كتب عوني الكعكي:
لا شك في أنّ هذا السؤال يعاني منه معظم اللبنانيين، خاصة وأنّ المعلومات تفيد بأنّ هناك مليوناً ونصف المليون من الحسابات في البنوك، أصحابها يعانون الأمرين بسبب حجز أموالهم والامتناع عن إعطائهم ما يطالبون به.
أمام هذا الواقع لا بد من قول كلمة حق في هذا الموضوع:
بكل بساطة، المواطن على حق. فما هو ذنبه إذا وضع أمواله في البنوك كما هي الحال في جميع بلاد العالم؟ وأي ذنب ارتكبه أي مودع عندما ذهب الى البنك ووضع أمواله هناك؟
طبعاً المواطن غير مسؤول عن كل ما جرى، ولكن لا بد من العودة الى أصل المشكلة:
الحقيقة ان مشكلة تعثّر الدولة اللبنانية وعجزها عن تسديد المستحقات المتوجبة عليها من خلال الموازنة التي تعدّها وزارة المالية وترسلها الى مجلس النواب فتتم دراستها ومناقشتها، وبعد ذلك -أي بعد أشهر- من المناقشات، يتم التصويت عليها. فالسؤال هنا: هل يوجد مواطن واحد تعمّق في دراسة أية ميزانية في يوم من الأيام؟ من ناحية ثانية هل تم أيّ اعتراض على أية موازنة تصدر منذ 50 سنة؟
طبعاً… ولكي نكون على مسافة واحدة من الجميع، فإنّ هناك الكثير الكثير من الاعتراضات والانتقادات، فقد كان هناك أكثر من تحذير، من كبار رجال المال وبالأخص من بعض المسؤولين الرسميين وبعض المستشارين الماليين، أصحاب السمعة الجيّدة وهم يحظون بثقة عالمية. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود، إذ لا حياة لمن تنادي.
«القيادة السياسية» هي المسؤول الاول عن كل ما جرى في القطاع المصرفي، خاصة وأنه وبعد ثورة 17 ت 2019 تمّ إقفال البلد ومن ضمنها البنوك… بعد ذلك تشكلت حكومة الرئيس حسان دياب واتخذت قراراً بعدم تسديد سندات اليورو بوند. هذا القرار هو قرار إعدام القطاع المصرفي في لبنان.
هذا القطاع الذي كان من أهم القطاعات التي تدر المليارات سنوياً على خزينة لبنان. خاصة بالنسبة الى البلاد العربية حيث كانت البنوك اللبنانية هي المكان الصالح لعدد كبير من السياسيين ومن رجال الأعمال، ومن الحكام العرب الذين كانوا يضعون قسماً من أموالهم في المصارف اللبنانية، كما يضعون القسم الآخر في سويسرا..
وبصراحة كان لبنان هو البلد المنافس لسويسرا بالنسبة لإيداع هذه الأموال وتخبئتها. لكن قرار الإعدام الذي أصدرته حكومة حسان دياب، كان بمثابة الرصاصة التي قضت على القطاع المصرفي بالكامل.
انطلاقاً من ذلك الوقت، أنفق البنك المركزي 17 مليار دولار دعماً للبنزين والمازوت والكهرباء والأدوية والاكل وعدداً كبيراً من احتياجات الدولة.
الآن وصلنا الى الأسوأ في هذا الملف وهو ان القضاء اللبناني الذي هو في الحقيقة قضاء سياسي غائب.
إذ ان رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي جالسون في مكاتبهم يتفرجون على ما تقوم به القاضية المميزة غادة عون، وبأوامر من «المعلم» للانتقام من أهم رؤساء وأصحاب البنوك في لبنان بدءاً برئيس مجلس إدارة «لبنان والمهجر» الاستاذ سعد أزهري ابن المرحوم نعمان الأزهري، وهو عَلم من أعلام الاقتصاد اللبناني والبنوك. والاستاذ سمير حنا رئيس مجلس إدارة بنك «عودة» الذي صار من أكبر المصارف في لبنان وبنى امبراطورية مالية محترمة وعلى مستوى عالمي.
كذلك الحال بالنسبة لبنك سوسيتيه جنرال الذي أنْقذ القطاع المصرفي اللبناني من كارثة البنك الكندي. ولولا حكمة حاكم مصرف لبنان بحل قضية البنك الكندي عن طريق بنك سوسيتيه الذي يملكه انطوان صحناوي ومعه الفرنسيون لكان الوضع المالي اللبناني في خبر كان منذ زمن بعيد. امّا بالنسبة لبنك البحر المتوسط الذي ترأس مجلس إدارته الوزيرة السابقة السيدة ريّا الحسن.. فحدّث ولا حرج.
كل هؤلاء هم صورة جميلة ومعبّرة عن المصارف اللبنانية التي يترأسها عدد من الرجالات والاشخاص المميزين في عالم المال.
بالعودة الى ما تقوم به القاضية غادة عون بأوامر من «المعلم» فقد صار واضحاً انها تنفذ مخططاً خطيراً للأسف، لإلغاء البنوك وإقامة نظام مالي جديد من خلال إنشاء 5 بنوك جديدة، إذ انهم يريدون أن يشتروا بـ5 مليارات ما قيمته 200 مليار دولار.
وهنا لا بُدّ من أن نقول إنّ هذه الخطة لا يُـمْكِن أن تنجح، فمهما قامت القاضية غادة عون بمناورات وتهديدات فإنها ستفشل.
واللافت أيضاً انه بينما الوضع المالي ينهار فإنّ رئيس الجمهورية بدل أن يبذل جهوده مع كبار المسؤولين الماليين في الدولة وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة ليحاول إنقاذ هذا القطاع، فإنّ همّه الوحيد هو إلغاء حاكم «مصرف لبنان» وتعيين بعض المقرّبين منه مثل مدير عام المالية السابق تيفاني الذي بقي 30 سنة مديراً عاماً، وهو يوافق على كل كبيرة وصغيرة اتخذت في المجلس المركزي بالاضافة الى أحد الوزراء المقربين منه.
في النهاية، إنّ أموالكم يا اخواني المواطنين وأنا وأولادي وكل عائلتي وأهلي وأصحابي كلنا وكل الشعب اللبناني يُحَمّل الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية مسؤولية إرجاع أموالنا.. إذ عندما تسدّد الدولة ما عليها للبنوك فإنّ البنوك سوف تسدّد كل ما عليها لكل مودع.
لذلك، بدل أن ينتقم المواطن من البنوك ويسمح لبعض «الأوباش» بتصرفات تسيء الى كرامة أصحاب هذه المصارف وإلى العاملين فيها يجب أن يتوجّه الى الدولة لأنها هي المسؤولة عن فقدان أموالهم.
قد يقول أحدهم من أين ستدفع الدولة العاجزة أموال البنوك وهي مفلسة..؟
أكتفي بما قاله رجل الأعمال اللبناني وملك صناعة السيارات في العالم كارلوس غصن الذي أنقذ شركة نيسان اليابانية التي كانت تحت عجز 7 مليارات استطاع أن يسدّدها خلال 3 سنوات بإجراء دمج بين شركة نيسان وشركة رينو الفرنسية.
قال: إنّ الدولة اللبنانية غير مفلسة وهي تملك 20% من مساحة الارض اللبنانية كمشاع، فإذا باعت بعض الأراضي، يمكنها أن تسدّد كل ما على لبنان من ديون للبنوك ولكن هذا يحتاج الى رئيس، بالاذن من فخامته.