أحداث بغداد ستصل أصداؤها إلى بيروت: معركة نفوذ إيران

كتب منير الربيع في “المدن”: 

يستشهد اللبنانيون بمقولة شهيرة للرئيس كميل شمعون حول الترابط بين الواقعين اللبناني والعراقي. قال شمعون في الخمسينيات: لا بد من أن تبقى أنظار اللبنانيين شاخصة إلى العراق. فهو ميزان المنطقة إذا ما كانت شعوبها ستبقى موحدة، أم تتجه نحو التقسيم. وإذا ما كان العراق قويًا ومزدهرًا يعني أن لبنان سيكون مستقرًا.

ترابط بين لبنان والعراق

لا تزال هذه المقولة تُستحضر عند كل تطور عراقي استثنائي. وتشير شواهد كثيرة إلى ترابط بين البلدين، وتحديدًا في مرحلة ما بعد الاجتياح الأميركي للعراق، واسقاط صدام حسين. فهذا ما استتبع تصعيدًا في بيروت، فاغتيل الرئيس رفيق الحريري، ودخلت إيران بقوة إلى العراق ولبنان.
الانقلاب الإيراني-الأميركي على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في العام 2010، وإسقاط تكليف أياد علاوي برئاسة الحكومة لصالح نوري المالكي، كان لهما صداهما في بيروت بالانقلاب الإيراني على معادلة سين سين اللبنانية. وقد تُرجم ذلك بانقلاب حزب الله على حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011.

في العام 2014 وما تلاها أثناء الحرب على الإرهاب، كان قاسم سليماني يقاتل مع فصائل الحشد الشعبي على الأرض ضد تنظيم داعش، فيما الطائرات الأميركية تؤمن له الغطاء الجوي. وهذا ما انعكس في لبنان بمعارك حزب الله ضد التنظيمات المتطرفة في جرود السلسلة الشرقية. وفي حرب تحرير الجرود كان هناك تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله. وكان هناك غرفة عمليات مشتركة في البقاع للأميركيين والجيش اللبناني، لم يكن حزب الله بعيدًا منها فيما هو يقاتل ميدانيًا.

واندلعت ثورة تشرين في العراق عام 2019. لم تكد تمرّ أيام قليلة حتى اندلعت ثورة 17 تشرين في لبنان. وجاءت الوقائع والمطالب والخطابات متقاربة بين الثورتين. وبعد الانتخابات البرلمانية العراقية، عجز البرلمان العراقي عن انتخاب رئيس وتشكيل حكومة. وهذا سيتكرر حكمًا في لبنان. وفيما يشهد العراق تحركًا متسارعًا، فإن تداعياته كبرى وقوية في المنطقة، ولا بد للبنان من أن يترقب.

صراع المرجعيات 

النزاع العراقي- الإيراني قابل للتنامي، وله بعد أيديولوجي قد تلتقي فيه مراجع عدة في قم والنجف. فولاية الفقيه الأحادية أدت إلى تراجع الحوزة العلمية النجفية. هذا يعني وجود أزمة عميقة جدًا داخل تلك الحوزة. وهناك مرجعيات عدة تحرص على استقلالية النجف. الانقسام هذا له انعكاساته أيضًا على الواقع السياسي الإيراني في اتجاهاته المختلفة والمتعارضة حيال الملفات الخارجية، كالملف النووي والملف العراقي.

بعض الإيرانيين يحرصون على العلاقة بالحشد الشعبي والإطار التنسيقي وحلفائهما، في مقابل الحفاظ على العلاقة بمقتدى الصدر والتنسيق معه. وهناك اتجاهات أخرى داخل إيران ترفض ذلك. لكن أصحاب وجهة النظر الأولى يعتبرون، استنادًا إلى موقفهم، أن تفجر الوضع السياسي والاجتماعي هدفه القول للأميركيين إنه لا يمكن لأحد معالجة الوضع في العراق من دون إيران ونفوذها.

المعركة على حدود إيران 

أسباب كثيرة متداخلة، يصعب الفصل بينها، وتكوين وجهة نظر واضحة حول اتجاهات الأمور في العراق. ولكن في قلب هذه الصراعات لا بد من النظر إلى ملف النفط، على وقع حاجة دولية لهذه السلعة الاستراتيجية في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا. فقبل العراق، حصلت عملية ضرب الاستقرار في ليبيا، وهي تهدد عمليات تصدير النفط. وضرب الاستقرار في العراق الذي ينتج حوالى 4 مليون برميل يوميًا، سيكون له مردود لصالح طهران، فتستخدمه في سياقات الضغط على القوى الدولية للموافقة على توقيع الاتفاق النووي، كي تتمكن إيران من تصدير نفطها.

لكن في مقابل محاولات إيران قطف ثمار

في ظل عدم توفر أجسام سياسية بديلة، أصبحت المعركة على حدودها وداخل البيئة المفترض أنها منتمية إليها، أو على الأقل هي تعتبرها كذلك.

بين بيروت وبغداد 

وهناك واقعة تاريخية توطد الترابط بين العراق ولبنان: عندما حصل انقلاب عام 1958 على الملكية في العراق، نزلت القوات الأميركية على الشواطئ اللبنانية. لا يعني ذلك أن السيناريو قد يتكرر، أو أن هناك اهتمامًا أميركيًا استثنائيًا بلبنان. لكن لا بد من قراءة التداعيات الجيوساسية لهذه التطورات العراقية، وسط إصرار إيران على محاولة السيطرة على الوضع هناك بعد كل هذه التوترات.

فهذا يدفع قوى عدة إلى تلافي مثل هذا الواقع ونتائجه على الساحة اللبنانية. وثمة رفض لإمساك إيران بقرارات ومصائر عدد من الدول العربية. فهي تمسك بمساحات واسعة من الشاطئين اللبناني والسوري، الأمر غير المقبول داخل هذه الدول، ولا على الصعيد الاستراتيجي. ولا بد للبنان أن ينتظر ويترقب. فما يحدث في بغداد لا بد لأصدائه من أن تصل إلى بيروت.