كتبت صفاء درويش في “الجمهورية”:
عند كل مفترقٍ سياسي يعود الحديث عن عودةٍ محتملةٍ للرئيس سعد الحريري إلى لبنان، ليعود ويتسلّم زمام الأمور كما كان قبيل الإنتخابات النيابية التي قاطعها ترشّحًا وغادر بعدها، رافضًا التدخّل بما يحصل على الساحة اللبنانية، مترجمًا ما أعلنه عن انكفاءٍ لم يحدّد هو مهلته الزمنية.
هذه المرّة خرج الحديث عن احتمال العودة بالتزامن مع مساعٍ تُبذل لإنجاح لقاء النواب السُنّة تحت راية دار الفتوى للمرة الأولى منذ زمن طويل، حيث تتركّز المساعي لإعادة هذه الدار إلى صدارة المشهد السياسي سنّيًا، بعدما انكفأ الدور السياسي مع المفتي الشيخ عبداللطيف دريان وانحصر بمسألة المرجعية الدينية الجامعة لمختلف الاصطفافات. هذا الأمر يصوّره مصدرٌ قريب من «بيت الوسط» على أنّه خطوة تسعى للاستثمار في الساحة السنّية نتيجة غياب الحريري عنها، ولكنّه ينفي ما يُحكى عن عودة الحريري إلى ممارسة النشاط السياسي واضعًا كل التسريبات في خانة التمنّيات.
فبحسب المعلومات، فإنّ الحريري لا يزال على موقفه من الانكفاء السياسي، رافضًا العودة في هذا التوقيت لاعتبارات عدّة، أوّلها وأهمها هو الأزمة الإقليمية التي لم يتوصّل أي من الوسطاء إلى حلّها حتى الآن، إضافةً إلى واقع التأزّم على الساحة اللبنانية والتي باتت محرقةً للحلول والجهود في آن، خصوصًا أنّ معالجة واقع الانهيار بات مستحيلًا إن لم يُحل ملف الغاز برضى دولي واقليمي وتسوية شاملة. في هذا الإطار كانت لافتًة زيارة السيدة بهية الحريري ونجلها نادر، المستشار السابق للحريري، إلى العاصمة القطرية الدوحة، والتي التقيا خلالها الأمير تميم بن حمد آل ثاني، حيث تنفي المعلومات أنّ الزيارة هدفت إلى طلب وساطة قطر مع السعودية من أجل السماح بعودة الحريري لممارسة النشاط السياسي، كذلك تنفي الأجواء أن تكون السيدة الحريري تسعى لإعادة تفعيل الحضور السياسي لتيار «المستقبل» من خلال البوابة والدعم القطريين.
وعن مستقبل الحريري السياسي، لا يمكن ابدًا استبعاد اسمه كمرشح لتشكيل الحكومة في أي وقت من الأوقات، ولو كان خارج البلاد وبعيدًا عن الحضور والنشاط السياسيين، فالإنتخابات النيابية الماضية أثبتت حضوره على المستوى السنّي العابر من الشمال إلى البقاع مرورًا ببيروت، حيث حطّ في المجلس النيابي من لا يزال يُدين للحريري بالولاء، وهذا الأمر الذي لم يستطع انتزاعه أحدٌ من الساعين إلى وراثة الحريري. وفي هذا الإطار، يلمس أي مشارك في جلسة خاصة أو عامة مع قريبين من الحريري في فترة ما بعد الانتخابات، ارتياحًا كبيرًا إلى نجاح التيار في إقصاء الرئيس فؤاد السنيورة عن ايجاد موطئ قدمٍ على طريق تشكيل زعامة بديلة. فالبديل من وجهة نظر الحريريين يختاره الحريري بنفسه، ولا يفرض هو نفسه على الشارع «المستقبلي».
على صعيد تيار «المستقبل» بات من الواضح أنّ هناك من يسعى لاستثمار غياب الحريري بتكثيف العمل المناطقي وإعادة لمّ شمل المسؤولين والمناصرين، خصوصًا بعد تشتتهم إبان الانتخابات النيابية الأخيرة، وتحديدًا في البقاع الغربي وطرابلس. هذا النشاط تنفي المعلومات أيضًا أن يكون مدارًا من الحريري مباشرةً، أو حتى أن يكون مطّلعًا هو عليه، في حين تضعه المصادر في إطار تقوية نفوذ بعض الأشخاص داخل التيار استدراكًا لمرحلة قد يعود فيها الحريري ويعيد تنظيمه، فيحفظ هؤلاء لأنفسهم مكانةً تنظيمية على الأرض ولدى المناصرين.