قد حدث على خط صدع مختلف عن أول زلزال كبير، رغم أنه حدث بسببه وتُعد قوة الزلزال الثاني أمراً لافتاً ونادراً.
ما هو سرب الزلازل الذي يتحدث عنه العلماء؟
في علم الزلازل، “سرب الزلازل” هو سلسلة من الأحداث الزلزالية التي تحدث في منطقة محلية خلال فترة قصيرة نسبياً. تختلف الفترة الزمنية المستخدمة لتعريف السرب، لكنها قد تكون أياماً أو شهوراً أو سنوات.
ترتبط معظم أسراب الزلازل بالنشاط الحراري الأرضي.
وأسراب الزلازل أقل انتشاراً من الزلازل العادية، ولكنها شائعة بالخصوص في المناطق البركانية (على سبيل المثال اليابان أو وسط إيطاليا أو آيسلندا)؛ حيث تحدث قبل انفجارات البراكين وأثناءها. أو مناطق الدوران الحراري المائي، ويبدو أن هجرة السوائل عالية الضغط في قشرة الأرض هي آلية الزناد التي تحكم تطور سرب الزلازل.
حدثت هذه الظاهرة في جبال (Erzgebirge)، التي تشكل الحدود بين جمهورية التشيك وألمانيا، فمنطقة غرب بوهيميا ومنطقة فوغتلاند منذ القرن السادس عشر معروفتان بأنهما عُرضة لأسراب الزلازل المتكررة، والتي تستمر عادةً من بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر.
عالم الجيولوجيا النمساوي جوزيف نيت كان من أوائل مَن رصد الظاهرة، أثناء دراسته في عام 1899 لسرب من حوالي مائة هزة شعر بها في غرب بوهيميا/فوغتلاند في مطلع عام 1824، وصاغ مصطلح “سرب الزلازل”، ويستخدم مصطلح “سرب” لإعطاء الانطباع بالتصاق الزلازل بشكل متوالٍ؛ مثل سرب نحل، وهو تبدو كذلك عند رسم الزلازل على خريطة.
وقع أكثر الأسراب توثيقاً بالقرب من ماتسوشيرو، إحدى ضواحي ناغانو، إلى الشمال الغربي من طوكيو. استمر سرب ماتسوشيرو من عام 1965 إلى عام 1967 وتسبب في حدوث حوالي مليون زلزال.
سرب زلزال Hochstaufen في ولاية بافاريا الألمانية، هو أحد الأمثلة النادرة؛ حيث يمكن إنشاء علاقة لا جدال فيها بين النشاط الزلزالي وهطول الأمطار.
ما الفارق بين الهزات الارتدادية وسرب الزلازل؟
الهزات الارتدادية هي سلسلة من الزلازل التي تحدث بعد حدوث صدمة كبيرة على الصدع. وتحدث الهزات الارتدادية بالقرب من منطقة الصدع؛ حيث حدث تمزق الصدمة الرئيسية وهي جزء من “عملية إعادة التعديل” بعد الانزلاق الرئيسي على الصدع.
تصبح الهزات الارتدادية أقل تواتراً مع مرور الوقت، على الرغم من أنها يمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية “usgs“.
من ناحية أخرى، فإن سرب الزلازل هو سلسلة من الزلازل الصغيرة في الغالب بدون صدمة رئيسية يمكن تحديدها. عادة ما تكون الأسراب قصيرة العمر، لكنها يمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو أحياناً حتى شهور، وغالباً ما تتكرر في نفس المواقع.
سلوك الهزات الارتدادية أكثر وضوحاً بالنسبة للعلماء من الزلازل الفردية
لا يزال من المستحيل التنبؤ بحجم الزلازل الفردية وموقعها وتوقيتها بدقة، ولكن العلماء لديهم تصورات أوضح نسبياً بشأن طريقة انتشار ومواعيد وقوة الهزات الارتدادية.
الهزة الارتدادية هي الزلزال الذي يحدث عقب الزلزال الرئيسي الضخم، وبالقرب من مركزه؛ نظراً لأن توابع الزلزال شائعة وتتبع نمطاً نموذجياً، يمكن للعلماء تقديم معلومات حول كيفية تأثيرها على المناطق التي تعرضت مؤخراً لزلزال كبير.
هذه ليست تنبؤات، ولكنها توفر أداة يمكن استخدامها للتأكيد على السيناريوهات المحتملة التي تصف عدد وحجم الزلازل التي قد تحدث بعد ذلك في الأشهر التي تلي الصدمة الرئيسية.
لا تقتصر الهزات الارتدادية دائماً على نفس نظام الأعطال مثل الصدمة الرئيسية؛ حيث يمكن أن تؤدي الزلازل الكبيرة في بعض الأحيان إلى حدوث توابع على مسافة أبعد. ومع ذلك، فإن معظم توابع الزلزال تتجمع بالقرب من تمزق “خطأ” الصدمة الرئيسية.
هل كان الزلزال الثاني بقوة 7.5 ريختر تابعاً أم زلزالاً رئيسياً مختلفاً؟
من النادر جداً أن تحدث هزة ارتدادية مقاربة في القوة للزلزال الرئيسي خلال الأسبوع الأول من الحدث المركزي.
فمن بين كل 20 حالة زلزال مركزي، توجد حالة واحدة يحدث فيها زلزال آخر كبير تالٍ له، حسب تقرير لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية “USG“.
ما حدث في تركيا أنه تبع الزلزال الرئيسي الذي بلغت قوته 7.8 درجة بمقياس ريختر زلزال آخر بقوة 7.5 درجة بعد 9 ساعات على بُعد 60 ميلاً.
ويضيف التقرير مع كون الزلزال الثاني الذي بلغت قوته 7.5 ريختر أضخم بكثير من المعتاد من الهزات الارتدادية، إلا أنه لم يكن من الناحية الجيولوجية زلزالاً مستقلاً لأنه لم يكن خارجاً عن ما حدث في تسلسل الزلزال السابق.
ولكن من ناحية القوة هذه الهزة الارتدادية تعد زلزالاً ضخماً، فهي أقل بمقدار العشر من زلزال 1999 في تركيا الذي خلف عشرات الآلاف من الضحايا.
هل كارثة تركيا وسوريا نتيجة أم سرب زلازل، أم عاصفة زلزالية؟
من الواضح أننا ظاهرة نادرة نسبياً، فنحن أمام عدد كبير من الزلازل بطريقة تشبه سرب الزلازل.
ولكن أسراب الزلازل عادة تكون غير قوية، كما أنها تقع في ظروف جيولوجية مختلفة عن الأناضول وفي مناطق معروفة وترتبط بشكل أساسي بحركة البراكين والسوائل الملتهبة في باطن الأرض.
كما أننا لسنا أمام زلزال مزدوج فقط، لأنه شهدنا عدداً من الزلازل المتوسطة على مدار الأسبوعين الماضيين بين 5، و6 وثلاثة زلازل قوية قياسهم من 6 إلى 7 ريختر، وزلزالان ضخمان أكثر من 7 ريختر.
لسنا إذن أمام ظاهرة سرب الزلازل، ويبدو أننا أمام تيار زلزالي كبير ببؤرتين ضخمتين متقاربتين في الحجم (أعلى من 7 ريختر) وثلاث بؤر كبيرة ولكن أقل (من 6 إلى 7)، وعدة بؤر متوسطة (بين 5 و6 ريختر)، في ظاهرة تشبه الموجات تبدو نادرة، ويعتقد أنها لأسباب جيولوجية نادرة.
من الصعب تحديد ما إذا كان هذا التيار يصل في قوته وتدميره وعدد الزلازل التي يحويها لما يعرفه بعض الباحثين بـ”العاصفة الزلزالية”، أو عاصفة الزلزال، وهو مصطلح يطلق أحياناً على سلسلة من الزلازل التي حدثت في العصور القديمة من بينها عاصفة دمرت الحضارات القديمة في منطقتنا بما في ذلك تركيا.
إذ يعتقد أن عاصفة زلزالية استمرت 50 عاماً، من حوالي 1225 إلى 1175 قبل الميلاد، ساهمت بشكل كبير في انهيار حضارة العصر البرونزي المتأخر في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط.
كما حدثت واحدة من أشهر العواصف الزلزالية بين 350 و 380 بعد الميلاد؛ حيث دمرت مواقع في فلسطين وقبرص وشمال غرب تركيا وكريت وجنوب إيطاليا وصقلية وشمال ليبيا، ووقعت على طول صدع شمال الأناضول من 967 إلى 1050 م، وخلال هذه الفترة ربما ضرب أكثر من 20 زلزالاً كبيراً المنطقة.
باحثة بكلية لندن ترى أن ظاهرة جيولوجية نادرة وراء زلزال تركيا وسوريا
في هذا الإطار، قالت الباحثة في هندسة الزلازل بكلية لندن الجامعية، الأستاذة تيزيان روسيتو، إن الزلزالين اللذين ضربا ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا “حفّزا بعضهما البعض”، وإن هذه الحالة “ليست شائعة” في هندسة الزلازل.
ووصفت روسيتو، في مقابلة مع وكالة الأناضول، الزلزالين بأنهما “كارثة القرن”، مشيرة إلى أنهما “لا يحملان السمات الزلزالية المعروفة بالنسبة للمنطقة (كهرمان مرعش)”.
وأضافت: “نحن على معرفة بالخصائص الزلزالية لمنطقة كهرمان مرعش، لكن الزلزالين اللذين وقعا في المنطقة كانا كبيرين للغاية”.
روسيتو التي أوضحت أن الزلزال الكبير الأول تسبب في حدوث الزلزال الثاني على خط صدع شرق الأناضول، أضافت: “هذه ليست حالة شائعة في هندسة الزلازل، إنه بالتأكيد ليس الوضع الذي نفكر به عند عمل تصميمات زلزالية”.
وقالت إن “آخر زلزال كبير حدث في كهرمان مرعش كان قبل نحو 500 عام، وأن الكثير من الطاقة تراكم عند نقطة الالتقاء خلال السنوات الماضية”.
وأردفت أن “الزلازل الصغيرة تؤدي إلى تفريغ الطاقة المتراكمة بشكل تدريجي وهذا ما لم يحدث خلال الـ 500 عام الماضية؛ ما أدى إلى حدوث زلزال بهذا الحجم”.
وقالت روسيتو: “لقد تراكمت الطاقة على خط الصدع الزلزالي ما أدى إلى انهياره؛ حيث تسببت هذه الطاقة بهزات أرضية، وأدى الزلزال الأول إلى انكسار الصدع وحدوث الزلزال الثاني”.
وأوضحت روسيتو أن سبب وقوع الكثير من الوفيات نتيجة الزلزال الحالي هو “وجود الكثير من الأبنية القديمة غير المقاومة للحركات الزلزالية في المنطقة، بينما تم تصميم المباني الجديدة بطريقة غير مناسبة لهذه الحركات التكتونية”.
إليك توقعات الهيئة الجيولوجية الأمريكية للزلازل المحتملة قريباً بالمنطقة
من شأن حدوث زلزال كبير آخر أن يؤثر بشكل أكبر على الدول العربية ودول المتوسط، خاصة لو تحركت بؤرته جنوباً؛ مثل الزلزال الذي وقع أمس الأول في ولاية هاتاي التركية، كما أن أي زلزال كبير آخر ضمن النشاط الجيولوجي الذي تشهده المنطقة قد يؤدي لتسونامي بالبحر المتوسط.
ولذلك من المهم معرفة احتمالات وقوع زلازل أخرى أو توابع أو هزات ارتدادية، وهل فاتت ذروة الموجة أو العاصفة الزلزالية أم قد تكون قادمة، بمعنى آخر: هل هناك احتمال لزلزال آخر في مثل قوة زلزال كهرمان مرعش أو أقوى؟.
بعد الزلازل الكبيرة؛ مثل زلزالي تركيا M7.8 و M7.5، من الشائع للغاية أن تحدث مئات الهزات الارتدادية خلال الأسابيع أو الأشهر أو السنوات القليلة القادمة، حسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ولكنها تقول: “في النهاية، سينخفض تواتر هذه الهزات الارتدادية”.
السيناريو المستقبلي الأكثر احتمالاً، حسب الهيئة الأمريكية، أن هناك فرصة بنسبة 90% أن الزلازل التابعة ستنخفض في القوة، مع عدم حدوث أي زلزال أكبر من 7 ريختر في هذا السيناريو، ولا يزال من المحتمل حدوث توابع متوسطة بين 5 و6 ريختر، يمكن أن تتسبب هذه الزلازل في حدوث أضرار، خاصة للمباني الضعيفة أو القديمة غير المبنية لتحمل الزلازل.
السيناريوهان الآخران أقل احتمالاً، لكنهما أكثر تطرفاً، فهناك احتمال بنسبة 10% أن تحدث هزة ارتدادية جديدة، أكثر من 7 ريختر، واحتمال 1% أن تكون الهزة الارتدادية ذات حجم مماثل للزلزال الرئيسي أو أكبر من M7.8.