جاء في النهار:
بدت الاستعدادات الجارية لوداع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأحد المقبل في سباق مع الترقُّب الثقيل لما يمكن أن تؤدي إليه آخر جولات التصعيد السياسي في الأسبوع الأخير من ولاية عون الرئاسية، إذ إنّها من المفارقات الغريبة التي يتوقّف عندها المراقبون أن تكون السمة الأساسية لأسبوع رحيل العهد مطبوعة بدمغة زجّ البلاد في متاهة افتعال تصعيد لن يؤدّي إلّا إلى مزيد من التوتير والاحتقان.
وإذا كان العنوان الكبير الذي يطبع الأسبوع الطالع سيكون رحيل عهد شهد لبنان في ظلّه أسوأ أزمانه حتى أسوأ من حقبات الحرب إيّاها، فإنّ الجانب الملاصق الآخر لهذا العنوان سيكون الفراغ الرئاسي الجديد الذي بات من الاستحالة تصوّر تجنّبه إلّا بمفاجأة مدوّية لا وجود إطلاقا لمؤشراتها الواقعية قبل أسبوع من نهاية ولاية عون.
ولذا اتخذت المعلومات والمعطيات التي تواترت عن موعد تبادل الوثائق المختصة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وفق الاتفاق الذي نجحت وساطة الولايات المتحدة في التوصل إليه أخيراً، طابع الاختراق مجدّداً، إذ سيأتي هذا الحدث في الأسبوع الأخير أيضاً من العهد العوني ليضيف التوهّج والانشداد إلى محطات مفصلية متعاقبة.
ولكن وفق المعلومات التي توافرت لـ”النهار” مساء أمس، فإنّ موعد الاحتفال الذي سيُقام في الناقورة لتبادل الوثائق لم يُثبّت بعد في ظل إرجاء وصول الوسيط الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين إلى لبنان من الثلثاء المقبل إلى الأربعاء، بسبب تصحيحات إضافية تجرى على نصوص الوثيقة التي سيسلمها هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين والتي على أساسها سيتسلّم وفدا الولايات المتحدة والأمم المتحدة وثائق الموافقة اللبنانية والإسرائيلية على اتفاق الترسيم.
وتبعاً لذلك، فإنّ العهد الراحل أراد أن يسجّل لنفسه نقطة شعبوية أخيرة في أسبوعه الأخير فقام سيده بالاتصال ببشار الأسد طالباً الشروع في مسرحية البحث في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا بدءاً بزيارة وفد لبناني إلى دمشق.
وفي السياق نفسه، أرسلت الحكومة القبرصية كتاباً عبر سفارتها في بيروت إلى الخارجية اللبنانية، رحّبت فيه بالاتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية، وأبدت رغبتها بإجراء مشاورات مع لبنان لمعالجة تأثير اتفاق الترسيم مع إسرائيل على الحدود البحرية بين قبرص ولبنان.
وطلبت الحكومة ترتيب لقاء لوفد قبرصي يزور بيروت مع كلّ من نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب ووزير الطاقة وليد فياض لهذا الغرض.
أمّا على صعيد الملف الحكومي، فيبدو أنّ التطورات الإيجابية باتت في حكم المستبعدة تماماً وأنّ الأسبوع الطالع قد يشهد تصعيداً واسعاً من جانب العهد وفريقه ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيخرج عن الأطر الدستورية.
وفي سياق التسريبات التي دأب العهد وفريق “التيار الوطني الحر” على التهويل بها أخيراً، أفادت تقارير أمس أنّ رئيس الجمهورية قد يخاطب اللبنانيين تلفزيونيّاً في قابل الأيام، وسيُعلن في إطلالته عن سلسلة اجراءات سيتّخذها لحصر صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، فهو سيوقّع مرسوم استقالة الحكومة وسيؤكد أنّه لا يحق لحكومة تصريف أعمال أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية.
وتزامناً مع هذا التصعيد، سيوعز رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران #باسيل إلى وزرائه ووزراء العهد في الحكومة، بوقف ممارسة مهامهم في وزاراتهم، في معادلةٍ ستضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في موقع حرج.
لكن الأخير، لا يبدو، مستعدّاً للتراجع أمام شروط باسيل لتشكيل حكومة جديدة وهو يؤكد أنّ حكومته محصّنة دستوريّاً وقادرة على إدارة البلاد في فترة الفراغ الرئاسي، حتى أنّه يستعد للمشاركة في القمة العربية في الجزائر غداة 31 تشرين الأول.
لكن وفق هذه التقارير، فإنّ “حزب الله “والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم سيواصلان وساطاتهما حكوميّاً، مع ميرنا الشالوحي ومع السرايا، إلّا أنّ حظوظ فشلهما ونجاحهما في مهمتهما، قبل انتهاء عهد عون، متساوية مع ترجيحٍ بسيط لكفة الفشل.
وفي المواقف من الاستحقاق الرئاسي، حمّل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي زارت معراب، رسالة إلى المجتمع الدولي يناشده من خلالها مواكبة لبنان والعمل على ضمان إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، “لمنع البلد من الانزلاق نحو فراغ لا يريده أحد، ولا يمكن أن يتحمّله اللبنانيون”.
واستوقف المراقبون أمس موقف للنائب السابق أنور الخليل دعا فيه النواب إلى “انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية لما يتمتع به من مواصفات يحتاجها لبنان في هذه المرحلة”.
وقال الخليل عبر صفحته الإلكترونية: “أريد أن أصارح اللبنانيين بكل صدق ووضوح حرصاً على المصلحة العليا للوطن، بأن ما يجب للمسؤولين السياسيين أن يسعوا إليه الآن هو تحاشي شغور المركز الأول في الدولة أي رئاسة الجمهورية. فإذا بقي التعاطي بهذا الأمر كما نراه حتى الآن فالشغور حتماً أمر واقع لا مهرب منه. باعتقادي، وبتواضع كليّ، أن مثل هذا الرئيس موجود ومحاولات إضاعة الوقت بالبحث العبثي عنه يرقى إلى إضاعة وقت ثمين غير متوافر لنا”.
أضاف: “فلنسأل أنفسنا ولنبتعد عن المصالح الذاتية أو الطموحات الخيالية، ماذا يريد اللبنانيون من مواصفات للرئيس المنشود؟ وأجيب: أكثرية الشعب اللبناني يطمح لرئيس قادر لإدارة أزمة الوطن، يحترمه اللبنانيون والدول العربية والأجنبية، معروف بنزاهته ونظافة كفه، بعيد عن الشبهات، يحارب الفساد ويحاسب الفاسدين، همه الأول والأهم لبنان، عابر للطوائف والمذاهب والمناطق وقد برهن عن ذلك بالعمل لا بالقول، متمكن من إدارة الأزمة التي يرزح تحتها لبنان إقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومكرساً كل وقته للحفاظ على استقلاله وأمنه وسلامة أراضيه، شكل عنصر رضاء وتقدير واحترام لجميع التكتلات السياسية دون استثناء وبقي بعيداً عن الانغماس بالمماحكات والممارسات السياسية، وجوده على رأس الدولة يرسل الإطمئنان للشعب كله، أعيد للشعب كله، لا لفئة معينة منه”.