كتبت صحيفة النهار تقول: لم يعد ثمة شكّ في أنّ قراراً كبيراً وحاسماً قد يكون توصل إليه الرئيس المكلف سعد الحريري لوضع حدّ نهائي لمهزلة التعطيل التي يمارسها العهد وتياره علناً ومباشرة منذ ما بات يناهز الثمانية أشهر، وأن هذا القرار صار قاب قوسين أو أدنى من الإعلان ربما في الأيام الأولى من الأسبوع الطالع. وإذا كان السائد أنّ القرار المرجح هو اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة بعدما أجهضت دوامة التعطيل مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري وألحقتها تالياً بالمبادرة الفرنسية، فإنّ ذلك ليس أكيداً وحاسماً أيضاً، بل ثمة هامش أُبقي مفتوحاً أمام آخر المحاولات لإنقاذ هذه المبادرة عَل وعسى الساعات المقبلة تختبر النيات النهائية للعهد وتياره وفريقه وكذلك حليفه الوحيد ” حزب الله”، لأنّ الجدية المثبتة في اتجاه الحريري نحو موقف ما ستكون اختباراً حاسماً للجميع هذه المرة. ولم يكن أدلّ على هذه الجدية من الاستنفار السياسي الاستثنائي الذي برز أمس عبر المشاركة النادرة للحريري في اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى، الذي أصدر بياناً اتّسم بنبرة حادة وحازمة في مواجهة استهداف صلاحيات الرئيس المكلف وإعلان دعمه التام للحريري، ومن ثمّ اجتماع الحريري عصراً في “بيت الوسط” مع رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام وتداولهم اخر تطورات الأزمة والاتجاهات المحتملة للحريري حيالها.
على طرفي الموقف التصعيدي والتلويح بالاعتذار إذن، كانت بداية مرحلة الحسم للقرار النهائي بدأت ظهر أمس مع اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في حضور الرئيس الحريري، إذ درس المجلس أخر المستجدات على الساحة اللبنانية، واستهلت الجلسة بكلمة لمفتي الجمهورية ثم استمع إلى الحريري الذي أطلع الأعضاء “على آخر التطورات السياسية والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة والخطوات التي قام بها لتجاوزها من أجل مصلحة الوطن”.
بيان المجلس الأعلى
أمّا بيان المجلس، فحمل دعماً مطلقاً للحريري، وأشار المجلس إلى أنه “في الوقت الذي توشك فيه السفينة على الغرق، فإنّ “بعض المسؤولين (أو الذين يُفترض أن يكونوا مسؤولين)، لا يرفّ له جفن، ولا يتحرك لديه ضمير أو حسّ وطني أو إنساني. إنّ هذا البعض غارق في “الأنا” وفي نرجسياتهم الوهمية، وكأن الأخطار التي تحدق بسفينة الوطن لا تعنيهم من قريب أو بعيد. إنهم يرفضون حتى أن يمدّوا أيديهم الى الأيدي الممدودة من وراء الحدود لإنقاذهم من أنفسهم، ومن الغرق في دوامة الفوضى والانهيار”.
وأكّد المجلس أنه “لا يمكن السماح بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف”، معتبراً أن “أي سعي إلى إعراف جديدة فيما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة من الحجج”.
كما أكّد المجلس أيضاً دعم الرئيس المكلف وصلاحياته ضمن إطار الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، محملاً مسؤولية التأخير في التأليف الى من يحاول أن يبتدع طرقاً ووسائل وأساليب تلغي مضمون وثيقة الوفاق الوطني التي هي مكان إجماع القيادات اللبنانية الحريصة على استقلال لبنان ووحدته وسيادته وعروبته. وشدد المجلس على أهمية ضرورة استمرار مفاعيل المبادرات التي قدمت من قبل فرنسا ورئيس مجلس النواب نبيه بري، آملاً أن تثمر حلاً قريباً للخروج من النفق المظلم الذي وضع فيه لبنان. ودعا القيادات السياسية للعمل مع الرئيس المكلف للخروج بحكومة تنقذ لبنان مما هو فيه وتعيده الى الطريق القويم.
وقال الرئيس المكلف لدى مغادرته دار الفتوى: “جئت إلى الدار واجتمعت بالمجلس الشرعي وشرحت لسماحة المفتي وللمجلس ما جرى معي خلال الأشهر السبع الماضية وجرى حوار بناء ومهم خلال الاجتماع. البلد يشهد تدهوراً سياسياً واقتصادياً كل يوم. عيني على البلد وكذلك عين سماحة المفتي والمجلس، وما يهمنا هو البلد في نهاية المطاف. هذا فحوى ما دار خلال اجتماع المجلس وإن شاء الله نعود ونتكلم لاحقاً”.
السنيورة: كل الخيارات
ومساءً، أشار الرئيس فؤاد السنيورة عبر “النهار”، بعد اجتماع رؤساء الحكومات السابقين مع الرئيس المكلف سعد الحريري، إلى “أننا لا نزال ندرس كلّ الخيارات، ولا جديد في موضوع الاعتذار”، مؤكداً أن “الحريري رئيس مكلّف ومتمسك بصلاحيات رئاسة الحكومة”.
وقال إنّ “ما يُحكى في المجالس السياسية وما يعمل عليه في لبنان، ما هو إلا مزيد ممّا يسمى إضاعة للوقت وتفشٍّ للمرض وملهاة للشعب، في إطار وضع اللبنانيين في موقع الخوف، وفي مواجهة بعضهم البعض وتوجيههم إلى مربعاتهم الطائفية. وقد تمّ إذلال المواطن حتى أنه لم يعد يفكّر”.
ولفت السنيورة إلى أنه “لا بدّ من الإضاءة على أن التفتيش عن حلول يحصل في المكان الخاطئ. تكمن المشكلة في السياسة. وكلّ الإجراءات التي تقام على الصعيد المالي وعلى صعيد ملف دعم السلع، أدت إلى إذلال الناس. لا يريد كلّ من (حزب الله) ورئيس الجمهورية تشكيل حكومة، وإذا لم تشكل لا حلول في الأفق. وليس أي حكومة بل تشكيلة حكومة قادرة على استعادة الثقة، واذا لم يحصل ذلك سيؤدي ذلك إلى مزيد من الإذلال”. وتساءل “كيف يمكن الحديث عن حكومة اختصاصيين، ومن ثم الانتقال مباشرة إلى صيغة سميت بثلاث ثمانات؟”.
بين بري والتيار
وفي ما يعكس التصعيد الجديد في العلاقة بين الرئيس بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ردّت قناة “أن بي أن” التابعة للرئيس بري بعنف على كلام باسيل الذي حمّل المجلس تبعة الأزمات المتصاعدة، وقالت في مقدمة نشرتها المسائية، أمس : “الناس لا زالت تنتظر العدالة فيما تعطلون مرسوم التشكيلات القضائية، ولا زالت تنتظر مكافحة الفساد فيما لم تطبقوا القوانين التي أقرها مجلس النواب، وتنتظر توقيع ما يحفظ حقّ لبنان في ثروته النفطية فيما جف حبر القلم عن مرسومها”. وأضافت: “مش ناطرين شي، لأن من ينتهج التعطيل لا يمكن ان ينجح في ايصال البلد الى ضفة الانقاذ”.
المصدر: ” الوكالة الوطنية للإعلام “