مع تفاقم تغيرات المناخ العاصفة بالعالم وما أحدثته من تحولات عميقة في طبيعة الظواهر المناخية والنظم البيئية وتوازنها، فإن تأثيرات العديد من تلك الظواهر تزداد حدة وتكاد تخرج عن طورها المألوف على وقع تضافرها مع عوامل التغير المناخي.
ومن أبرزها العواصف الشمسية والتي هي ظاهرة فيزيائية طبيعية تحدث بشكل متكرر لكنها تزداد شراسة وتأثيرا سلبيا على وقع تصاعد ظاهرة التغير المناخي العالمي، كما يشرح الخبير المناخي أيمن قدوري. والذي يضيف في حديث مع سكاي نيوز عربية :”حيث ترتبط حدة الآثار الناجمة عن العواصف الشمسية ارتباطا وثيقا وطرديا بظاهرة التغير المناخي المستفحلة، ذلك أن ارتفاع تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي يعمل كجدار حابس للطاقة المتولدة من التصادم الأيوني بين الموجة الجيومغناطيسية الشمسية عبر تلك العواصف مع الغلاف الجوي للأرض، وبالتالي ترتد معظم الطاقة الحرارية المتولدة من نشاط العاصفة الشمسية لتؤثر على سطح كوكبنا مسببة ارتفاعا مهولا في درجات الحرارة.
كما وأن للعواصف الشمسية تأثير مباشر على عملية تكون السحب مما يؤدي لزيادة قدرة سطح الأرض على عكس الأشعة الشمسية الساقطة عليه”.
ويسترسل الخبير المناخي في توضيح آليات تشكل واشتغال العواصف الشمسية، قائلا :”تتولد تلك العواصف، نتيجة تقاطع المجالات المغناطيسية التي تنتج من حركة البلازما داخل جسم الشمس وهي مكون رئيسي للطقس الفضائي، البلازما تبدأ تدور داخل الشمس وينشأ عنها نشاط مغناطيسي مكثف يسمى البقع الشمسية، المجال المغناطيسي الذي يتولد حول هذه البقع يوصف بعدم الانتظام ويتعرض لضغط هائل نتيجة لاستمرار حركة البلازما الشمسية تصادم الايونات والالكترونات في مجال البقعة الشمسية التي تسمى أيضا بالثقب الاكليلي .
فعل النشاط المغناطيسي المتراكم في مجال هذه الثقوب تنطلق طاقة تتألف من البلازما الشمسية (بروتونات والكترونات) تسمى (coronal mass ejections) الانبعاث الكتلي الاكليلي”.
وأضاف: “أقرب ما يمكن وصف هذه الطاقة بقذيفة بلازما تزداد سرعتها لتصل إلى 1.3 مليون كيلومتر في الساعة، تتخذ شكل الأفعى وتتجه نحو الكواكب المواجهة للجزء الجنوبي الغربي للشمس، موقع البقع الشمسية الأكثر نشاطا، لتصل للغلاف الجوي الأرضي خلال فترة ما بين 24-48 ساعة تقريبا”.
ويتابع عضو الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة بالقول :”وعندما تصل العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية إلى الغلاف المغناطيسي الأرضي، يبدأ بصد هذه القذيفة ثم تندمج العاصفة مع الغلاف المغناطيسي الأرضي الذي يمتد فوق سطح الأرض من ارتفاع 60 كيلومترا ليصل إلى أكثر من 1000 كيلومتر (الايونوسفير) وتحدث في هذه الأثناء عملية تجاذب وتنافر بين البروتونات والالكترونات الشمسية مع مثيلتها الأرضية، مكونة مسار ذو اتجاهين نحو أقطاب الأرض الشمالية والجنوبية ونتيجة تصادم الجزيئات المشحونة عند الأقطاب تتحرر فوتنات الضوء مكونة ألوانا زاهية وبراقة تلمع في سماء القطبين، وتُرى بشكل واضح في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية خصوصا في كندا وآلاسكا، وتعرف هذه الظاهرة بالشفق القطبي”.
وتصنف العواصف الشمسية لخمس مستويات من خلال تسجيل اتساع قطرها وسرعة انطلاقها من G-1 الأضعف إلى G-5 الأشد والأخطر على الحياة البشرية، كما يبين الخبير المناخي.
لكن ما هو التهديد الحقيقي للعواصف الشمسية؟ وكيف تؤثر بشكل سلبي على كوكبنا؟
يرد قدوري: “عدد العواصف الشمسية المتولدة عند نشاط شمسي مسجل يعتمد على عدد البقع الشمسية النشطة، بالتالي تتأثر الأرض بمجموعة مركبة من العواصف الشمسية في آن واحد يصل قطر هذه العواصف (قذائف البلازما) إلى37 مليون كم ما يعني أنها تحمل كميات كبيرة جدا من البلازما الشمسية وتتحرك بسرعات هائلة”.
واستدرك: “وعلى الرغم من أن المجال المغناطيسي الأرضي يعمل على تشتيت العاصفة وتحويلها للقطبين، غير أن العواصف الشمسية التي تصنف من الفئة G-3 إلى G-5 يمكن أن يصل تأثيرها لسطح الأرض نتيجة انعكاس اشعاع العاصفة الشمسية من المجال الجوي لذلك السطح، لتبدأ مرحلة التأثيرات السلبية والتي من الممكن أن تصل لدرجة تهديد الحضارة البشرية وتدمير تكنولوجي عالي المستوى ممكن أن يعيد البشرية لعصور ما قبل الكهرباء”.
وأضاف قائلا إنه عندما يصل تأثير العاصفة الشمسية لسطح الأرض “تبدأ الموجات الراديوية بالانقطاع بسبب التخلخل المغناطيسي في مجال الأرض الجوي، فضلا عن انقطاع الانترنت وتعطل أنظمة الملاحة فلا بوصلة تعمل ولا طير مهاجر سيتمكن من الوصول لوجهته، خصوصا تلك الطيور التي تتخذ من المجال المغناطيسي الأرضي سبيلا لبلوغ مقاصدها في مواسم الهجرة”.
وتابع: “بعدها ستتأثر خطوط الشبكات الكهربائية بارتفاع الأحمال، وقد يصل الأمر لتدمير المنظومة الكهربائية، ما سيقود لقطع الامدادات المائية عن المدن كون معظم محركات ضخ المياه تعمل على الكهرباء”.
وعن آلية تأثير هذه العواصف على مناخ الأرض، يوضح بالقول: “العاصفة الشمسية قذيفة شمسية متأينة وذات نشاط مغناطيسي هائل، عند اصطدامها بطبقة الايونوسفير يتولد ضغط شديد على الغلاف الجوي الأرضي، ونتيجة لذلك تتولد طاقة تتأثر بها المناطق الأرضية المواجهة لمنطقة التصادم، ما يؤدي لارتفاع وشذوذ في درجة الحرارة على سطح الأرض يتضافر مع ظواهر التغير المناخي ولا سيما الاحتباس الحراري”.