الأزمة اللبنانية الراهنة متحكمة بالوضع ولا تحمل الانتخابات النيابية حلا لها. بل ان الازمة الفعلية المتفجرة هي بعد الانتخابات. فالبلد بانتخابات او بدونها لا تملك الطبقة السياسية اجوبة على ما نحن فيه ولا على المستقبل الذي تؤول اليه الاوضاع. فهي غارقة في الشعارات ذاتها وفي “شيطنة” بعضها البعض. وكل جهة تحاول الحصول على اكثرية نيابية خارج برامج انتخابية غير متوفرة بل على خطابين متعارضين.
خطاب يدعي “تحرير لبنان من الاحتلال الايراني ومن سعي حزب الله للحصول على اكثرية الثلثين في مجلس النواب لتشريع سلاحه والتحكم بالدولة” على ما يذهب اليه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تحت عنوان “الخطاب السيادي”. وخطاب آخر عنوانه “جيش شعب مقاومة” ويدعو ناخبيه الى الحؤول دون تحقيق مشروع الغرب الاميركي والاوروبي بتغيير المعادلة السياسية لصالح من يرتبطون بالخارج على ما يعتقد ويسوق.
لكن ما يتقاطع عليه وحوله الخطابان هو تأجيل معالجة الموضوعات التي تشكل احراجا انتخابيا مثل الكابيتال كونترول وخطة التعافي الاقتصادية والمالية ومطالب البنك والصندوق الدوليين وضرورات المباشرة بالاصلاحات ومواجهة الفساد. ومن ملامح التقاطع ايضا عدم الاعتراض على تأجيل الانتخابات اذا فرض الشارع والتطورات ذلك.
والمستغرب ان الذي يطرح البرامج الانتخابية يقتصر على قوى غير محسوبة على الخطابين المتعارضين مثل الحزب الشيوعي وبولا يعقوبيان وتيار “مواطنات ومواطنون”. اما اللوائح الباقية فترتكز في برامجها الانتخابية الى مزيج من الخطابين الاساسيين السائدين والابرز فيهم المهندس فؤاد مخزومي الذي يحاول التأسيس لحيثية خاصة به تتقاطع فيه حسابات الخارج والداخل على السواء.هذه الانتخابات تحتمل اختراقات محدودة “لقوى التغيير”. فالسائد فيها هو الحسابات الطائفية وخصوصا وان الارتباك الاساسي يصيب الطائفة السنية الضائعة بين حسابات مختلفة حيث تتنافس فيما بينها زعاماتها التي لا يجمعها مشروع سياسي او طائفي واحد سيما وان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يدعو الى مقاطعة الانتخابات وهو الزعيم الابرز سنيا. وكل ذلك يخلق شعورا سنيا بالغبن وضياعا في المسألة الانتخابية بحيث يجد السفير السعودي وليد البخاري صعوبة بارزة في ترميمه او في اعلان موقف واحد في مسألة التصويت السني.
الارجح ان المعارضة التقليدية من قوى السلطة والتي تخوض المعركة الانتخابية لانتزاع الاغلبية في مواجهة حزب الله ليس اكيدا نجاحها في ذلك ما يعني ان حزب الله سيؤمن لنفسه مشروعية محلية ودولية كونه خاض انتخابات نيابية بعنوان ديمقراطي يراهن عليه الغرب. وهذا يعني في كل الاحوال ان قوى الرابع عشر من آذار ستكون في المعارضة وفي موقع المقاطعة للحكومة المقبلة وحتى الانتخابات الرئاسية بهدف تحميل حزب الله مسؤولية السلطة ورمي المشاكل الاجتماعية والمالية عليه.
ومن هنا السؤال هل حزب الله مهيئا لحمل كرة النار هذه في مرحلة ما بعد الانتخابات؟ الجواب على ذلك صعب الا في حالة عودة العمل بالاتفاق النووي الاميركي الايراني وفي تحقيق المطالب الاميركية من لبنان المرتبطة بترسيم الحدود البرية والبحرية او في تسوية للوضع اللبناني بين واشنطن وطهران والرياض ودمشق والا فان انفجار الازمة الفعلية في لبنان سيكون بعد الانتخابات. وهو انفجار يترجم معادلة الدولة الفاشلة بكل المعاني ويضعنا امام احتمالات دويلات الطوائف بكانتونات متكئة على معادلات دولية واقليمية تهدد الوطن الصغير الذي شئناه لكل اللبنانيين.فالمفردات لم تعد تحمل نفس المعاني عند القوى التقليدية على اختلافها ما يجعل اي تفاهم محكوما لاملاءات الخارج مستفيدا من الاشتباك السياسي والطوائفي ولغة الانقسام وغياب الحوار او تغييبه. ولا فارق بين الغياب او التغييب طالما اللبنانيون في موقع المتلقي لا الفاعل.
عبد الهادي محفوظ