كتبت نوال الأشقر لـ “هنا لبنان” :
وزراة الطاقة كانت قد وعدت اللبنانيين بزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي حوالي 12 ساعة يوميًّا قبل مطلع العام 2022، معوّلة على الغاز المصري والنفط العراقي والكهرباء الأردنية، وبدل أن تفي بوعدها، أرسلت إلى مؤسسة كهرباء لبنان اقتراحها لزيادة تعرفة الكهرباء عشرين ضعفًا عن التعرفة الحاليّة لكلّ كيلواط، وربطتها بأسعار النفط عالميًّا وتقلّبات سعر الصرف. تبريرات عدّة وردت في اقتراح وزير الطاقة وليد فياض لزيادة التعرفة، منها أنّ الزيادة ستكون وفق شطور تطال المنازل الكبيرة بنسب أعلى، فضلًا عن وعود إضافية بتحسين خدمات التوزيع، وتقليص خسائر المؤسسة بنسبة تترواح بين 20 و40% خلال خمس سنوات، ورفع القدرة الإنتاجية إلى نحو 1000 ميغاواط.
المعضلة لا تكمن فقط بتجاهل زيادة ساعات التغذية قبل رفع التعرفة، ولا في مضاعفة الأعباء المالية على المواطنين بمعزل عن تصحيح الأجور، بل تكمن في القفز فوق الإصلاحات المطلوبة من قبل كلّ المؤسسات الدولية في قطاع الكهرباء. صحيح أنّ صندوق النقد الدولي أشار إلى رفع التعرفة، ولكنّه قبل ذلك تحدّث عن وجوب تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، التي من شأنها أن تضع حدًّا لتفرّد الوزير بالقرارات التي أثبتت فشلها في تأمين الكهرباء، وراكمت على مدى سنوات عجزًا فاق الـ 43 مليار دولار، بما يتجاوز نصف الدين العام، وإلى اليوم ما زال الفريق المتحكّم بوزارة الطاقة أي التيار الوطني الحر رافضًا تعيين الهيئة قبل تعديل صلاحياتها وتقليصها.
جابر: رفع التعرفة قبل الإصلاحات عملية ترقيع
رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب ياسين جابر الذي سمع من كلّ الموفدين الدوليين الذين التقاهم، أولوية إصلاح قطاع الكهرباء، رأى في اقتراح زيادة التعرفة حلولًا مجتزأة، وفي حديث لـ “هنا لبنان” أشار إلى أنّه “ليس هناك من قرار سياسي بإجراء إصلاح حقيقي، وكل ما نشهده لا يعدو كونه عمليّة ترقيع”. إذ اعتبر أنّه من غير الطبيعي أن تكون التعرفة 135 ليرة لدى مؤسسة الكهرباء و 7 آلاف ليرة لدى المولدات، لكن في حال لم تتم معالجة قطاع الكهرباء بشكل كلّي سيبقى القطاع على حاله، وتعديل التعرفة بمعزل عن تنفيذ خطّة متكاملة لن يشكّل حلًّا.
وأضاف جابر “يطرحون استقدام الغاز من مصر، لكن بالنهاية مصر لن تعطيه مجانًا، البنك الدولي أبدى استعداده لدفع 250 مليون دولار على مدى عام، ولكن كيف سيردّون المال؟ وفي حال أقرضهم في السنة الأولى ماذا سيفعلون بعدها؟”، كما سأل عن الجباية المتوقّفة منذ العام 2019، وهذه الأموال لم تعد لها قيمة بفعل انهيار الليرة، وكان مطلبه: “عيّنوا الهيئة الناظمة كدليل حسن نية يعكس قرارًا سياسيًّا جديًّا بالإصلاحات. وهو الأمر الذي لم يحصل”.
بصبوص: لا للمسّ بالتعرفة قبل معالجة الهدر
“الهدر التقني وغير التقني في الكهرباء وصل إلى 57% خلال العام 2021″، وفق ما كشف لـ “هنا لبنان” مسؤول الملف الإقتصادي في الحزب التقدمي الإشتراكي والمتابع لملف الكهرباء محمد بصبوص.
“هذه الأرقام حصلنا عليها من مؤسسة كهرباء لبنان، بالتالي الذهاب نحو زيادة التعرفة قبل معالجة الهدر من شأنه أن يرفع من قيمة الأموال المهدورة، بمعنى أنّ فاتورة الكهرباء التي ستصل إلى مليون ليرة على سبيل المثال، نصفها على الأقل أي 500 ألف ليرة سيدفعها المواطن شهريًا دون أيّ منفعة، طالما أنّ أكثر من نصفها لن يصل إليه. حتّى لو كانت زيادة التعرفة المطروحة بناءً على شطور لا تطال الإستهلاك المنزلي الأدنى، لكن المشكلة المبدئية تبقى نفسها بظل عدم معالجة الهدر”.
قرارات ارتجاليّة
بصبوص وصف اقتراح الوزير بزيادة التعرفة قبل القيام بالإصلاحات، بأنّه من ضمن القرارات الارتجالية غير المدروسة التي اتخذتها وزارة الطاقة على مدى سنوات، ولا زالت مستمرة بالنهج نفسه.
وعن مطلب صندوق النقد بوجوب رفع التعرفة قال بصبوص: “صحيح أنّ رفع التعرفة هو إجراء سنصل إليه بنهاية المطاف، لكن هناك إجراءات يجب أن تسبقه، إذ لا يمكن للوزير أن يتذرّع بأنّ رفع التعرفة مطلب صندوق النقد ويتخلّى عن كلّ الشروط الأخرى والإصلاحات. كما لا يجوز المس بالتعرفة قبل تخفيض الهدر التقني وغير التقني إلى أدنى مستوياته، وكل التقارير الصادرة بشكل رسمي عن البنك الدولي شدّدت على معالجة الهدر كخطوة يجب أن تسبق حكمًا عمليّة زيادة التعرفة. بلغة الأرقام، استخدام مليار دولار لإنتاج الكهرباء من دون معالجة الهدر يعني حكمًا أنّ نصف المبلغ على الأقل أي 500 مليون دولار يضيع من دون أيّ فائدة”.
بصبوص عاد إلى الخطّة التي وضعتها الوزيرة السابقة ندى بستاني في العام 2019 “في حينه وبوجود البنك الدولي اعترفت بهدر يصل إلى 37% وكانت المرّة الأولى التي تعترف بذلك، وتعهّدت بالعمل على تخفيضه سنويًا إلى حدود 11%، من دون أن يتحقّق شيء، ودائمًا ضمن شعار “ما خلّونا”، علمًا أن عمليات تخفيض الهدر ليست بحاجة إلى خطط وقرارات ومجلس وزراء، بل هي واجبات تندرج ضمن المهام الأساسيّة لمؤسسة كهرباء لبنان. أكثر من ذلك استعانوا بشركات، أطلقوا عليها شركات “مقدّمي الخدمات” والتي نعرف كيف أتوا بها وكيف يتمّ التجديد لها، ومستمرون بالتقاعس عن القيام بواجباتهم في تخفيض الهدر، ويذهبون نحو زيادة التعرفة بشكل يناقض كلّ التوصيات العلميّة التي صدرت عن مراجع عالمية، ومنها البنك الدولي”.
زيادة ساعات التغذية غير مضمونة
من التبريرات التي تضمّنها اقتراح زيادة التعرفة، خفض فاتورة الكهرباء الإجماليّة بحدود 15%، كون زيادة عدد ساعات التغذية بالتيار من مؤسسة كهرباء لبنان إلى 9 ساعات يوميًا سيُقلّص من الاعتماد على المولّدات الخاصة، والفاتورة الإجمالية ستنخفض بظل متوسط التعرفة الجديدة للشطور الدنيا بمعدل 2758 ليرة لكل كيلواط/ساعة، في حين أنّ تسعيرة مولّد الاشتراك بنحو 6765 ليرة لكلّ كيلواط. لكن من يضمن زيادة ساعات التغذية، خصوصًا أنّ الغاز المصري لا زال عالقًا عند قانون “قيصر”؟
من جهة ثانية يلفت بصبوص إلى أنّ مقارنة تسعيرة مؤسسة كهرباء لبنان بفاتورة المولّدات هو خارج المنطق، كونها خدمة تؤديها الدولة من ضمن مهام الرعاية الإجتماعية، “ولو كانت مؤسسة كهرباء لبنان تعمل وتقوم بواجبها لما كانت هناك مولّدات خاصة، كما أنّه ليس مطلوبًا من مؤسسة كهرباء لبنان أن تحققّ أرباحًا، بل أن تُقيم توازنًا ما بين الإيرادات والنفقات. وهنا لا بد من ذكر نقطة مهمّة، لو قامت الوزارة والمؤسسة بواجبهما في تخفيض الهدر إلى الحدود الدنيا قبل انهيار الليرة، لكنّا حققنا التوزان المطلوب بالتعرفة الموجودة حاليًّا، ولم نكن بحاجةٍ للحديث عن رفع التعرفة”.
بالنتيجة رفع التعرفة من دون حلّ معضلة التقنين القاسي لن يؤدي إلى الاستغناء عن الاستعانة بالمولدات الخاصة “وستبقى الفاتورة المزدوجة قائمة، وبدل أن تكون واحدة منخفضة وأخرى مرتفعة، سيكون المواطن أمام فاتورتين باهظتين للكهرباء مما يفوق قدرته”.