الأردن / البادية الشمالية – على بقايا قطعة من سجادة بالية، وبجوار مدفأة لإشعال الحطب، تلهو الطفلة عبير 7 سنوات مع شقيقتها أمينة 3 سنوات، يستظلان بخيمة من القماش والبلاستيك المقوى، مثبتة بالحجارة والأحبال مخافة طيرانها عنهم بسبب الهواء الشديد، لا تستطيعان الخروج من الخيمة، فالأمطار تركت الأرض طينا ووحلا.
ولدت عبير وأمينة في الخيمة، يقيمان مع عائلتهما المكونة من 7 أفراد، يجاورهما 18 خيمة، ضمن مخيم عشوائي أقامه اللاجئون بجوار مزرعة بالبادية الشمالية الشرقية، أكثر من 50% من سكان تلك الخيام من الأطفال.
لا تعرف عبير البيوت الحجرية سوى من رؤيتها بالأحياء السكنية حين تترد مع والدتها على المركز الصحي بالقرية التي تعيش بجوارها، تحلم بالذهاب للمدرسة، ومغادرة المخيم لحياة أفضل، فـ”البرد شديد ويؤلم البطن”، تقول للجزيرة نت في جولة بالمخيم.
وتسكن عائلات سورية لاجئة بالأردن الخيام منذ عام 2013 بعد دخولهم أراضي المملكة في المناطق الشمالية الشرقية المحاذية للحدود السورية، بوضع إنساني ومعيشي صعب ومستمر على مدى 9 أعوام
إقامة جبرية
يقيم في المخيم العشوائي نحو 120 شخصا، يتوزعون على 18 خيمة، يتشاركون الألم والجوع والمرض ولحظات من الفرح، ينامون ويأكلون ويتزوجون في تلك الخيام، ولد لهم أطفال وكبروا في تلك الخيام، ووسط الخيام خصص الأهالي خيمة كمسجد لإقامة الصلوات فيه.
يشارك عبير وأمينة في رحلة الشقاء أقرانها في الخيمة المجاورة، جاسم (7 أعوام) وأحمد (5 أعوام) ومصطفى (3 أعوام)، يتنقلون بين الخيام بحثا عن رغيف من الخبز أو حبة من خضار، ولمسة دفئ بجانب مدفأة الحطب.
تتشارك الخيام قصص الشقاء المؤلمة، وإن اختلفت تفاصيلها، أم جاسم (27 عاما) تزوجت في الخيمة قبل 8 سنوات، انتقلت من خيمة والدها بمنطقة المفرق شرق المملكة لخيمة زوجها في البادية الشمالية، في عامها الأول من الزواج أنجبت جاسم، تعرض زوجها للسجن فتقطعت بها السبل، وحيدة وربة خيمة وتعيل طفل بحاجة للرضاعة والعلاج، اضطرت لترك طفلها عند الخيمة المجاورة للعمل في مزرعة قريبة من المخيم حتى تعيل نفسها وطفلها.
وعلى المنوال ذاته -تقول أم جاسم للجزيرة نت- “يسجن زوجي سنة ثم يخرج ويعود للخيمة، وبعدها يعود للسجن، حتى تركني مع أطفالي منذ 3 سنوات لا أدري بأي أرض يقيم، ولا يسأل عن عائلته”.
ويحتضن الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري -بحسب وزارة الداخلية الأردنية- منهم نحو 650 ألف لاجئ مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويعيش منهم نحو 15% في مخيمات الزعتري والأزرق، في يقيم البقية في المدن والمحافظات الأردنية.
زواج بالخيمة
في الخيمة لا أبواب تفصل بين الغرف تعطي خصوصية لزوج مع زوجته، ولا مكان مجهزا لقضاء الحاجة، ولا مطبخ ولا أدوات للطهي، ولا حاجيات لطهيها، ولا شباك ينظر منه اللاجئون للحدود السورية بالأفق البعيد.
يقيم بالمخيم الشاب رشيد الخالد (22 عاما) منذ عام 2014 مع عائلته، حُرم من إكمال دراسته بسبب بعد المدرسة عن مكان المخيم، ومساعدة والديه بالعمل في الزراعة، يقول للجزيرة نت “أحلم بأن استكمل دراستي الجامعية، وأن انتقل مع عائلتي لبيت نستقر به، بعيدا عن الخيمة وبردها وأدخنة مدفأة الحطب الخانقة، وهجوم القوارض والكلاب البرية”.
تزوج رشيد بالخيمة العام الماضي بعدما ارتبط بفتاة أحبها من خيمة مجاورة، انتقلت معه لتشارك عائلته خيمتهم، اضطر رشيد لاقتسام الخيمة مع والديه وأخواته الثلاث، فقام بوضع فاصل من القماش بين غرفته وغرفة والديه، والجزء الأخير المستخدم كمطبخ وحمام.
يعيش رشيد -حسب قوله- حياة سعيدة مع زوجته التي أهدته طفلة جميلة قبل عدة أشهر أسمياها رولى لتشاركهم الخيمة، ويعمل في الزراعة بشكل متقطع يحصل على 6 دنانير (9 دولار) لقاء عمله 6 ساعات باليوم، يعتاش وعائلته منها.
وتقدم وزارة الصحة الأردنية من خلال مراكزها الصحية ومستشفياتها خدمات الرعاية الطبية والصحية للاجئين السوريين مثل الأردنيين القادرين، بينما يحصل اللاجئون السوريون على خدمات رعاية الأمومة والطفولة والمطاعيم والعلاج للأطفال بشكل مجاني وعلى نفقة الوزارة.
لا تفكير بالعودة
يفتقد سكان المخيم لأبسط مقومات الحياة من خدمات صحية وتعليمية وغذائية، مع عدم قدرتهم على توفير الغذاء اليومي للعائلات ووسائل التدفئة في البرد الشديد، ومع ذلك يحاولون التكيف مع صعوبات الحياة.
يعيش أبو رشيد خالد الرشيد (53 عاما) مع عائلته المكونة من 6 أفراد على قسيمة غذائية يحصل عليها من مفوضية اللاجئين، بقيمة 90 دينارا (130 دولار) ولا يتلقى أية مساعدات أخرى من أي منظمات دولية إغاثية.
ومما يُفاقم من معاناة اللاجئين بالمخيم “تراجع حجم المساعدات المالية والغذائية”، يقول الرشيد للجزيرة نت، ويضيف “كنا نتلقى سابقا مساعدات مالية وطرود غذائية تساعدنا في تأمين تغذية أطفالنا، لكننا بتنا نزداد جوعا يوما بعد يوم”.
أصيب الرشيد في بطنه خلال الحرب إصابة بليغة كادت تقتله لولا وصوله للحدود الأردنية مطلع عام 2014 وتلقيه العلاج بمستشفيات المملكة.
لا يفكر الرشيد وعائلته حاليا بالعودة لمدينة حماة وريفها التي هجروا منها عام 2014 بسبب الحرب والدمار، مرجعا السبب في ذلك لـ”تدمير البيوت وفقدان الأمن والأمان، وارتفاع تكاليف المعيشة هناك وغلاء الأسعار وعدم وجود أعمال أو مشاريع زراعية يعملون بها”.
ويعتبر 90% من اللاجئين السوريين بالأردن تحت خط الفقر، وزاد من معاناتهم تراجع المساعدات الإغاثية المقدمة لهم بسبب جائحة كورونا، ونقص الموارد والمساعدات الإنسانية المخصصة للاجئين السوريين، بحسب مختصين.
المصدر : الجزيرة