بالقوّة، بدأت المستشفيات الخاصة – وتلتها الحكومية – مساراً ملتوياً يقضي بتدفيع المواطنين مبالغ كبيرة، هي عبارة عن «فروقات» على الفاتورة الاستشفائية. ومع الوقت واشتداد الأزمة المالية الاقتصادية، صارت هذه الفروق توازي الفاتورة الإجمالية في كثير من الأحيان… وأمراً واقعاً لا مناص منه. أخيراً، كبر الشرخ بين فواتير المستشفيات والمضمونين، حتى باتت مقولة أن المستشفيات ستصبح حكراً على الأغنياء أقرب إلى التحقق. اليوم، لم يعد هذا النهج حكراً على المستشفيات، بل بدأ يتمدد نحو قطاعات صحية أخرى، منها المختبرات الطبية التي تضاعفت كلفة الفحوص فيها، وهو الأمر الذي ترده نقابة أصحاب المختبرات إلى «الأكلاف التي تتكبدها وأسعار المستلزمات والمعدات التي يسلم معظمها مستوردو المستلزمات وأصحاب المستودعات بأسعار غير مدعومة».
قد يكون من السهل «تفهّم» تلك القرارات التي تأتي على حساب المرضى أولاً وآخراً، إلا أن تتمة تلك الخطوة التي بدأتها بعض المختبرات تشي بأننا وصلنا إلى القاع. ففي آخر البدع التي اعتمدها بعض المختبرات، تزويد المريض – المضمون بفاتورتين، واحدة للجهة الضامنة وأخرى لـ«الحفظ»، والفارق بين الفاتورتين 50 في المئة من التسعيرة. أحد المضمونين المتقاعدين (صندوق تعاونية موظفي الدولة) قال لـ«الأخبار» إنه أجرى فحوصات مخبرية في أحد المختبرات على «حساب التعاونية» ودفع نحو 250 ألف ليرة. ولأنه كان يحتاج إلى «تعبئة الأوراق لأقدمها للتعاونية لاستعادة جزء من المبلغ»، فوجئ بأن قيمة المبلغ الذي دوّن «أقل بـ50 في المئة، إذ سجلوا القيمة بـ115 ألف ليرة». أما السبب؟ لا يعرف الرجل سبباً لذلك سوى أنه «مغبون»، إذ دفع فاتورته وفاتورة المستلزمات من دون أن يحظى بفاتورة تضمن «حقه». وهو حق، بطبيعة الحال، لا تعترف به المختبرات، باعتبار أن ما تفعله هو لضمان «الشفافية». هذا ما يقولونه، انطلاقاً من أنهم «يسهلون عليه، خصوصاً أن الجهات الضامنة لن تدفع الفروق له، ولذلك نعطيه فاتورة بالقيمة الحقيقية من دون الأكلاف التي يتسبب بها غلاء المستلزمات»!
ليست هذه التصرفات فردية، بل باتت تشمل كثيراً من المختبرات، وبعلم نقابة أصحاب المختبرات الخاصة ودعمها. وفي هذا السياق، تشير النقيبة، ميرنا جرمانوس، إلى أن ما يجري هو «حق» لأصحاب المختبرات الذين «يتكبّدون أكلافاً عالية لا تغطيها الجهات الضامنة». إذ «لا تزال تسعيرة الصناديق الضامنة تجري على أساس سعر الصرف الرسمي، فيما المختبرات تعاني بسبب الأكلاف العالية ولا تستطيع وحدها أن تتحملها». ولذلك، تقول جرمانوس، «أننا أخذنا قراراً جماعياً بذلك، عم ناخد فروقات، وفي مختبرات عم تحط القيمة كاملة على الفاتورة الرسمية مع العلم بأن الجهات الضامنة لن تدفعها كما هي، ومختبرات أخرى تسهل على المواطن وتعطيه فاتورة بالقيمة الحقيقية فقط». ولدى سؤالها عما إذا كان هذا التصرف منطقياً وأخلاقياً؟ تجيب جرمانوس بالقول بأن «نحنا كمان بدنا نعيش».
ماذا عن رأي الجهات الضامنة؟ تجمع هذه الأخيرة على القول بأن ما يجري اليوم «لا أخلاقي»، إلا أنها في الوقت نفسه لا تملك حلولاً جذرية لذلك، بانتظار ما ستؤول إليه الاجتماعات في ما يخص تعديل «التعرفات». حتى هذه اللحظة، لا تزال الحلول «موضعية»، على ما يقول المدير العام لتعاونية موظفي الدولة، الدكتور يحيى خميس، مشيراً إلى أن «ما يمكن فعله اليوم هو التحرك وفقاً لشكوى». ويؤكد أن الحق في الحالة الراهنة «هو أن يأخذ المواطن فاتورة بالقيمة التي دفعها»، أما ما عدا ذلك، فهو «بلطجة».