اختارت سريلانكا رئيسا جديدا لها، لكن ماذا سيحدث للرئيس الفار جوتابايا راجاباكسا؟
فر راجاباكسا من وطنه إلى جزر المالديف في 13 يوليو / تموز، واستقل بعد ذلك رحلة إلى سنغافورة، حيث أعلن استقالته.
لكن ليس من الواضح ما إذا كان سيبقى هناك. وقالت وزارة الخارجية السنغافورية إنه دخل البلاد في “زيارة خاصة” قصيرة الأمد، وقال متحدث باسم مجلس الوزراء السريلانكي إنه سيعود إلى وطنه.
لكن مجموعة حقوقية تقدمت بشكوى جنائية إلى المدعي العام في سنغافورة تطلب القبض عليه لدوره في الحرب الأهلية الوحشية في سريلانكا، وأشارت تقارير سابقة إلى أنه قد يلجأ إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة بعد ذلك.
من المؤكد أن نفي القادة خارج بلادهم وإعادة توطينهم في بلد أجنبي أمر كثير الحدوث، فبين عامي 1946 و 2012، أُجبر أكثر من 180 رئيس دولة على المغادرة، وفقا لأستاذي العلوم السياسية إيبُل إسكريبا-فولش ودانييل كركماريك من جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة.
ولكن ما الذي يمكن أن يتوقعه راجاباكسا – وسريلانكا – إذا انضم إلى القائمة الطويلة للقادة الذين أُجبروا على الذهاب إلى المنفى؟
نلقي هنا نظرة على بعض الأمثلة البارزة من التاريخ لمعرفة ذلك.
الدالاي لاما (في المنفى من 1959 إلى الوقت الحاضر)
عندما يقبل بلد ما شخصية مثيرة للجدل، يمكن أن تكون للأمر عواقب جيوسياسية.
أدى قرار الهند بمنح اللجوء للدالاي لاما في عام 1959 بعد قمع الصين العنيف لانتفاضة التبت، إلى خلق مصدر دائم للصراع بين أكثر دول العالم كثافة سكانية.
تجاهل رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نهرو تحذيرا من نظيره الصيني، تشو إن لاي، بعدم السماح للزعيم البوذي بالدخول.يقول عالم السياسة الهندي مادهاف نالابات: “إن جذور عدم ثقة بكين في دلهي بدأت باستضافة الراهب اللطيف الذي حل ضيف شرف على الهند منذ عقود”.
ويضيف: “قرار نهرو تجاهل طلب نظيره الصيني كان بالغ الأهمية، واستقباله للدالاي لاما خلق شرخا بين الهند والصين لا يزال قائما حتى اليوم.”
آية الله الخميني (1964-1979) وشاه إيران (1979-1980)
عندما يذهب زعيم إلى المنفى، قد يعود آخر.
كان روح الله الخميني عالما دينيا بارزا من إيران عارض – ثم حل محل – نظام الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للغرب، مما أدى إلى إنشاء الجمهورية الإسلامية الحالية.
وقد عاني كلا الرجلين من المنفى بسبب هذا الصراع على هوية واتجاه بلدهما، والصعوبة التي واجهها الشاه في العثور على ملاذ آمن يجب أن تكون بمثابة تحذير للقادة الآخرين الذين يفكرون في استراتيجية خروج.
في عام 1964، تم نفي الخميني بسبب معارضته الصريحة، وسافر إلى تركيا والعراق ثم فرنسا، حيث حث أنصاره من هناك على الإطاحة بالشاه.
وتراجعت شعبية الشاه بشكل متزايد – كانت هناك أعمال شغب وإضرابات ومظاهرات على مستوى البلاد – وفي يناير/ كانون الثاني من عام 1979، انهارت حكومته وفر وعائلته إلى المنفى.
في 1 فبراير/ شباط عام 1979، عاد الخميني إلى إيران منتصرا. وقال الصحفيون الذين كانوا على متن الرحلة معه – بمن فيهم مراسل بي بي سي جون سيمبسون – إنهم كانوا يخشون من إسقاط الطائرة.كان هناك استفتاء وطني وفاز الخميني بنصر ساحق وعُين زعيما سياسيا ودينيا لإيران مدى الحياة.
غادر الشاه وزوجته الإمبراطورة فرح أولا إلى أسوان في مصر – وقد أفادت تقارير رسمية أن الشاه غادر لقضاء “إجازة” ولتلقي العلاج الطبي.
مضى فترات وجيزة لاحقا في المغرب وجزر الباهاما والمكسيك والولايات المتحدة وبنما، قبل أن يموت بسبب إصابته بالسرطان في القاهرة في 27 يوليو/ تموز عام 1980.
ومجرد وجود الشاه المخلوع في الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي أدى إلى اقتحام السفارة الأمريكية في طهران،
وبرزت أزمة الرهائن المعروفة، حيث تم احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين لأكثر من 400 يوم.
حكم الخميني إيران مرشدا أعلى حتى وفاته في 4 يونيو/ حزيران عام 1989.
.عيدي أمين دادا (1979-1993)
حتى الطغاة المتوحشون يمكنهم أحيانا العثور على مأوى.عيدي أمينصدد
كان عيدضي أمين قائدا عسكريا استولى على السلطة في أوغندا في عام 1971، ولبقية ذلك العقد أخضع أمين البلاد لدكتاتورية وحشية اتسمت بالمذابح وطرد جميع سكان البلاد الآسيويين.
ولكن على الرغم من ذلك تمكن من إيجاد طريق للفرار عندما أطاحت به القوات التنزانية والأوغنديون المنفيون في عام 1979.
يوضح البروفيسور إسكربا فولش أن “الدكتاتوريين هم أكثر ميلا للفرار إلى البلدان التي تربطهم بها روابط تاريخية أو سياسية أو عسكرية أو اقتصادية”.
وهكذا تدخلت المملكة العربية السعودية لإيواء الزعيم المسلم، على الرغم من الاتهامات بأنه أشرف على مقتل ما يصل إلى 400 ألف أوغندي خلال فترة وجوده في السلطة.عاش الزعيم الأفريقي السابق في رفاهية في المملكة حتى وفاته عام 2003.
دوفالييه “بيبي دوك” (1986-2011)
قد لا تسير الأمور على ما يرام في الخارج.
المملكة العربية السعودية ليست بأي حال من الأحوال الدولة الوحيدة التي تستضيف زعيما أجنبيا ذا سمعة مرعبة.
فقد كانت العديد من المدن الأوروبية وجهات لرؤساء الدول المخلوعين، إذ لطالما سعت القوى الاستعمارية السابقة إلى الحفاظ على نفوذها، أو منع عدم الاستقرار في المستعمرات السابقة.
أحد الأمثلة على ذلك هو الرئيس الهايتي السابق جون كلود دوفالييه، المعروف باسم “بيبي دوك”.
كان يبلغ من العمر 19 عاما فقط عندما ورث لقب الرئيس مدى الحياة عن والده فرانسوا أو “بابا دوك”، الذي كان يحكم هايتي منذ عام 1957.
وكما والده اعتمد جون كلود دوفالييه على ميليشيا وحشية تعرف باسم “تونتونز ماكوتس” Tontons Macoutes للسيطرة على البلاد، ويقدر أنهم (أو قوات الأمن) قتلوا ما بين 20 ألف و30 ألف هاييتي خلال حكم عائلة دوفالييه.
بعد إجباره على التنحي خلال انتفاضة شعبية في عام 1986، أمضى 25 عاما في المنفى، وكانت البداية في جنوب فرنسا.
لكن تم تجميد نحو ستة ملايين دولار كان يحتفظ بها في حسابات بنكية سويسرية في عام 1986، وخسر معظم ثروته بعد طلاقه المرير في عام 1993.
في السنوات الأخيرة من منفاه، اعتمد دوفالييه على الدعم المالي من أتباعه، ليعيش في شقة صغيرة في باريس.
عاد دوفالييه إلى هايتي في عام 2011، وعلى الرغم من اتهامه بالاختلاس وإساءة استخدام الأموال خلال فترة حكمه (اتُهم جون كلود ووالده بسرقة ما يصل إلى 300 مليون دولار خلال فترة وجودهما في السلطة)، فقد سُمح للرئيس السابق بالعيش في إحدى ضواحي بورت أو برنس، وكان يتجول بحرية وكما يحلو له في العاصمة حتى وفاته بنوبة قلبية في عام 2014.
بنظير بوتو (1984-1986 ، 1999-2007)، نواز شريف (1999-2007)
المنفى ليس بالضرورة رحلة باتجاه واحد للقادة الهاربين.
قد يتسبب المناخ السياسي في بعض البلدان في نزوح بعض القادة إلى المنفى، وتعد باكستان أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
كانت رحلة بنظير بوتو السياسية متقلبة بصورة كبيرة، فقد نفيت مرتين، ولكن بعد كلتا الفترتين (أولا في المملكة المتحدة ثم في الإمارات العربية المتحدة)، عادت إلى باكستان وأصبحت رئيسة وزراء البلاد – وباتت أول امرأة على الإطلاق تتزعم دولة ذات أغلبية مسلمة – وقد شغلت هذا المنصب مرتين من عام 1988 إلى 1990، ومن عام 1993 إلى 1996.
في ذروة شعبيتها – بعد فترة وجيزة من انتخابها الأول – كانت واحدة من أكثر القيادات النسائية شهرة في العالم، وجذبت حشودا ضخمة إلى التجمعات التي نظمتها.
لكن في كلتا الفترتين، أقالها الرئيس من منصبها بتهمة الفساد.
وقتلت بوتو في هجوم انتحاري عام 2013، وكان كل من والدها وشقيقيها قد قضوا نحبهم في ميتات عنيفة مشابهة.
خلف نواز شريف بنظير بوتو بعد فترتي ولايتها، رئيسا للوزراء، ولكن في عام 1999 تم عزله من قبل الجيش ونفي إلى الخارج حاله حال بوتو (تم سجنه لفترة وجيزة قبل ذهابه إلى المملكة العربية السعودية).
بعد أربعة عشر عاما قاد شريف حركة معارضة فاز إثرها بولاية ثالثة.
لكن في عام 2017، استبعدته المحكمة العليا الباكستانية من تولي مناصب عامة مدى الحياة، نتيجة قضية أوراق بنما المتعلقة باستخدام ملاذات ضريبية وأصول مالية لم تظهر في بيان ثروة عائلته.
ولم تختلف كثيرا الحياة السياسية للرجل الذي استولى على السلطة في انقلاب 1999، والذي أجبر كل من بوتو وشريف على مغادرة البلاد، فقد انتهى المطاف ببرويز مشرف هو الآخر في المنفى.
زين العابدين بن علي
قد لا يكون حكمك هو آخر حجر يسقط في لعبة الدومينو.
قاد زين العابدين بن علي تونس لمدة 23 عاما قبل أن يتنحى في يناير/ كانون الثاني عام 2011 وسط موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات فيما أطلق عليه فيما بعد اسم ثورات الربيع العربي.
في البداية ألقى بن علي باللوم في المظاهرات على مجموعة من “المتطرفين”، لكنه سرعان ما تراجع، معربا عن أسفه العميق لمقتل المتظاهرين، وتعهد بضمان الحريات الإعلامية، ووعد بعدم الترشح لمنصب الرئاسة في عام 2014.
لكن عرض التنازلات الذي قدمه فشل في إخماد الاضطرابات، وفي اليوم التالي بعد خروج حشود ضخمة إلى شوارع تونس، واشتباكها مرة أخرى مع قوات الأمن، هرب من البلاد إلى السعودية، حيث توفي في 19 سبتمبر/ أيلول 2019.
كان يُنسب إلى بن علي الفضل في تحقيق الاستقرار وقدر من الازدهار الاقتصادي، لكنه تلقى انتقادات واسعة النطاق لقمعه الحريات السياسية.
وبعد ستة أشهر من إقالته، أدانته محكمة تونسية غيابيا هو وزوجته بتهمة الاختلاس وإساءة استخدام الأموال العامة، وحكم عليهما بالسجن 35 عاما.
وفي عام 2012، حكمت عليه محكمة منفصلة غيابيا بالسجن المؤبد لقتله متظاهرين.
بالإضافة إلى تونس، أدت ظاهرة الربيع العربي في عام 2011 إلى انهيار الحكومات في مصر وليبيا واليمن – وأدت إلى سنوات من الحرب الأهلية في سوريا.
تونس وحدها من بين تلك الدول تمكنت من تشكيل حكومة ديمقراطية جديدة، لكن مع تزايد البطالة والركود الاقتصادي الذي أنهك البلاد، فقد العديد من التونسيين الثقة في الأحزاب السياسية في البلاد.
وصوتت البلاد على دستور جديد (25 يوليو/ تموز) من شأنه أن يزيد من صلاحيات الرئيس الذي أقال البرلمان وحكم إلى حد كبير بمرسوم لمدة عام.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الدستور قد تم تمريره بعد التصويت لصالحه بنسبة 90 في المئة ممن أدلوا بأصواتهم، وهو ما يمنح الرئيس سلطات غير محدودة تقريبا.
وقد قاطعت مجموعات المعارضة التصويت – إذ كانت نسبة المشاركة أقل من 30 في المئة – وحذرت من أن البلاد تواجه العودة إلى الحكم المطلق.
لايوجد طريق سهل للخروج
لكن ماذا عن أولئك الذين فشلوا في العثور على مأوى؟ يحذر البروفيسور إسكريبا فولش من أن القادة المخلوعين الذين يكافحون للعثور على وجهة توفر لهم الحماية النسبية قد يختارون “التشبث بالسلطة بأي ثمن”.
أبرز مثال على ذلك هو الرئيس الليبي السابق معمر القذافي؛ فبعد سقوط طرابلس خلال الحرب الأهلية الليبية 2011، كان هناك ضغط مكثف من قطاعات المجتمع الدولي على القذافي للذهاب إلى المنفى كوسيلة لوقف الأعمال العدائية.
وبدلا من ذلك اختبأ الديكتاتور الليبي لأشهر، وقُتل في النهاية على يد حشد في مسقط رأسه في سرت.
كتب باحثا جامعة نورث وسترن الأمريكية في مقال نشر عام 2017: “لقد اختار القتال حتى الموت بدلا من الذهاب إلى المنفى، وتكهن البعض بأن القرار استند، من بين أمور أخرى، إلى عدم القدرة على العثور على دولة راغبة وقادرة على منحه حماية طويلة الأمد”.
المصدر:bbc