كانت القنابل تسقط كالمطر على العاصمة الأوكرانية كييف، حين أغلقت آنا هوروديتسكا شقتها المستأجرة الشهر الماضي، وفرت إلى الهند، حاملة معها بضعة قمصان فقط وألة تحضير القهوة، فهي هدية زفافها من جدتها.
عندما وصلت آنا، وهي شابة في الثلاثين من عمرها وكانت تعمل في شركة لتكنولوجيا المعلومات، إلى مطار دلهي في 17 مارس/آذار استقبلها أنوبهاف باسين، المحامي الشاب الذي يبلغ عمره 33 عاما، والذي كانت تواعده منذ أكثر من عام.
وبينما كان ضاربو الطبول يعزفون لحنا احتفاليا، جثى أنوبهاف على ركبة واحدة، وطلبها للزواج، ثم ووضع خاتما في إصبعها ما أن أجابت بنعم.
وتزوج الاثنان في حفل صغير حميم في العاصمة الهندية. وفي وقت لاحق من هذا الشهر، سيسجلان زواجهما في المحكمة ليصبح معترفا به من الناحية القانونية.
تشير تأشيرة دخول آنا والصالحة لمدة عام إلى أن الغرض من زيارتها للهند هو “الزواج من أنوبهاف باسين”.
كان الاثنان قد التقيا للمرة الأولى في أغسطس/آب عام 2019 بالصدفة في إحدى الحانات، وكانت آنا حينها في رحلة بمفردها إلى الهند. تبادلا أرقام الهواتف، وتابعا بعضهما على إنستغرام، أما ما تبقى فقد أصبح اليوم من التاريخ، كما يقولون.
تشكلت علاقتهما عبر قارات مختلفة، ومسافات جغرافية هائلة، وخطط اللقاء التي تعطلت بسبب انتشار الوباء وفرض قواعد الحجر الصحي والقيود على الطيران، وأخيرا الغزو الروسي لبلد آنا.
يقول أنوبهاف “بنهاية عام 2019، كنا نتحدث كثيرا معا”.
وفي مارس/آذار عام 2020 ، زارت آنا الهند مرة أخرى مع صديقتها، وأخذهما أنوبهاف في رحلة برية إلى مدينة أغرا لمشاهدة تاج محل، الصرح الذي يجسد الحب الأبدي، وزيارة ولاية راجاستان الصحراوية.
وعندما دخلت الهند في حالة إغلاق مفاجئ بسبب الوباء، دعا أنوبهاف الشابتين للإقامة في منزل عائلته في دلهي.
وهو يقول “خلال تلك الفترة أصبحنا قريبين جدا، وأدركنا أننا حقا معجبين ببعضنا، وأن القصة أكثر من مجرد مغازلة وتودد. وبعد أن عادت آنا إلى كييف، بقينا على تواصل من خلال مكالمات فيديو يومية”.
لقاءهما التالي كان في فبراير/ شباط 2021 في دبي، وكما يقول أنوبهاف، شكل ذلك اللقاء “لحظة محورية في علاقتنا عندما أدركنا أنه يتعين علينا إيجاد طريقة للمضي بعلاقتنا قدما”.
سارت الأمور بسرعة بعد ذلك، وفي أغسطس/آب زار أنوبهاف آنا في كييف، وفي ديسمبر/كانون الأول زارته هي في الهند.
وتقول آنا “في اليوم الأخير من زيارتي، اقترحت والدة أنوبهاف أن نتزوج في مارس/آذار. كنا قد ناقشنا موضوع الزواج في وقت ما، ولكن كان مفاجئا أن يصبح الموعد بهذا القرب. لكنني فكرت لما لا نفعلها!”.
أنوبهاف هندوسي وآنا مسيحية، لذا كان يجب تسجيل زواجهما في المحكمة بموجب قانون خاص. وكما يقول أنوبهاف، قد تستغرق الإجراءات أكثر من شهر.
لذا قرر الاثنان أن تأتي آنا إلى الهند في نهاية مارس/آذار لبدء الاجراءات، ثم الانتقال إلى الهند نهائيا بعد بضعة أشهر.
إلا أن الحرب اندلعت.
تقول آنا “كنا نعلم أن الجهود الدبلوماسية قد فشلت، ولكن كنا ما زلنا نعتقد أنه من الممكن تجنب الحرب”. وتضيف “كان كثيرون منا يعتقدون أيضا أن الهجوم سيتركز على المناطق الحدودية، وأن كييف ستظل آمنة”.
وتتذكر آنا قائلة “لكن في يوم 24 فبراير/شباط، استيقظت على أصوات القصف، وأول ما فكرت به كان ‘هل أنا أحلم؟’ ثم رأيت رسائل من أنوبهاف وآخرين أكدت لي أننا نتعرض لهجوم”.
أخذ العديد من الأشخاص الذين تعرفهم يحزمون أمتعتهم استعددا لمغادرة كييف، ونصحها أصدقاؤها بفعل الشيء نفسه.
مع اشتداد القصف، انتقلت آنا في اليوم التالي إلى ملجأ مع والدتها وكلبها.
“كان الملجأ يغص بالناس. كان هناك حظر تجول، ولم يُسمح لنا بمغادرة الملجأ، ولكن كان علي أن أخرج للتنفس قليلا وتمشية الكلب. كانت رائحة الدخان تملأ المدينة والسماء حمراء للغاية” كما تقول آنا.
قبل أيام من بدء القصف الروسي على أوكرانيا، كان أنوبهاف يطلب من آنا المغادرة فقد شعر أن الحرب وشيكة، إلا أن آنا كانت مترددة في المغادرة من دون كلبها.
ولكن في صباح يوم 26 فبراير/شباط، عندما قررت آنا المغادرة، تغير رأي أنوبهاف، وحاول إقناعها بعدم القيام بذلك.
وهو يقول “بحلول ذلك الوقت، كانت الأمور قد أصبحت سيئة حقا، كان هناك قصف متكرر، ومحطة القطار كانت بعيدة وليس هناك سيارات أجرة لتقلهم. كنت خائفا من فكرة خروجها إلى الشارع، وكان هناك الكثير مما قد يحدث بشكل خاطئ. لذلك قلت لها أن بقاءها في القبو سيكون أكثر أمانا”.
لكن في صباح اليوم التالي، عثرت آنا على سيارة أجرة، وتمكنت من الوصول إلى المحطة. وبعد أن اطمأنت إلى أن والدتها استقلت قطارا إلى قرية جدتها مصطحبة معها الكلب، ركبت آنا قطارا متجها إلى مدينة لفيف على الحدود الغربية.
أخذتها رحلة الخروج من أوكرانيا إلى سلوفاكيا أولا، ثم بولندا حيث انتظرت لمدة أسبوعين بينما كان أنوبهاف يعمل مع السفارة الهندية على استصدار تأشيرة زيارة لها، وأخيرا إلى هلسنكي في فنلندا، لتسافر من هناك على متن الطائرة إلى دلهي.
كانت آنا متوترة جدا وتقول “لم أستطع النوم على متن الطائرة. شعرت بالتوتر. وعلى الرغم من أننا لم نكن نطير فوق منطقة الصراع، لكنني كنت أخشى أن تصطدم الطائرة بصاروخ ما منحرف عن مساره وتتحطم” ذ
صباح يوم 17 مارس/آذار عندما هبطت الطائرة التي تقل آنا في مطار دلهي، وجدت رسالة نصية من أنوبهاف في انتظارها، ويقول فيها إنه سيتأخر قليلا.تقول آنا “لقد انزعجت للغاية”،
وتضيف “كنت منهكة. وكل ما أريده هو الوصول إلى المنزل والنوم. ولكن عندما خرجت، كان أنوبهاف هناك مع موسيقى وبالونات”
.وعندما هتف عشرات من أصدقاء أنوبهاف يرحبون بها، انضم إليهم العديد من الأشخاص الذين صفقوا وصوروا المشهد، الذي بدا وكأنه مشهد رومانسي من فيلم هوليوودي.
لم تتوقع آنا هذا لأن “أنوبهاف بشكل عام شخص عملي للغاية، لكنها كانت مفاجأة سارة بالتأكيد” كما تقول.
تزوج الاثنان وباشرا حياة جديدة معا، وتقول آنا إنها بمجرد انتهاء الحرب، ستعود إلى كييف “لإنهاء الأمور وإحضار كلبي”.ويقول الزوجان إن ماكينة صنع القهوة “البطلة الحقيقية” في قصة حبهما.
وتوضح آنا “قبل بضعة أشهر عندما أخبرت جدتي عن خطط زواجنا، أعطتني بعض المال كهدية، وبما أن أنوبهاف يحب قهوة الإسبريسو جدا، قررت أن أشتري لنا آلة لصنع القهوة. وعندما غادرت كييف، كان علي أن أحضرها معي”.
وتضيف “كان أنوبهاف يقول لي لا تهتمي، سنجد واحدة هنا، لكن كنت أفكر إذا لم أتمكن من العودة إلى المنزل قريبا، فماذا سيحدث؟”.
ويقول أنوبهاف “آنا فنانة مكياج محترفة، لكنها تركت وراءها مساحيق التجميل غالية الثمن لإحضار آلة القهوة هذه إلى هنا. أعتقد أن هذه الآلة هي البطلة الحقيقية لقصة حبنا”.