داخل أنقاض مبنى أوتيل أوزهان، الذي هدّمه زلزال تركيا، كان الأمل معقوداً على إيجاد نبض إلياس حداد، بالرغم من مرور الوقت، وعدم العثور عليه حيّاً كما حصل مع رفيقه باسل حبقوق. لكن سماعنا بقصص ناجين آخرين أعاد لنا الأمل بأن لا شيء مستحيل بعد أكثر من 200 ساعة على حصول الزلزال!
بقيت المناشدات تعلو فوق كلّ شيء، والكلّ مصرّ على سماع خبر سعيد، في ظلّ الحزن والأسى الذي رافق عمليات البحث عن المفقودين. بقيت صرخة زوجته رولا يتيمة مثلها مثل صرخة أصدقائه الذين سافروا إلى تركيا في مبادرة فردية للبحث عن صديقهم ومعرفة أيّ خبر يُبرّد قلوبهم.
بعد 9 أيام، عثر على جثة إلياس حداد، ولم يصل المنتظرون، الذين يتحدّث باسمهم صديقه الناجي من الزلزال باسل حبقوق لتحقيق أملهم. ويقول لـ”النهار” بحسرة كبيرة “ليس سهلاً أن تسمع هذا الخبر المفجع. كانت هذه الرحلة الأولى لإلياس برفقتي إلى تركيا، وكانت الرحلة الأولى معه. وصلنا إلى منطقة أضنة، ثمّ انتقلنا إلى انطاكيا برفقة صديق. وصلنا إلى هناك عند الساعة الحادية عشرة ليلاً. تناولنا العشاء، وجلس يدخّن النرجيلة، كان سعيد جداً”.
لم تدم فرحة إلياس طويلاً، لم يكن يعرف أن ما ينتظر آلاف الأشخاص سيكون الفاجعة، وأن ثوانيَ معدودة كانت كفيلة بتدمير مناطق بكاملها.
غادر إلياس وباسل إلى الفندق عند الساعة الواحدة. كان رقم غرفتهما 118، ولم يكن من عادة باسل – وفق ما يروي – أن يحجز في الطابق الأول. “كنتُ أفضّل دائماً الحجز في الطوابق العليا، ومن عادتي أن أحجز في الطابق السادس. لكنه نتيجة ازدحام الغرف لم تكن الغرف متوافرة إلا في الطابق الأول. توجّهنا إلى غرفتنا عند الواحدة والنصف، وبعد ساعتين وقع الزلزال”.
يُضيف باسل: “ما أن شعرنا بالهزّة حتّى طلبتُ إليه الركض نحو السلالم. فتح إلياس باب الغرفة، واتّجهنا نحو السّلّم قبل أن تنقطع الكهرباء، وهناك لم نعد نرَ شيئاً. لم أعد أعرف مكانه. كان المكان مظلماً، ثمّ سقط السقف على رأسي، وبقيت أسمعه يقول لي “أنا علقان، أنا علقان خلّصني””.
10 سنوات على صداقة إلياس وباسل، هو الذي سافر إلى تركيا لشراء قطع من المدينة الصناعية التركية للباص الذي يملكه، فعاد جثة هامدة.
ما زالت عملية البحث تتواصل بهدف إيجاد اللبناني محمد المحمد، الذي نزل أيضاً في الفندق نفسه مع إلياس وباسل.
أكثر من 50 ساعة قضاها باسل تحت أنقاض فندق OZCHIAN في أنطاكيا، ثم نجا بأعجوبة، بعد أن تمكّنت فرق الإنقاذ من انتشاله حيّاً وبصحّة جيّدة. لكن باسل رفض العودة إلى لبنان قبل الاطمئنان إلى وضع رفيقه إلياس. هذا الكابوس الذي يصعب نسيانه طوى فصلاً حزيناً آخر بإعلان وفاة إلياس بعد 9 أيام من وقوع الزلزال المدمّر.