الدراسات العلمية تتكثف حول إيجاد دواء لمرض الزهايمر، الذي يطال عدداً هائلاً من كبار السن كل عام. وفي جديد الطب، أنّ الولايات الأميركية المتحدة أجازت استخدام عقار “أدوكانوماب” لعلاج مرض الزهايمر، وقد يتبعها الاتحاد الأوروبي قريباً. هذا الدواء الجديد يكافح بشكل نشط ببتيد بيتا النشواني في الدماغ.
الآمال تُعلّق اليوم على أبحاث مرض الزهايمر، حيث تمت الموافقة على استخدام عقار جديد هو “أدوكانوماب” من قبل وكالة الأغذية والأدوية الفيدرالية الأمريكية، التي سمحت باستخدامه في السابع من يونيو/حزيران الحالي، وسط توقعات بأن تتبعها وكالة الأدوية الأوروبية نهاية العام 2021، وفق موقع DW الألماني.
وأثبتت المادة الفعّالة في هذا الدواء قدرتها على إزالة ببتيد بيتا النشواني (المسمى اختصاراً إيه بيتا) الضارّ في الدماغ. لكن العلماء لا يزالون يناقشون إن كان ذلك وحده كافياً لوقف تدهور الذاكرة المتصل بالزهايمر.
ولعل المشكلة الأساسية هي أن على المرضى تناول الدواء قبل ظهور أعراض الخرف عليهم بفترات طويلة!
الأصحاء قبل المرضى
اكتشفت المادة الفعّالة لهذا الدواء في جامعة زيورخ السويسرية، على يد روجر نيتش وكريستوف هوك، اللذيْن لم ينظرا في البداية إلى مرضى الزهايمر، بل إلى الأصحاء في عمر متقدم، وقاما بفحص خلايا الجهاز المناعي المختصة بتكوين الأجسام المضادّة لببتيد بيتا النشواني لديهم. تمكن الباحثان، من خلال عمل دقيق وشاق، من فك شفرة الأجسام المضادّة، واستنباط المادة الفعّالة للعقار الجديد، بالتعاون مع الشركة الأمريكية “بيوجين”، وتجربتها في دراسة سريرية.
الزهايمر يتطور على مراحل…
يتفق العلماء على أنّ مرض الزهايمر يتطور على مراحل طويلة الأمد، تحصل خلاله عمليات انهيار مختلفة لخلايا الدماغ. أهم تلك العمليات تراكم ببتيد بيتا النشواني، وهو في العادة بروتين يظهر لدى البشر على هيئة جزيئيات بسيطة، ولكن بمجرد ارتباطها ببعضها البعض، تصبح فتاكة.
ثمَّ يأتي دور تفعيل جهاز المناعة في الخلية وبناء ترسبات “تاو”، والتي تنشأ من انفلات بروتينات تاو؛ وهي بروتينات تعمل على تثبيت الأنابيب الدقيقة للمحاور العصبية، من هيكل الخلايا العصبية وترسبها بين تلك الخلايا، وبالتالي تصبح سامّة لها.
هذا التتالي المرضي هو أكبر المشاكل لدى الباحثين، فلو تمكنوا من وقفه مبكراً، فإنهم يعتقدون بأنهم سيكونون قادرين على وقف فقدان الذاكرة.
من هنا، فإنَّ نجاح العلاج يعتمد على تشخيص المرض في وقت مبكر، والتعامل مع أسبابه بالمواد الدوائية المناسبة. لكن المشكلة في ذلك هي أن مرض الزهايمر يبقى فترة طويلة دون أعراض، وعندما تظهر أول أعراض فقدان الذاكرة، يكون الوقت قد تأخر للعلاج. هذه المشكلة يمكن رؤيتها بوضوح أيضاً في الدراسة السريرية لعقار “أدوكانوماب”.
تشخيص مرض الزهايمر المبكر هو الأساس
يتوقف علاج مرض الزهايمر بشكل كبير على وقف عمليات التدهور العصبي في وقت مبكر، إذ يعتبر هاز أنَّ “استخدام الدواء كان متأخراً في كل الدراسات السريرية”، لاسيما أن التطور المرضي للزهايمر يبدأ قبل تشخيص الأطباء للأعراض بعشر سنوات إلى عشرين سنة، حيث “بعد تكوين بروتينات تاو، لا يمكن لعلاج يعتمد على محاربة ببتيد بيتا النشواني أن ينجح”.
بالرغم من ذلك، فإن أي تقدم صغير في علاج الزهايمر يعتبر نجاحاً كبيراً، إذ يرى هاز أنه “من الرائع أن نتمكن من تثبيت حالة المريض بحيث لا تتدهور بعد مجيئه إلينا”. ففي بداية العلاج، يكون الكثير من المرضى مستقلين بذاتهم: “إنهم يأتون غالباً يقودون سياراتهم أو مستقلين وسائل النقل العمومية.. لا يزالون قادرين تماماً على حياة طبيعية وعيشها بشكل مستقل”.
لهذا، فإنَّ المهمة مستقبلاً ستكون البدء بالعلاج الدوائي قبل تدهور ذاكرة المريض. في هذا الصدد، يبحث الأطباء بشكل مكثف عن علامات بيولوجية لتحسين التشخيص المبكر. لكنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك كافياً من أجل التدخل في الوقت المناسب لاستخدام الأجسام المضادَّة في العلاج مثل عقار أدوكانوماب.
تفعيل القدرة على التخلص من الرواسب في الدماغ
عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الرواسب ومكافحتها في الدماغ، فإنَّ الوظائف الخلوية للتخلص من النفايات تلعب دوراً مهماً؛ لأنها تتوقف بشكل مبكر لدى مرضى الزهايمر، وذلك على الأغلب كرد فعل على ترسب أول ببتيدات بيتا النشوانية. وبالرغم من كون هذه الخاصية المناعية جزءاً من المشكلة، إلا أن الباحثين يريدون استغلالها لمكافحة الزهايمر.
الخلايا الدبقية الصغيرة المسؤولة عن هذه الوظيفة فريدة من نوعها، فهذه الخلايا المناعية تفترس الخلايا العصبية الميتة، وتتحول في نفس الوقت إلى مقدمة لتكوين خلايا عصبية جديدة. لكن إذا ما تمَّ تفعيلها بشكل فوق الطبيعي، قد تسبب ردة فعل التهابية خطيرة، يمكن تشخيصها لدى مرضى المراحل المتقدمة من الزهايمر.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تبقى هذه الخلايا الدبقية الصغيرة غير فعّالة، على الرغم من الحاجة الماسة لها في مكافحة ترسب ببتيد بيتا النشواني. في الوقت الراهن، يبحث كريستيان هاز مع الشركة الأمريكية “دينالي” عن طريقة لابتكار أجسام مضادّة واستخدامها في تجارب سريرية على البشر. فكرة هذه الأجسام المضادّة تكمن في تحفيز الخلايا الدبقية الصغيرة مبكراً للتعرّف على الترسبات ومكافحتها.
وهذا الأسلوب يمكن استخدامه مع عقار “أدوكانوماب”، ويوضح هاز: “أدوكانوماب يتفاعل مع الترسبات الببتيدية، ما يحسّن من دقة اكتشافها، ويحفز الخلايا الدبقية الصغيرة التي تمَّ تفعيلها عبر أجسامنا المضادّة، لتبدأ في افتراس ترسبات الببتيد مبكراً. لكن علينا تجربة ذلك أولاً”.
المصدر: ” سيدتي “