أشيع كثيراً أن نظرية آينشتاين النسبية هي من أعقد النظريات وأكثرها صعوبة، ولا يستطيع أي شخص دراستها أو فهمها، لكن هذه ليست الحقيقة تماماً، فوفقاً للعلماء لا تتميز النظرية النسبية بأنها مستعصية على الفهم، لكن تتميز بأن نتائجها صعبة التصديق، ببساطة قد نكون قادرين على فهمها لكن يصعب علينا تخيل نتائجها أو تصديقها.
ولكي نكون واضحين أكثر، دعونا نحدثكم عن أحد تلك النتائج: المرور النسبي للزمن.
نسبية الزمن.. هل تختلف أعمارنا من مكان لآخر حسب الجاذبية؟
قد نعتقد أن الزمن يمضي بنفس الثبات في كل الأماكن، لكن ذلك ليس صحيحاً، فمن نتائج النظرية النسبية أن الزمن على قمة أي بناء شاهق درج في العالم يمر بسرعةٍ أكبر من الزمن في أسفل البناء.
وتحدث هذه الظاهرة المذهلة لأن اقتراب أي جسم من الأرض يزيد من قوة تأثير الجاذبية عليه. ويُذكر أن نظرية النسبية العامة تُعرّف الجاذبية على أنها انحناء الزمكان. ولهذا يتحرك الزمن نفسه ببطء أكبر عند الارتفاعات العالية وعلى مسافات أبعد من الأرض، حيث يقل تأثير الجاذبية.
هل يتقدم الناس بالعمر بشكل أسرع على قمم الجبال؟
إذا كان الزمن مرتبطاً بالجاذبية، فهل يعني ذلك أن الناس على قمم الجبال يتقدمون في العمر بسرعةٍ أكبر من القاطنين عند مستوى سطح البحر؟ وهل تؤدي زيادة الجاذبية إلى إبطاء وتيرة التقدم في العمر؟
لا شك أن الزمن يتحرك بسرعةٍ أبطأ بالنسبة لجميع الأجسام البعيدة عن مجالات الجاذبية مثل الأرض، وفقاً لما أفاد به الفيزيائي جيمس شين-وين شو من المعهد الوطني للمعايير والتقنية في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موقع Live Science الأمريكي.
مما يعني أن الأشخاص الذين يعيشون على ارتفاعات عالية يشيخون بسرعةٍ أكبر قليلاً، مقارنةً بأولئك الذين يعيشون عند مستوى سطح البحر.
وقال شو: “تجعلنا الجاذبية نشيخ ببطء نسبياً. ونتقدم في العمر ببطء أكبر، مقارنةً بشخصٍ لا يعيش قرب أي جسم ضخم، لكن بفارق ضئيل للغاية. وسيرى الشخص الآخر أن عالمنا بأكمله يتحرك ببطء أكبر في الواقع نتيجة تأثير الجاذبية”.
لكن لماذا لا نلاحظ ذلك بشكل ملموس؟
قد تتساءلون لمَ لا نلاحظ ذلك بشكل ملموس؟ ببساطة لأن الفوارق طفيفة للغاية هنا، لكنها تظل قابلةً للقياس. وإذا أقمت على قمة جبل إيفرست الذي يرتفع 8848 متراً فوق سطح البحر لمدة 30 عاماً، فسوف تصبح أكبر بـ0.91 ملي ثانية من نفسك إذا أقمت الفترة نفسها عند مستوى سطح البحر.
وبالمثل، إذا افترق توأم لمدة 30 عاماً وانتقل أحدهما إلى مدينة بولدر في ولاية كولورادو على ارتفاع 1600 متر فوق سطح البحر، بينما ظل الآخر في مكانه عند سطح البحر، فسيصبح الأخ الذي أقام على ارتفاع عالٍ أكبر بـ0.17 ملي ثانية من توأمه.
وفي تجربةٍ صادمة، استخدم باحثو المعهد واحدةً من أكثر الساعات الذرية دقة في العالم، من أجل إثبات أن الزمن يمضي بسرعةٍ على ارتفاع 0.2 ملليمتر فقط فوق سطح الأرض.
وأفاد فيزيائي المعهد توبياس بوثويل، المؤلف المشارك في ورقةٍ بحثية نشرتها دورية Nature العلمية عن الدراسة عام 2022، قائلاً: “ليست هذه النتائج مجرد حسابات. إذ لاحظنا التغيير في دقات الساعة على ارتفاعٍ يساوي عرض شعرة الإنسان تقريباً”.
ولنفس الأسباب، فإن الأقمار الصناعية الخاصة بنظام التموضع العالمي GPS تدور حول الكرة الأرضية على ارتفاع 20186 كيلومتراً، لهذا تحتاج لمراعاة حقيقة أن ساعتها تعمل بسرعةٍ أكبر من ساعات الأرض بفارق 45.7 ميكروثانية كل 24 ساعة.
ومع الاقتراب من الأرض، يتضح لنا أن الجاذبية تجعلنا نتقدم في العمر بوتيرةٍ أبطأ. ولا يتجاوز الفارق عدة ملي ثوان، وبالتالي فإن الإقامة عند مستوى سطح البحر ليست استراتيجية واقعية لمكافحة التقدم في العمر بالطبع.