” أزمات عدة تعصف بلبنان، تجعل المواطن متأهبا في كل لحظة لمواجهة الضربات التي تصيبه من كل حدب وصوب.
فبعد أن صارت تكلفة المعيشة في لبنان باهظة، أصبح الموت حتى مكلفا، إذ أصبح دفن الموتى يخضع لحسابات جدية ودقيقة، في ظل جنون سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
وتختلف طقوس دفن الموت بين طائفة وأخرى في لبنان، وإن كان القاسم المشترك بينها جمعيها أنها أصبحت بـ”الفريش الدولار”، بدءا من التابوت (صندوق الدفن)، مرورا بسيارات النقل وأوراق النعي، وصولا للعمال والزهور والطعام، وجميعها تضع الفقراء في ضيق لا مثيل له.
و”الفريش دولار” هو الدولار الوارد حديثا إلى لبنان من الخارج.
ويقول لبناني ستيني يدعى “الحاج رضا”: “أجهّز الموتى في قريتي الجنوبية لوجه الله. نعيش في بلد حتى الموت أصبح فيه همّا”.
ويضيف في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “قديما لم يكن ذلك همّا، فالميت يدفن في أرضه من دون تكلفة.. الإنسان رخيص وهو على قيد الحياة وغال وهو ميت”.
القبور والدفن بالدولار
وبدوره، يوضح خلدون الشعار، وهو أحد مسؤولي الدفن في مدينة طرابلس شمالي لبنان، عملية دفن الموتى في المدينة، قائلا إنها “من اختصاص مديرية الأوقاف الإسلامية”.
ويستطرد في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “المديرية هي من تحفر القبور وتجهزها، ويكلف حفر القبر الواحد حوالي مليوني ليرة، في حال كان قديما، أي سبق ودفن فيه أحد الأموات في سنوات سابقة”.
ويتابع: ” في حال كان القبر جديدا كليا، فتبلغ تكلفته حوالي 150 دولارا (أي ما يقارب 12 مليون ليرة) يضاف إليها مهمة تجهيز الميت بالغسل والكفن، التي تبلغ تكلفتها حوالي 120 دولارا”.
ويشير الشعار إلى أن هذه المبالغ لا تشمل كلفة تأمين مكان العزاء، موضحا أن هناك قاعات مجانية للجمعيات الخيرية، وقاعات فخمة تكلف حوالي 500 دولار (30 مليون ليرة).
ويضيف: “تبلغ تكلفة دفن الميت في لبنان في الوقت الراهن حوالي 10 ملايين ليرة، لكننا نعجز أحيانا عن تأمينها، فنقوم بدفن بعض الفقراء بما تيسر من المال دون نقاش”.
من جانبه، يقول صاحب معمل رخام في مقبرة طرابلس، يدعى علي السيد: “قبل الأزمة كانت تكلفة الدفن مليون ليرة، واليوم صار دفن الميت يكلف حوالي 13 مليون ليرة”.
ويضيف: “أما متوسط الكلفة فيتراوح ما بين حفر القبر (5 ملايين ليرة)، ومثلها لتجهيز الميت وغسله وكفنه، هذا إذا كان القبر مشغولا من ميت سابق”.
وينوه السيد كذلك إلى “تكلفة طباعة النعي في المطبعة، التي تستوفي أجرها بالدولار”، لافتا إلى أن “ثمن كل 100 نسخة 11 دولارا”.
ويستطرد: “أضف إلى ذلك سعر الرخام الذي يُركب فوق القبر، وبعض الكماليات، لترتفع التكلفة إلى بضعة آلاف الدولارات”.
وبدوره، يقول شوقي الذي يعمل في دفن الموتى في العاصمة اللبنانية بيروت: “إذا كان القبر جديدا في مدافن الحرج الجديدة، تصل تكلفته إلى 28 مليون ليرة، يضاف إليها كلفة الرخام المستخدم فوق القبر، وكلفة اليد العاملة”.
ويتابع: “في حال كان القبر في مدافن الشهداء قرب المسجد، فلا يقل المبلغ عن 10 آلاف دولار، إلى جانب تكاليف الرخام الذي يصل إلى حدود 350 دولارا”.
ويفسر شوقي ارتفاع تكلفة القبر في مدافن الشهداء في العاصمة اللبنانية، بالقول: “لأن القبر فيها عبارة عن ملكية خاصة، ولا يمكن الدفن فيه إلا بإذن من أهل المدفون القديم فيه”.
ويختتم حديثه إلى موقع “سكاي نيوز عربية”، بالقول: “أما في المقابر الجديدة في منطقة حرج بيروت، فلا يمكن لأحد أن يتملك القبر لأنه ملك مديرية الأوقاف الإسلامية، وهنا تبقى كلفته معقولة، لأنه يستخدم بصورة عائلية”.
ويوضح: “فإذا توفي من يحمل نفس رقم سجل الهوية أو اسم العائلة، يُفتح القبر ويُدفن فيه الميت القريب من نفس العائلة، دون مراجعة أهل الميت القديم”.
أما إلياس، وهو صاحب مؤسسة لدفن الموتى في مدينة جبيل، فيقول إن “هناك الكثير من العائلات أصبحت اليوم تكتفي بتقبل التعازي في الكنيسة لدى الطائفة المسيحية، نظرا للارتفاع الجنوني في تكاليف الدفن”.
ويشير في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “سعر التابوت الخشبي يبلغ اليوم نحو 300 دولار، أما أجرة سيارة نقل الموتى فتختلف بحسب المناطق”.
ويختتم حديثه بالقول: “الحد الأدنى لتكلفة نقل الميت يبلغ أكثر من 100 دولار، في حال خرج مسار الجنازة من إطار العاصمة بيروت”.