لا تزال مأساة إغراق مركب الهاربين من الجحيم اللبناني في بحر طرابلس تتصدّر المشهد الداخلي وسط دعوات لمحاسبة المسؤولين عن الذي حلّ بالمدينة بعد غرق قارب قبالة شاطئ الميناء في طرابلس ليل السبت، وعلى متنه هاربون من بلدهم المنكوب.
وتُجمع روايات الناجين أن الفقر والبطالة واليأس من البلد دفعتهم للهجرة بحثاً عن حياة أفضل.
خاطرت بحياتي لأهرب من الجحيم
وقال ماهر حموضة (23 عاماً) وهو أحد الناجين من “زورق الموت” لـ”العربية.نت” “قررت المخاطرة بحياتي والهروب عبر البحر بحثاً عن حياة كريمة تكون بديلاً عن الجحيم الذي نحن فيه. أنا أعمل براتب شهري لا يتجاوز 40 دولاراً. فإذا مرضت لا أستطيع شراء دواء-هذا إذا كان متوفّراً أصلاً، فكيف إذا دخلت المستشفى وتقرر إجراء عملية جراحية لي، هذا سيناريو مُخيف لا أجرؤ حتى على تخيّله، خصوصاً أنني المُعيل الوحيد لأهلي”.
وأصرّ حموضة على القول إن ما أوقف رحلتهم ليس العوامل المناخية وإنما طراد عسكري بأمر من أحد الضباط.
طرّادات الجيش أغرقت المركب
وقال “كان المركب يُبحر بشكل طبيعي بعد ثلاث ساعات على انطلاقنا من شمال لبنان. كنّا نضحك ونتبادل الأحاديث حول ما ينتظرنا بعيداً من جحيم لبنان. وما هي إلا دقائق قليلة لندخل المياه الإقليمية حتى تفاجأنا بثلاث طرّادات عسكرية تابعة للجيش اللبناني تطوّقنا، وتقدّم باتّجاهنا الطرّاد الأكبر حجماً وارطتم بنا وعندها بدأ الزورق بالغرق”.
كما، أضاف “بدأنا بالصراخ وطلب النجدة من العناصر العسكرية لإنقاذ النساء والأطفال أولاً، لأنهم كانوا في الطابق السفلي من الزورق، لكن الضابط المسؤول ردّ علينا “مبسوطين تموّتوا حالكن وعيالكم. بدّي قبّركم؟
وتابع حموضة “لم أحتمل ما قاله الضابط وأنا أرى رفاقي يغرقون أمامي. رميت حبلاً في البحر وبدأت أسبح وأساعد بإنقاذ الركّاب وإيصالهم إلى طرّادات الجيش”.
60 راكباً بالزورق
وفي حين كان الجيش اللبناني قد أعلن في بيان أن قواته أنقذت 47 شخصاً من ركاب الزورق فيما أكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان ببيان مشترك مع المنظمة الدولية للهجرة، أن القارب كان على متنه ما لا يقل عن 84 شخصاً، نفى حمّوضة ذلك، مؤكداً “أننا ساعدنا الجيش بإنقاذ 28 راكباً من أصل 60 وليس 47 كما جاء في بيان الجيش، والبقية أصبحوا في عداد المفقودين”.
وبصوت خافت وحزين، يبكي ماهر على رفاقه في الزورق أبناء الحي حيث يسكن في منطقة القبّة في مدينة طرابلس. وقال “جمعنا الأموال لدفع كلفة الرحلة هرباً من الجحيم اللبناني. وأكثر ما يحزّ في قلوبنا أن مدينة طرابلس المُصنّفة الأفقر على البحر الأبيض المتوسط تحتضن أغنى أغنياء العالم أوّلهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونواب ووزراء آخرين”.
اتّفقوا على إفقار طرابلس
وأضاف “منذ ثلاثين عاماً وحتى اليوم وهم متّفقون على “إفقار” طرابلس وإذلال أهلها. لا كهرباء ولا مياه. هذه أبسط حقوقنا التي حرمونا منها”.
وعلى رغم خطورة الهروب عبر البحر وارتفاع كلفة الرحلة، إلا أن ماهر يؤكد أنه سيكرر المخاطرة حتى ينجح بالوصول إلى شواطئ إيطاليا”.
وإذا كان ماهر قد عاد إلى طرابلس سالماً إلا أن عميد دندشي الذي نجا أيضاً من الحادثة ترك خلفه في البحر زوجة وثلاثة أطفال لا يزالون حتى الآن في عداد المفقودين.
بدّي زفّ 3 عرسان
وقال عقيد دندشي لـ”العربية.نت” “بحياتي ما لبست بدلة. ما بعرف الا إلبس جينز، بس رح ألبس البدلة لأنّي بدّي زفّ 3 عرسان”. فقدت طفلين واحد 8 سنوات وآخر 4 سنوات وابنة الخمس سنوات التي حُرمت من حنّيتها بالإضافة إلى زوجتي”.
ويُعتبر عقيد دندشي هو وأخواته الثلاثة بمثابة “الرأس المُدبّر” لهذه الرحلة، وأخذ معه أولاده وزوجته وأقاربه من العائلة نفسها. وكانت الوجهة إلى السواحل الإيطالية.
الجيش أغرقنا
وأشار الوالد المفجوع، إلى أنّهم استقلّوا قارباً ثمنه يفوق الـ 40 ألف دولار، وهو مجهز بكل سبل النجاة، إضافة إلى “GPS” لتحديد الوجهات، لكن الجيش أغرقنا. نعم أحمّل الجيش مسؤولية ما حلّ بعائلتي وببقية الركاب”.
كذلك، أضاف “كنت أريد حياة جديدة وكريمة لعائلتي. كنت أريد الوصول إلى أوروبا لتأمين جواز سفر أجنبي لابني يعطيه حياة كريمة في المستقبل، لكن الجيش منعني. لماذا؟ هل يمكنه أن يضمن لي العيش بكرامة في لبنان؟ لماذا لم يسمح لنا باستكمال الرحلة”؟
وبحرقة ختم عقيد دندشي حديثه “نحن ما منجوع. لكننا نريد تأمين حياة كريمة لأولادنا بعيداً من هذا الجحيم”.
المصدر: العربية