كتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: إحجام مجلس الوزراء عن إدراج البيان، الذي صدر عن وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب حول الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية على جدول أعمال جلسته المنعقدة عصر أول من أمس، من شأنه أن يضيف جرعة من الغموض على الموقف اللبناني، برغم أن بو حبيب قرر أن يأخذ ردود الفعل السلبية على ما ورد في البيان بصدره، بقوله: «أنا لابس درع قوّصوا عليي وحدي بموضوع البيان».
فإصرار الوزير بو حبيب على أن يتحمّل وحده ما ترتّب على البيان الذي أصدره من تداعيات تمثّلت باستياء موسكو منه، وهذا ما تبلّغه سفير لبنان لدى روسيا شوقي بو نصار من نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، وأيضاً الوزير بو حبيب من سفير روسيا لدى لبنان، لا يفي بالغرض المطلوب ولا يشفي غليل القيادة الروسية من خلال الاتصالات التي تولاها أكثر من مسؤول لبناني مع مسؤولين في الإدارة الروسية، وعلى رأسهم بوغدانوف.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وثيقة الصلة بدوائر القرار في الدولة اللبنانية بأن بو حبيب قرر أن يتحمل وحده العبء الذي أحدثه بيان وزارة الخارجية، وقدّم نفسه على أنه من أراد التضحية لحجب الأنظار عن المفاعيل السلبية الناجمة عن البيان الذي تضمّن عبارات أقل ما يقال فيها إنها تجاوزت الأصول الدبلوماسية المتّبعة في مخاطبة وزارة الخارجية للدول، أكانت شقيقة أو صديقة.
وكشفت المصادر اللبنانية أن بو حبيب تُرك وحيداً «يقلّع شوكه بيديه»، مع أن من يقارن مسودة البيان الذي أعدّه شخصياً مع مضامين البيان بصيغته النهائية سرعان ما يكتشف وجود «قطبة مخفيّة» أتاحت لمن أراد بو حبيب أن يحميهم بصدره التدخّل لتعديله بتضمينه عبارات شديدة اللهجة ضد موسكو لم ترد على لسان كبار المسؤولين الأوروبيين الذين وقفوا سدّاً منيعاً في وجه الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية.
وسألت المصادر نفسها: هل يجرؤ بو حبيب على إصدار البيان باسم وزارة الخارجية من دون أن يكلّف خاطره بالتشاور مع الذين يقفون على رأس الدولة؟ خصوصاً أن مجرد المقارنة بين ما أورده في بيانه وبين البيان الذي تلته مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة آمال مدلّلي حول موقف لبنان من الاجتياح الروسي، سيكتشف فوراً وجود تناقض في العمق بين البيانين، مع أن بو حبيب هو من أعطى التعليمات لها وهو على تشاور دائم معها. ولفتت إلى أن مجرد المقارنة بينهما لن يصدّق بأن بو حبيب تحدّث بلسانين، وأن هناك من تدخّل إصراراً منه على تعديل بيان الخارجية بما يُرضي الولايات المتحدة الأميركية أولاً ودول الاتحاد الأوروبي ثانياً، وإن كان هناك من حاول من وراء ظهره التواصل مع موسكو في محاولة لرأب الصدع وصولاً إلى التخفيف من امتعاضها.
واعتبرت المصادر نفسها أن «حزب الله» دخل على خط السجال الدائر حول بيان بو حبيب، سواء من خلال وزير العمل المحسوب عليه مصطفى بيرم أو النائبين حسن فضل الله وإبراهيم الموسوي، وتوخّى من دخوله تسجيل موقف مناقض تماماً لبيان وزارة الخارجية تحت عنوان أنه أخرج لبنان عن حياده وسجّل خرقاً لسياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة اللبنانية.
فـ«حزب الله» تناسى أو غاب عن باله، كما يقول مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، أنه كان ولا يزال يستعصي على البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي تلتزم بتحييد لبنان عن الحرائق المشتعلة من حوله في المنطقة وتنأى به عن التدخّل في شؤون الدول، وهذا ما أدى إلى تصدّع العلاقات اللبنانية – العربية تحديداً الخليجية منها، ولم تفلح المحاولات التي تتولاّها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لإعادة بناء الثقة مع دول الخليج، مع أنها تقدّمت بمجموعة من الأفكار رداً على الورقة التي حملها وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح باسم الدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي إلى لبنان لإصلاح ذات البين على خلفية ضرورة تصويب العلاقات وإخراجها من التأزُّم .
وسأل المصدر في المعارضة «حزب الله» كيف يجمع بين الأضداد تحت سقف واحد، خصوصاً أنه مع النأي بالنفس حيال الاجتياح الروسي في مقابل الانقلاب عليه بكل ما يتعلق بعلاقات لبنان العربية.
وقال إن هذا الأمر ينسحب أيضاً على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي بادر للاتصال بالسفير الروسي لدى لبنان ليبلغه بأن لا علاقة له ببيان وزير الخارجية القريب من رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي فهو يتمسك بحياد لبنان وبسياسة النأي بالنفس.
ولم يكتفِ باسيل بالتبرّؤ من بيان بو حبيب وقرّر إيفاد مستشاره للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد إلى موسكو للقاء بوغدانوف في مهمة خاصة تتجاوز الاعتذار إلى ترتيب أوضاعه خدمة لطموحاته الرئاسية، مع أنه أثناء تولّيه وزارة الخارجية كان وراء تدمير العلاقات اللبنانية – العربية.
لذلك، فإن الحكومة تأمل في أن تتجاوب موسكو مع رغبة ميقاتي بطي صفحة ما ترتّب على بيان بو حبيب من ارتدادات سلبية وتتعامل معه على أنه أصبح من الماضي، وهذا ما أدى إلى وضع وزير الخارجية في دائرة «الاتهام» بتعكير العلاقات اللبنانية – الروسية، مع أنه «في فمه ماء»، لأن هناك من أدخل تعديلات على البيان بخلاف المسودّة التي أعدها، فيما تقرر سحبه من التداول في جلسة مجلس الوزراء.
وعليه، هل يبقى الكتمان يحيط بالجهة التي أدخلت التعديلات على بيان بو حبيب التي أُسقطت عليه بخلاف المسودّة التي أعدها؟ أم أنه يحرص على الإبقاء على أسرار الدولة بعيدة عن الأضواء؟ مع أنه لم يعد من سر بعد أن تبرّع وحيداً بتحمّل المسؤولية برغم أن مصادر نيابية تجزم بأن هناك من تخلى عنه لكنها ارتأت لنفسها عدم الدخول في التفاصيل.
المصدر:وكالة وطنية