بقلم شيخة غانم الكبيسي
السلوك الاجتماعي هو تعبير عن الثقافة السائدة بالمجتمعات البشرية والتي تم تعريفها كمنظومة متكاملة تضم النتاج التراكمي لمجمل موجات الإبداع والابتكار التي تتناقلها أجيال الشعب الواحد، في جميع المجالات لترسم الهوية المادية والروحية للأمة لتحديد خصائصها وقيمها وصورتها الحضارية، وتطلعاتها المستقبلية ومكانتها بين بقية الأمم.فالثقافة إرث تاريخي يحمل الطابع المميز لكل أمة، فهي غير قابلة للعولمة، إذ أن محاولة عولمة أي ثقافة تعني في الحقيقة السعي إلى بسط هيمنتها على الثقافات الأخرى، إما بطمسها أو تحييدها.
وبما ان الثقافة هي انعكاس لهوية الأمة وشخصية شعوبها المتباينة فإن ذلك يدفع بالضرورة إلى أهمية تعميق أعمدة تلك الهوية ومقوماتها الأساسية، ولكننا على الدوام نكرر القول إنه لا مستقبل لمن لا ماضي له بشرط التوقف عن التهويل أو التهوين عند فتح ملف الذكريات القومية.
وبما ان الثقافة العربية هي نتاج التداخل بين عناصر الزمان والمكان والسكان، وما ينجم عن ذلك من خلطة بشرية تشد الناس إليها وتدفعهم دفعاً إلى إثراء الثقافات الأخرى والتواصل معها، لأن مفهوم الحضارات بطبيعته إيجابي، وبينها قدر كبير من التواصل والتداخل أكثر مما بينها من صدام أو صراعات، والتاريخ يعرف ذلك جيداً.
فالمكون الثقافي الحديث للعرب يعتمد على درجة الانسجام بين عاملين أساسيين وهما الأصالة والمعاصرة، رغم تباعدهما الزمني فلا تناقضات بينهما، لأن البشرية قد تجاوزتها كما أن القطاعات الكبرى من المفكرين والمثقفين في الدول المختلفة تمكنوا من صياغة أدوارهم في الحاضر والمستقبل، وخرجوا من جلباب الماضي وأرديته البالية، فلم يعد هناك مبرر للتباكي على عصر التميز، والسعي إلى تصحيح الصورة المغلوطة مع إدماجها بالمواقع الحيوية من أجل التمكين لثقافتنا الحقيقية كي تسود.
ولا بد أن ندرك أن الثقافة بطبيعتها تجمع ولا تفرق، تهز الأعماق بأفكار الثورات التصحيحية، لكنها تتطلع في الوقت ذاته إلى الارتباط القوي بالعناصر الجديدة للثقافة المعاصرة.كما إن الثقافة العربية لا تعرف الانغلاق، ولا تؤمن بالغلو والتشدد، لكنها تمضي بين ذلك قواماً، إنها ثقافة امتصت روح العروبة، واستوعبت تعاليم الإسلام، وآمنت بأن مفهوم الحضارة يعني بالضرورة التواصل بين الثقافات والاندماج بين عناصرها في توليفة إنسانية تتذوقها البشرية في كل الاماكن والعصور.حيث نشهد في العصر الحديث امتداداً مهولاً وتفرّداً مرعباً لما بات يعرف بصناعة ثقافة الجماهير أو «جمهرة الثقافة» التي تشكل الآلية الإعلامية فيها الأساس لإنتاج الوعي.
فقد حققت ثورة الاتصالات والمعلومات قفزة كبيرة في آليات تشكيل الوعي، واستطاعت بواسطة هذه الآليات أن تسيطر بسهولة أكبر على عملية صوغ الرأي العام المحلي والعالمي. هكذا بات تشكيل الوعي الجماعي وترويض العقل وهزيمته أموراً في غاية السهولة لمن يمتلك هذه الماكينة ويحسن استخدامها.
فالمجتمع الواعي هو الذي يصنع قيمه وعاداته بنفسه، من خلال المحافظة على جذوره وعمقه التاريخي ليجعل من ثقافته وعاء حضاريا يحفظ للأمة هويتها، ويضمن، في الوقت ذاته، انخراطها في الحضارة الحديثة، ويكسبها السمات التي تميز موقعها العلمي/ الحضاري/ الإبداعي، على الخريطة الكونية…ولا يمكنني القول إن جميع المجتمعات العربية وصلت لهذا المستوى من الوعي ولكن ما لمسناه خلال كأس العالم 2022 في المجتمع القطري من المواطنين والمقيمين ينم عن مستوى وعي عال لامس قلوب كل الضيوف والمشاركين وتجاوز الحدود الجغرافية ليبلغ الصين.
وإن كانت هناك شريحة بسيطة قد تكون ارتأت بأنه ليس لها دور في هذا المونديال العالمي ففضلت ان تغادر البلاد خوفاً من الازدحام او للاستفادة من الاجازة الرسمية. إلا ان الغالبية العظمى انخرط بالمشاركة والحضور وتفاعل مع الحشد مستخدماً جميع وسائل التواصل لنشر صورة مشرفة عن الثقافة القطرية، حيث قام 20 ألفا بالتطوع للمساهمة في إنجاح البطولة، كما تكاتفت كل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة لإبراز الصورة الكلية الجميلة لقطر.
في حين شارك عموم الشعب في حضور المباريات والفعاليات المصاحبة لكأس العالم، فقام الأطفال بتوزيع الاكلات الشعبية بالطرقات إظهاراً للكرم العربي وقام آخرون بنشر الكتيبات الإسلامية لنشر تعاليم ديننا الحنيف في حين ساهم الكثيرون بإظهار سماحة هذا الدين من خلال لطافة المعاملة وبشاشة الوجه فتميزت الشوارع والأماكن بتواجد الزي القطري لتتناقله كل الوفود حول العالم وتحاول ان تحاكيه مرددة تحية الإسلام باللغة العربية.
لتنتشر ثقافة جماهيرية مؤثرة على الرأي العام العالمي معلنة فوز الثقافة القطرية في هذا الحدث العالمي والذي يمثل خطوة تاريخية ورمزية، مما يمنح الدوحة مكانة وتأثيرًا ثقافيًا دوليًا. إلى جانب تعزيز التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية.