وصف مقاومة البكتيريا، والميكروبات بصفة عامة، للمضادات الحيوية بالجائحة الخطيرة أمر حقيقي. كيف لا ونحن نشهد ولادة أزمة عالمية لا تقل خطورة عن جائحة كورونا، إذ إن إصابة بسيطة كان يسهل علاجها، قد تتحول إلى مرض فتاك يسبب الوفاة.
من المرجح أنك في وقت ما قد اضطررت إلى تناول مضادات حيوية، ومن المرجح أيضاً أن الطبيب قد أخبرك حينها أنه لابد لك من إتمام كورس العلاج حتى لو شعرت بالتحسن. السبب في إصرار الطبيب على اكمالك جرعات العلاج كاملة، هو أنه في حال توقفك مبكراً عن تناول المضاد الحيوي فإنك قد تُسهم في خلق “بكتيريا خارقة” شديدة مقاوِمة للمضادات الحيوية، وهو ما يمكن أن يجعل الأدوية المضادة أقل فاعلية، ويجعل علاج الأمراض أكثر صعوبة.
نصائح الأطباء هذه لم تكن مجرد تحذيرات وحسب بل أصبحت واقعاً في السنوات الأخيرة. وكشف تقرير حديث نشر في مجلة لانست ونقله مطلع العام الجاري موقع بي بي سي البريطاني، وفاة أكثر من 1.2 مليون شخص حول العالم بسبب عدوى بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية. وهو عدد أكبر من مجموع الوفيات التي سببتها الملاريا أو الإيدز.
وحسب منظمة الصحة العالمية، تحدث مقاومة المضادات الحيوية، التي تستعمل للوقاية من عدوى الالتهابات البكتيرية وعلاجها، عندما تغير البكتيريا وبعض أنواع الفطريات نفسها وتبدي مقاومة للمضادات الحيوية، مما قد يسبّب للإنسان والحيوان عدوى التهابات يكون علاجها أصعب من تلك التي تسببها نظيرتها غير المقاومة للمضادات.
جائحة خطيرة
في التقرير الذي نشرته لانست، وأشرف عليه خبراء دوليون بقيادة جامعة واشنطن الأمريكية دققوا في عدد الوفيات في 204 دول، أحصى الباحثون وفاة 5 ملايين شخص في 2019 بسبب أمراض مرتبطة بمقاومة المضادات الحيوية، فضلاً عن وفاة 1.2 مليون شخص، بسبب مقاومة المضادات الحيوية مباشرة. فيما أشارت إحصائيات العام نفسه إلى أن الإيدز تسبب في وفاة 860 ألف شخص حول العالم، بينما بلغ عدد ضحايا وباء الملاريا 640 ألف شخص.
ومع انطلاق الأسبوع العالمي للتوعية بشأن مضادات الميكروبات أواخر عام 2020، حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من أن الناس والنباتات والحيوانات في جميع أنحاء العالم يموتون بسبب حالات عدوى لا يمكن علاجها – حتى مع وجود أفضل الأدوية المتاحة – وذلك بسبب ارتفاع مقاومة مضادات الميكروبات.
وفي سياق متصل، قالت نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، ماريا هيلينا سيميدو:”تماماً مثل جائحة كـوفيد-19، لم تعد مقاومة مضادات الميكروبات تهديداً مستقبلياً. إنها تحدث هنا والآن، وتؤثر علينا جميعاً”.
وتحذر تقارير صحية تصدرها هيئات رسمية في أوروبا من أنه بحلول عام 2050 قد يموت نحو 10 ملايين إنسان بسبب إصابات مقاومة للمضادات الحيوية، وهو رقم كبير جداً ينذر بخطورة هذه الجائحة ويستدعي حملات واسعة للتوعية ونقاشات علمية جادة للبحث عن سبل تداركها.
ما الأسباب الرئيسية وراء الجائحة الصامتة؟
ساعد الإفراط في استخدام المضادات الحيوية و/أو إساءة استخدامها البكتيريا وبقية الميكروبات على أن تصبح مقاومة للعديد من العلاجات، وذلك تزامناً مع ندرة العلاجات البديلة قيد التطوير حالياً، خصوصاً وأن الجهد والتكلفة والوقت المستغرق للحصول على الموافقة على المضاد الحيوي والعائد المحدود على الاستثمار قد ردع صانعي الأدوية. ونتيجة لذلك، فإن نصيب الأسد من تطوير المضادات الحيوية يجري في عدد قليل من المختبرات لشركات الأدوية الحيوية الصغيرة حيث تركز غالبية نظرائها الأكبر على الأسواق الأكثر ربحاً.
وأضافت “الفاو” أن من بين العوامل أيضاً الافتقار إلى تنظيم ومراقبة مقاومة الميكروبات للأدوية، واستخدام المضادات الحيوية كمحفزات للنمو في الحيوانات، فضلاً عن المبيعات التي لا تستلزم وصفة طبية، أو تلك التي يجري شراؤها عبر الإنترنت، الأمر الذي ساهم في ازدهار مضادات الميكروبات المزيفة أو ذات النوعية الرديئة.
وإلى جانب سوء الاستعمال والإفراط في استخدام المضادات الحيوية، يساهم تردي الوقاية من عدوى الالتهابات ومكافحتها تهديداً كبيراً للبشرية جمعاء، وهو ما يستدعي تغييراً شاملاً ينطوي عليه أيضاً اتخاذ إجراءات تحدّ من انتشار عدوى الالتهابات بفضل التطعيم وغسل اليدين والاعتناء جيداً بنظافة الأغذية.
ما الآثار المترتبة على ذلك؟
شددت منظمة الصحة العالمية على أن مقاومة مضادات الميكروبات تزيد من صعوبة علاج العدوى الشائعة وتسرع من مخاطر انتشار الأمراض الشديدة والوفاة، مما يشكل تهديداً للصحة والتنمية على المستوى العالمي. ويذكر أن مضادات الميكروبات هو مصطلح أشمل يضم الأدوية التي توصف لعلاج أمراض تسببها البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات أو الطفيليات.
ومن جهتها، قالت المنظمة الأممية إن الإفراط في استخدام الأدوية في البشر والماشية والزراعة، فضلاً عن ضعف الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة هي بعض العوامل التي أدت إلى تسريع خطر مقاومة مضادات الميكروبات في جميع أنحاء العالم.
وإلى جانب المرض الشديد وارتفاع التكاليف الطبية وتمديد فترة الرقود في المستشفى وزيادة معدل الوفيات، تؤكد “الفاو” أنه إذا تُرك موضوع مقاومة مضادات الميكروبات دون علاج، فإن ذلك قد يدفع عشرات الملايين من الناس إلى الفقر المدقع والجوع وسوء التغذية.