منذ زلزال تركيا وسوريا صارت مواقع التواصل الاجتماعي في عدة دول عربية تعج بفيديوهات من مختلف بلدان المنطقة، لاسيما المغاربية منها، تتحدث عن تراجع مياه البحر المتوسط فيها، ويحذر البعض على خلفيتها من تسونامي قادم وآخرون يتوجسون من إمكانية تعرض مناطقهم لزلازل قوية في وقت قريب. ولفهم ما يحصل بشكل أدق، أجرت فرانس24 مقابلة مع الدكتورة المصرية إلهام محمود، خبيرة البيئة وعلوم البحار بالأمم المتحدة والأستاذة بـ”الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء” بمصر.
يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تتحدث عن تراجع مياه البحر المتوسط في أكثر من نقطة بمناطق مغاربية وعربية، مصحوبة بمخاوف من إمكانية حدوث تسونامي في وقت قريب. ويأتي نشر هذه الفيديوهات في أعقاب الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا حيث خلف عشرات الآلاف من القتلى. وفي محاولة لإيجاد إجابات عن أبرز الأسئلة التي تطرح بهذا الشأن، حاورت فرانس24 الدكتورة المصرية إلهام محمود خبيرة البيئة وعلوم البحار بالأمم المتحدة وأستاذة بـ”الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء” بمصر.
ما مدى حقيقة “ظاهرة” تراجع مياه البحر في منطقة المتوسط؟
الأمر غير واقعي، لم يحصل تراجع في مياه البحر الأبيض المتوسط. وإذا حصل تراجع أو قلة في مستويات المياه بالجزء الغربي من المتوسط، فذلك نتيجة لقلة الأمطار بشكل أساسي. لأن المنطقة المغاربية جغرافيا تمتد مساحاتها بين مسطحين مائيين كبيرين هما: البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. وبالتالي من المفروض أن تكون في هذه المنطقة رياح غربية محملة بالأمطار. لكن للأسف لا يحصل هذا. وما يحدث أن المنطقة تتعرض لتذبذب كبير في التساقطات المطرية. وتبقى الأمطار غالبا حبيسة السحب، وهو ما أدى إلى جفاف المنطقة الغربية وتسبب في قلة المياه. وهذا أثر أيضا على الغطاء النباتي والزراعة والعديد من النشاطات الاقتصادية بحكم أن نسبة الجفاف تصل إلى 80 حتى 90 بالمئة… لكن أعود لأقول إنه لم يحدث تراجع ظاهر أو ما يمكن أن نسميه ظاهرة يمكن أن تقلقنا على مصير البحر الأبيض المتوسط.
ما فرضية إمكانية وقوع تسونامي في البلدان المتوسطية؟
الحركة التكتونية معروفة في منطقة البحر المتوسط وتحديدا في دول بلاد الشام وتركيا، ويمكن أن نصفها بأنها تحصل فيها إزاحة. وكما نعلم الزلازل مصدرها حدوث بعض الإزاحات الأفقية أو العمودية في القشرة الأرضية. وهذا يتم في المناطق التي توجد فيها الفوالق. ولحدوث تسونامي، المفترض أن تكون الإزاحة، التي تحصل بين الفوالق الأرضية، إزاحة عمودية. ويجب أن تكون إزاحة بشكل شديد وواضح. لكن هذه الإزاحة لما تكون أفقية لا تتسبب في التسونامي، وهذا النوع من الإزاحة هو المعروف في منطقة المتوسط. ويمكن القول إننا محظوظون بأن الإزاحة التي تقع في منطقتنا من النوع الأفقي وليس الرأسي، وبالتالي لا ينتج عنها تسونامي ولا يمكن حتى أن يحصل هذا مستقبلا في منطقة المتوسط بما فيها المنطقة المغاربية ومعها مصر.
وإن تحدثنا تحديدا عن زلزال تركيا وسوريا، فالعلماء الذين حللوا الظاهرة وجدوا أن موضوع تفريغ الطاقة أو الإزاحة، تمت كلها أو غالبيتها بشكل أفقي، يعني إزاحة أفقية. وقالوا إنه من 80 حتى 85 بالمئة من عمليات تفريغ الطاقة تمت بهذا الشكل. في المقابل نسبة بسيطة تتراوح ما بين 15 حتى 20 بالمئة تمت بشكل عمودي. وهذه النسبة لا يمكن أن يتبعها حدوث تسونامي في المنطقة. لكن هذه النسبة البسيطة هي التي دعت السلطات التركية المختصة إلى الإعلان أن بعض الدول حواليها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن تكون معرضة لبعض الزلازل. لكن بعد فترة من التروي وتحليل النتائج الموجودة اكتشفوا أن نسبة الإزاحة العمودية قليلة لا يتبعها حدوث تسونامي. وهناك ملاحظة مهمة جدا في هذا السياق، التسونامي الذي يحصل عقب حدوث زلزال ضخم كما الذي هز تركيا وسوريا، المفترض أنه يحصل خلال ساعات وليس أيام. لكن زلزال تركيا وسوريا مر عليه أكثر من أسبوع، فليس من الممكن بل من المستحيل أن يحدث تسونامي نتيجة هذا الزلزال.
ومهما كانت قوة الزلازل شديدة، ليست كلها قادرة على تكوين موجات تسونامي. لأنه ليست قوة الزلزال وحدها هي التي تحدد إن كان سينتج عنه موجات زلزالية بحرية. فبناء على قوة الزلزال من جهة وعلى قدرته على إنتاج الموجات الزلزالية البحرية من جهة ثانية، هو الذي يحدد إن كان هناك إمكانية حدوث موجات تؤدي إلى تسونامي أو لا. وتعتمد قوة الزلزال على طبيعة الإزاحة الموجودة في بؤرة الزلزال. ولهذا الأخير بؤرتان: بؤرة في باطن الأرض التي تحدد خطورة الزلزال، تقابلها بؤرة أخرى على سطح الأرض، فالبؤرتان هما اللتان ينتج عنهما تفريغ الطاقة أو الإزاحة. وهذه العملية إما تتم بشكل أفقي وهذا لا يسبب في تسونامي، لكن يبقى خطيرا كما حصل في تركيا. لكن في حال تفريغ الطاقة بشكل عمودي، هذا خطيرا أيضا، لأنه ينتج عنه الموجات الزلزالية التي تسبب في تسونامي في المناطق البحرية.
هل لزلزال تركيا تبعات طبيعية على البلدان المتوسطية كهزات ارتدادية قوية مستقبلا، ثوران براكين وغيرها؟
نعم هنا تبعات. معهد الدراسات الجيولوجية الأمريكية، الهيئة الكبرى التي تقوم بتسجيل الحركات الأرضية والاهتزازات والزلازل أصدرت خريطة مؤخرا تفيد أنه وقع في المنطقة حول تركيا وسوريا ما يقرب من 85 زلزالا. نحن رصدنا منها فقط الزالزلين القويين الأول بـ7،5 والثاني بـ7،8. لكن خلال الفترة البسيطة التي لا تتعدى ساعات بينهما، حصلت 85 هزة أرضية تراوحت بين اثنين واثنين ونصف. والزلازل الضعيفة على سلم ريختر لا نشعر بها أحيانا أو نشعر بها كمجرد اهتزاز بسيط في بعض المباني. لكن لا تخلف أي آثار أخرى. وإذا تحدثنا عن تبعات الزلزال الذي ضرب المنطقة. نعم له تبعات. لكن هل ستطال الدول المحيطة والدول العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط شمالا وجنوبا. دعنا نتكلم بصفة أساسية عن جنوب المتوسط الذي يضم دولا كمصر. فالزلزال ستعقبه بعض “التواليات” أو بعض الارتدادات أو الاهتزازات البسيطة، لكن ستحصل غالبا في منطقة خليج العقبة أو شمال البحر الأحمر. وطبعا هذا راجع إلى وجود الفالق العربي الأفريقي الموجود بطول البحر الأحمر والذي يفصل القارة الآسيوية عن الأفريقية. وهناك دول ستشعر بهذه الارتدادات، بهذا النشاط الزلزالي الذي يعقب الزلزال الكبير في تركيا وسوريا، كاليونان وقبرص، وهذه الارتدادات ستكون بسيطة قد يشعر بها السكان دون أن تخلف أضرارا.
في النهاية، أريد أن أشير إلى معلومة مهمة وهي أن البحر الأبيض المتوسط ليس بحجم المحيطات التي تستوعب أن يكون فيها موجات متلاحقة تسمى بتسونامي. صحيح لا يمكن لنا التنبؤ بموعد الزلازل، لكن يمكن التكهن بمكانها. ويوجد بهذا الخصوص خرائط واضحة تحدد الأماكن التي يحتمل حدوث فيها زلازل، وهي خرائط معتمدة صادرة عن مؤسسات كبرى.