كتبت ليال طفيلي
ديمقراطياً ،تعتبر الإنتخابات الوسيلة الأساسية من وسائل تعزيز الديمقراطية كونها تمنح الشرعية السياسية للحاكم. لذلك لا بد أن يتجه لصناديق الإقتراع العدد الأكبر من الناخبين لإختيار ممثليهم.
غير أن كثرة الأصوات لا تكفي وحدها، فالأهم قيمة هذه الأصوات و فعاليتها طالما أنها هي التي ستنتج التغييرات الجذرية للوضع الحالي. لذا من الحكمة و الواجب الوطني الإطلاع على البرامج الإنتخابية للمرشحين لإختيار أفضلها عن معرفة و موضوعية. فالتصويت يجب أن يكون للبرنامج الإنتخابي لا لشخص المرشح، ما يُلقي على الناخب واجب القراءة الجيدة للبرامج.
المقصود بقراءة البرامج الإنتخابية ليس القراءة العادية، إنما القراءة المتأنية شكلاً و مضموناً.
فمن ناحية الشكل يفترض في الحد الأدنى أن تبتدئ البرامج الإنتخابية بمقدمة تعكس رؤية المرشح حيال وضع البلد من خلال تشخيص الأزمات التي يعاني منها و بيان أهمية الإنتخابات كإستحقاق ديمقراطي و مدخل لمعالجة هذه الأزمات. و هذا ما تفتقده برامج أغلبية المرشحين .
و تستبع القراءة الشكلية للبرامج الإنتخابية من خلال الإطلاع على كيفية صياغة مضمون أو متن البرنامج الإنتخابي .
فمتن البرنامج الإنتخابي هو حيث يبتدئ المرشح بصياغة أفكاره و خططه التي سيسعى لتطبيقها حال فوزه ، لمعالجة المشاكل التي يعاني منها البلد و التي سبق و شخصها في مقدمة برنامجه.
و هنا يفترض أن تكون أفكاره مُبوبة و معنونة بطريقة منظمة ، فيستعرض كل مشكلة في فقرة مستقلة. و هذا التبويب يستطيع أن يقرأ من خلاله الناخب أولويات المرشح ، و كذلك رؤيته لأهمية هذه الأولوية في الوضع الحالي.
فعلى سبيل المثال البدء بالحديث عن الدولة العلمانية في برنامج المرشح أولا و الحديث عن خطة إقتصادية في آخره يعني أن الدولة العلمانية هي أولوية لدى هذا المرشح و هي في نظره الخطوة الأولى و الأهم لمعالجة الوضع .
و لا يمكن القول بأن البدء بعرض أو معالجة مشكلة قبل أخرى لا يعدو كونه إجراء شكلي غير مهم. إذ أن البرنامج الإنتخابي يولد من رحم الأزمات و الأوجاع التي يعاني منها الوطن و المواطن . و لا يُعقل أن وجع المواطنين من غياب النظام العلماني في هذه المرحلة أقوى من وجعه الإقتصادي الذي بات يهدد حياته. لذا يجب التوجه أولا قبل كل شيئ لوجع المواطن الأكبر و الأخطر ، إذ أن المواطن اليوم لا يأمل بإزدياد رفاهيته بل بإستعادة حقوقه العادية و الحد الأدنى اللائق من العيش .
أما لناحية المضمون فهنا لا بد من التوقف عند عدة نقاط :
أولاً : إن المعالجة الحقيقية و الموضوعية للمشكلة لا يكون بصياغة وعد إنتخابي بعبارات واسعة “كالعمل على”، “السعي إلى” و التوقف عند هذا الحد.
إنما يبتدئ أولا بتبيان أسباب المشكلة و تبعاتها حتى يبنى عليها الحل . فلا بد من توضيح الآلية و الخطوات التي على المرشح إتباعها لمعالجة المشكلة و التي يجب بالضرورة أن يكون المرشح قد توصل لها بناء على دراسات و مشورة أصحاب الإختصاص.
و هذا ما هو مغيب عن البرامج الإنتخابية للمرشحين ، التي تزدحم بالوعود كمكافحة الفساد و تحقيق إستقلالية القضاء و غيرها دون أن توضح الخطة المتبعة لتحقيق هذه الوعود ..
و من المهم هنا أيضاً أن يوضح المرشح المدة الزمنية التي تستغرقها معالجة المشكلة، فهذا ما يزيد من مصادقيته و يسهل لاحقاً مساءلته عن وعده الإنتخابي من قبل ناخبيه.
ثانياً : إن كان من الضروري و المهم أن يكون المرشح مؤمن بالمبادئ و الأفكار التي تعيد إحياء الدولة، إلا أنه لا يطلب منه معالجة كافة المشاكل و أن يحمل تالياً برنامج إنتخابي يفوق قدرته و يعجز عن تطبيقه، فيلجأ عندئذ لصياغة برنامج إنتخابي أشبه بقائمة طويلة لا تعدو كونها تعداد لبعض الأمنيات.
فيمكن للمرشح أن يتناول مشكلتين أو ثلاث بصورة مفصلة و قابلة للتحقيق و يكون بذلك برنامجه أقرب للواقعية و التصديق.
و هذا ما نلحظه في برامج بعض المرشحين التي قد تكون مبادرتهم خجولة مقارنة بالأزمة التي يعاني منها البلد ، غير أن عرض خططهم بشيئ من التفصيل و الوضوح تعطيها مصداقية أكثر من برامج أخرى تعج بالوعود الإنتخابية المجازية.
ثالثاً : لا بد أن تتناول البرامج الإنتخابية معالجة المشاكل التي يعاني منها الناخب و يرى ضرورة بمعالجتها . لا أن تهمش المواضيع الأساسية بالحديث عن مواضيع ثانوية.
و هنا لا بد أيضاً من الإشارة أنه إلى جانب المطالب المشتركة التي يجمع عليها الناخبين نظراً لكونهم جميعاً محل للأزمة الكبرى ، فثمة مطالب خاصة بكل فئة يجب مخاطبتها أيضاً. فالناخب العامل يعاني في مكان ما من مشكلة تختلف عن مشكلة الناخب الموظف، و حاجة الناخب المسن تختلف عن حاجة الناخب الشاب.
لذا من المهم أن يجد كل ناخب حيز خاص به في خطة المرشح .
و قد يكون المثال الأبرز اليوم هم الناخبين من أهالي ضحايا إنفجار المرفأ. فهؤلاء مثلنا يعانون من أزمة إقتصادية و إجتماعية و صحية خانقة، لكن قد لا تكون صعوبة هذه الأزمة عليهم بشيئ مقارنة بالألم الذي خلفه فقدان ضحاياهم . لذلك لا بد أيضاً أن تحاكي البرامج الإنتخابية قضية هؤلاء الناخبين و التي هي بالضرورة باتت قضيتنا جميعا .. غير أنها للأسف لم تجد لها ذكر في أغلبية البرامج ..
ما يمكننا قوله أخيراً هو أن هذه المرحلة بقدر حاجتها لمرشح تغييري يتعامل جدياً مع صعوبة الأزمة و يضع خطة جدية و موضوعية تعيد إنتشال البلد منها، تحتاج أيضاً لناخب تغييري يلجأ أولاً لمحاسبة و مساءلة من سبق و أعطاه وكالته للحكم و من ثم التصويت لبرنامج إنتخابي حقيقي يحاكي الوضع الراهن.
و قد يكون من المشروع أن يتساءل كل منّا عن إمكانية أن تكون الإنتخابات مدخل إلى التغيير في ظل حجم الأزمة الكبير ..
فأقول أن الإنتخابات ليست الوسيلة الأقوى و لكنها إحدى الوسائل المتاحة، و يجب المحاولة بما هو متاح ، و لو كان المتاح هو مجرد إعادة تصحيح لمواقفنا الوطنية و إعادة بناء أنفسنا كمواطنين، و الذي برأيي يشكل خطوة ضرورية ، لأن بناء الوطن لا يصلح دون بناء المواطن.