/ مرسال الترس /
تلاحظ الدوائر المسيحية المعنية بالوجود المسيحي في الدولة اللبنانية، ولاسيما منها بكركي والدوائر الفاتيكانية التي تتلقى تقارير شبه دورية من مؤسسة “لابورا” التي يترأسها الأب طوني خضرا، أن هناك تآكلاً شبه دائم في المواقع المسيحية في هرمية التوظيف الرسمي في لبنان، منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي سبق الوصول اليه احصاءات في غاية الدقة والموضوعية، أشرف عليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل وصوله الى الحكم، والتي أظهرت بالأرقام ان التعداد السكاني المسيحي في الجمهورية اللبنانية قد تراجع إلى ما دون الثلث، والكل يذكر المساعدات الغذائية والعينية التي كانت تصل الى جميع العائلات على الأرض اللبنانية والتي حسمت الوصول الى النتيجة المطلوبة.
وبالتالي فهم يجب أن يأخذوا حصتهم فقط في التركيبة، وليس كما تركها لهم المستعمر الفرنسي عند الاستقلال في العام 1943. ولكن حينها، وبتدخلات إقليمية ودولية، جرى في الطائف تكريس المناصفة، للحفاظ على الوجود المسيحي في هذا البلد الذي بات يُعتبر الحلقة الأخيرة والأهم في المشرق العربي، إذا ما احتسبنا ما حصل لهم في الدول التي عانت الحروب والصراعات ودفعتهم قسراً الى الهجرة، كما حصل في العراق مثلاً، الى بلاد الله الواسعة، ولاسيما الأوروبية والاسكندينافية وأستراليا وكندا.
ولكن تلك المناصفة التي أقرّها الطائف بدأت تتقلّص لعدة عوامل أبرزها:
الصراعات الدموية الحادة بين الموارنة أنفسهم (“القوات اللبنانية” و”التيار العوني” بما عُرف بـ”حرب الأخوة”) والتي ما زالت مفاعيلها تتفاعل حتى الآن، على الرغم من الهدنة القصيرة إبان اتفاق معراب الذي أوصل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، حيث أنه كلما فرغ منصب لمسيحي، بحكم السن القانونية أو الوفاة، يتناحر الفريقان لمن سيؤول له. وفي أحيان كثيرة، ولإيجاد حل لتسيير مرافق الدولة، يصار إلى تسليمه إلى نائبه الذي يكون بالتأكيد من الطوائف الاسلامية ليتحول إلى عرف وحصة ثابتة.. والأمثلة كثيرة.
وجود شخصية سنيّة في موقع رئاسة الحكومة، وتالياً رئيس مجلس الوزراء يعطي الطائفة “قيمة مضافة ” لدعم العديد من المواقع، وبخاصة المجالس والمؤسسات التابعة لرئاسة الحكومة.
رفع الطائفة الشيعية شعار المطالبة بـ “المثالثة” بات كـ”سيف ديموقليس” فوق رؤوس بقية الطوائف، على خلفية الغبن والحرمان الذي كان لاحقاً بها قبل حرب السنتين.
التوقف مؤخراً وبتمعن، عند الإشارة المباشرة لكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، إلى أن “الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية لا يعطل الحكم، فالحكومة (مجلس الوزراء) تقوم بالمهام المطلوبة وتسيّر أمور الدولة”.
فهل ستقضم الطوائف الأخرى المواقع المسيحية تباعاً، وقياساً على النسب الديمغرافية المتراجعة باستمرار لدى المسيحيين، للوصول إلى خطوط حمر؟ سؤال ستجيب عنه الوقائع في العقود المقبلة. إذا ما استمر التناحر بين المسيحيين، وتحديداً الموارنة، على كل شيء، فلن يبقى لهم سوى كرسي رئاسة الجمهورية الذي سيبقى فارغاً في معظم الأحيان، على ما هو ظاهر. مع التذكير بأن قيادة الجيش وحاكمية مصرف سيفرغان في الأشهر المقبلة، فمن سيملأ فراغهما اذا استمر موقع رئاسة الجمهورية فارغاً ويُمنع على مجلس الوزراء الاجتماع إلاّ في حال الضرورة القصوى؟