لم تكُن كتلة “اللقاء الديمقراطي” المحسوبة على الحزب “التقدمي الإشتراكي” مُجرّدة من قوّتها النيابية، إذ إن مسار جلسة مجلس النواب أول من أمس، كشف عن تأثيرٍ عميق وكبير أراد رئيس الحزب وليد جنبلاط إرساءه بقوة ومن دون أي منّة من أحد.
في الواقع، لا يسعى جنبلاط إلى “استمالة” أي كتلة نحوه، بعكسِ ما تريده “القوات اللبنانية”. فالأخيرة، كانت تُراهن على استقطاب مختلف القوى إليها لضمان كتلة “سيادية” كبيرة، إلا أن هذا الأمر لم ينجح.
فعلياً، كان جنبلاط أكثر من “مُتحفّظ” على دور كتلته النيابية خصوصاً أنها باتت تعتبرُ “بيضة القبّان” في مجلس النواب. ففي الجلسة الأولى، تمكّن جنبلاط من فرضِ تأثيره في معركة واحدة فقط أساسها أن “رئاسة المجلس يجب أن تكون للرئيس نبيه بري، وكل شيء آخر ليس أكثر أهمية من تلك المعركة”.
بالنسبة لجنبلاط، يعتبرُ بقاء بري على سدّة السلطة التشريعية هو الأساس، فعبره يمكن الحفاظ على “النمط التوافقي”، ومن خلاله يمكن إدارة المجلس استناداً للمعرفة بدهاليزه القانونية.
أما الأمر الأهم هو أنّ بري قوّة سياسية خلفه، ولا يمكن استعداؤها.
بشكل واضح، من ينظرُ إلى خيارات جنبلاط سيرى اختلافاً بين أمرين: الأول هو مُجابهة انتخابية ضد محور برّي، والثاني “مُهادنة” وتقارب مع هذا المحور انطلاقاً من انتخاب الأخير الذي يعتبرُ ضمانة لمحور 8 آذار، والحارس الأول لحزب الله في الدولة اللبنانية.
حُكماً، فإن ما يتبين بشكل أساسي هو أن جنبلاط لم يشأ الإنقلاب على الصيغة الحالية، فهو حافظ عليها بكل متانة وقوة.
وعليه، فإن “الإشتراكي” لم يجارِ “القوات” في منهجيتها الهادفة لإقصاء برّي، لأن إتمام ذلك يعني ضرباً لجنبلاط في المقلب الآخر نظراً لارتباط الشخصين ببعضهما البعض، تاريخياً وسياسياً.
ضمنياً، قد يكونُ جنبلاط الأكثر حرصاً على إحباط أي مخطط يستهدف حليفه بري، حتى وإن كلفه ذلك “التفافاً” مع جبهة “حزب الله”، وهو الخصم الذي كان يسعى لتطويق المختارة قبل الانتخابات.
وهنا، بيت القصيد والأمر الذي لا يمكن التغاضي عنه. فيوم أمس، ينقلُ من كان يواكب جلسة مجلس النواب كيف أن التقاربَ كان لافتاً بين نواب “الإشتراكي” و”أمل” و”حزب الله”، فالمصافحة قائمة، ما يعني أن “التناحر” لم يصل مرحلة “العداء”.
أما الأمر الأهم هو أن اللجان النيابية التي سيتم تشكيلها اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل ستجمع نواب جنبلاط مع نواب “حزب الله” على طاولة واحدة.. فهل ستتكرس الخصومة؟ هل سينهار المجلس؟
طبعاً لا، فالأمور أبعد من ذلك، وما التقاربُ من بوابة بري سوى مقدمة لتوافق أكبر.
وعملياً، لا يمكن لجنبلاط التنازل عن برّي لأن الأخير يمكن أن يعيد ترتيب العلاقة بين “الإشتراكي” و “حزب الله” عند أي منعطف، مثلما حصل في مرحلة 7 أيار 2008، حينما كان رئيس مجلس النواب “الدرع المتين” لجنبلاط في كليمنصو.
حينها، كان بري حاسماً في قراره مع “حزب الله”: المسّ بجنبلاط أمرٌ ممنوع وسنؤمن له الحماية. وحقاً، هذا ما كان وهذا ما حصل.
مع كل هذا، فإنّ علاقة جنبلاط مع الحزب ليست مقطوعة تماماً، فالتواصل قائم عبر قنوات معينة، كما أن نواب حزبه أيضاً على تماس مع نواب الحزب.
وفي الجبل، التلاقي مستمر بين قيادتي الحزبين، وذلك من أجل التنسيق السياسي والأمني، خصوصاً في ظل الأوضاع الخانقة.
خلاصة القول، ما يتبين بشكل كبير هو أنّ التناحر الجنبلاطي مع حزب الله لن يستمرّ طويلاً، وحقاً قد يلعبُ جنبلاط دوراً جديداً في استحقاقات أخرى أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية.
حينها، ستعود “بيضة القبان” لتؤدي دورها كما يجب، وبإمكانها أن تقلب المعادلة رأساً على عقب.. وحينها، للبحث تتمة.
المصدر:لبنان ٢٤