د.ليلى نقولا
أقلام الثبات
تسير التطورات المشرقية بوتيرة متسارعة لتخلط الأوراق وتبدل الظروف التي استمرت لفترة سنوات عصيّة على التغيير، وتتمحور تلك التطورات بشكل أساسي في سورية حيث تتبدل موازين القوى فيها ما سيؤثر حكماً على الوضع في لبنان.
وفي آخر التطورات أن الرئيس السوري بشار الأسد أجرى اتصالاً هاتفياً بالملك الأردني عبد الله الثاني وهو الأول منذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011، وذلك بعد سلسلة لقاءات رسمية بين البلدين وأهمها إستضافة الأردن للقاء رباعي لبناني-سوري- مصري- أردني من أجل تفاهم على إعادة تفعيل خط الغاز المصري، لتغذية معامل الطاقة الكهربائية في لبنان.
هذه التطورات وغيرها، والانفتاح الاردني على كل من سورية ولبنان، وما أعلنته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيّا من إعطاء الضوء الأخضر لإمداد لبنان بالغاز والكهرباء عبر سورية، يشي بأن هناك توجهاً أميركياً لتوسيع حلقة الربط بين هذه الدول وضم البلدين لما يعرف باسم “مشروع الشام الجديد”.
بالرغم من عدم ورود هذه التسمية بشكل رسمي على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الموقّعة بين كل من مصر والاردن والعراق، إلا أن هذا الوصف “مشروع الشام الجديد” أتى على لسان رئيس الوزراء العراقي في مقابلة له مع الاعلام الأميركي على اثر زيارته لواشنطن.
ويعود”مشروع الشام الجديد” الأساسي الى دراسة أعدّها البنك الدولي في آذار / مارس 2014، وبخريطة جغرافية واسعة تشمل سورية ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر، لكن تمّ تأجيله،ثم اكتسب زخماً قوياً بعد زيارة الكاظمي الى واشنطن في آب/أغسطس 2020، لتعقد بعدها الدول الثلاث قمة في عمّان في 25 آب/ أغسطس 2020.
كان هدف المشروع بالأساس عند انطلاقته، تكريس تعاون شراكات بين البلدان الثلاثة أبرزها تزويد العراق لمصر والأردن بالنفط مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق (النفط مقابل الاعمار)، وتزويد العراق بالكهرباء من الاردن، إضافة إلى قيام مصر بتكرير النفط العراقي وتصديره لأوروبا.
يهدف الأميركيون من خلال دعم هذا المشروع الى محاولة موازاة النفوذ الايراني في كل من العراق ولبنان وسورية، وإعطاء المجال لدول مثل الاردن ومصر لتحقيق بعض التوازن الاستراتيجي في المشرق في ظل اعتكاف السعودية وممارستها سياسة “الحرد”، وفي ظل فشل تركي في تكريس زعامة ونفوذ راسخ عبر الاسلام السياسي المنضوي في فلكها، ما سمح بفراغ استراتيجي في المشرق العربي استفادت منه إيران، كما أن دولاً مثل قطر والامارات تبدو عاجزة عن ملء كل مساحة الفراغ الذي سينجم عن إعادة الانتشار الأميركية المفترضة في المنطقة، لذا فإن تكاملاً اقتصادياً نوعياً يعيد الاعتبار للشراكات الاقتصادية مع الدول العربية ويؤمن الاستقرار المعقول لتلك الدول، سيعطي توازناً مقبولاً تجاه النفوذ الايراني المتمدد فيها، بحسب وجهة النظر الأميركية.
إذاً، بدأ المشروع بضوء أخضر أميركي، واليوم يتم توسيعه ليشمل سورية ولبنان أيضاً بضوء أخضر أميركي. وبكل الاحوال، فإن التطورات السياسية والانفتاح السياسي على سورية والشراكات الواعدة بين دول المشرق، تفتح نافذة أمل لشعوب المنطقة بمستقبل أفضل.