أخبار عربية – بيروت
أقدم مجهولون في لبنان، ليل الخميس الجمعة، على إحراق أهم مباني “عاصمة الشمال” طرابلس، بما فيها مبنى البلدية الأثري في ساحة التل.
ووفق التقارير الواردة من هناك، قام مجهولون بإحراق مبنى بلدية طرابلس بإلقاء قنابل مولوتوف، فيما شهد المبنى عمليات نهب وسرقة لمحتوياتها وإحراق للدراجات النارية في مركز الشرطة الخاص بها.
واللافت أن المبنى لم يكن محاطاً بإجراءات أمنية مشددة، فيما قام رجال الإطفاء في طرابلس بإخماد الحريق.
وبلدية طرابلس هو مبنى تراثي تم إنشاؤه في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يقع وسط منطقة سكنية في ساحة التل المعروفة بمبانيها الأثرية مقابل قصر نوفل الثقافي ولا تقتصر أهمية هذا المبنى على قدمه هناك إلى جانبه مدرسة ومعهد.
وكانت مبنى “المحكمة الشرعية” السنية في مدينة طرابلس قد تعرض للإحراق وإلحاق الضرر، إلا أن الملفات لم تصب بأذى كونها محفوظة إلكترونياً في مكان آمن.
وناشد سكان المدينة المتظاهرين بعدم إحراق الأوراق والمستندات الرسمية والأوراق الثبوتية الموجودة في الأماكن التي تعرضت للحريق.
وتتناقل رواد وسائل التواصل الاجتماعي رسائل بين المواطنين في المدينة تدعو إلى النزول للشوارع لحماية المدينة وأوراقهم الثبوتية، فيما استغرب الكثيرون من هذا الكم الهائل من التخريب الذي يصفه البعض بالمشبوه.
من جهته، وصف سعد الحريري ما حدث في طرابلس ليل الخميس بالجريمة “الموصوفة والمنظمة”، معتبراً أن من أقدموا على إحراق عاصمة الشمال “مجرمون” لا ينتمون للمدينة.
وقال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي: “إننا نقف إلى جانب أهلنا في طرابلس والشمال، ونتساءل معهم: لماذا وقف الجيش اللبناني متفرجاً على إحراق السرايا والبلدية والمنشآت، ومن سيحمي طرابلس إذا تخلف الجيش عن حمايتها؟”، بحسب تعبيره.
واعتبر أن “هناك مسؤولية يتحملها من تقع عليه المسؤولية”، مؤكداً أن”طرابلس لن تسقط في أيدي العابثين، ولها شعب يحميها بإذن الله”.
غضب أمام منازل سياسيي طرابلس
ويأتي ذلك بعد أن صب محتجون لبنانيون، في وقت سابق أمس الخميس، جام غضبهم أمام منازل زعماء طرابلس في شمال البلاد.
وأضرم المحتجون النيران في مستوعبات القمامة وحطموا كاميرات المراقبة، محملين سياسيي المدينة مسؤولية أوضاعهم المعيشية الصعبة التي فاقمها تشديد اجراءات الإغلاق العام الأخيرة.
وقال عمر قرحاني، وهو أب لستة أطفال عاطل عن العمل، بسخط لوكالة “فرانس برس” على هامش مشاركته في المسيرة: “نجول على منازل السياسيين كافة وطلبنا أن نحرق بيوتهم جميعاً كما أحرقوا قلوبنا”.
وأضاف: “ليتجرأ أي سياسي على السير في شوارع طرابلس”، المدينة التي تعد من الأفقر في لبنان وتشهد منذ الاثنين مواجهات ليلية عنيفة بين قوات الأمن ومحتجين غاضبين من تدابير الإغلاق العام للحد من انتشار وباء “كوفيد-19” في خضم الانهيار الاقتصادي المتمادي.
وأسفرت المواجهات عن إصابة أكثر من 300 شخص، غالبيتهم ليل الأربعاء. وأعلنت قوى الأمن الداخلي أن 41 عنصراً وضابطاً من صفوفها في عداد الجرحى، وقالت إن 12 منهم أُصيبوا جراء إلقاء قنابل يدوية، وبينهم إصابات بليغة.
وتوفي شاب الخميس متأثراً بإصابته خلال المواجهات ليلاً، ما أثار غضباً واسعاً في المدينة ونقمة ضد قيادييها، وبينهم رئيس حكومة ووزراء سابقون ممن يتصدرون قائمة أثرياء البلد.
وتجددت عصر الخميس المواجهات بين قوات الأمن وعشرات المحتجين الذين حاولوا مجدداً اقتحام سراي طرابلس، المقر الإداري والأمني الأبرز في المدينة، والذي يشكل ساحة مواجهة بين الطرفين منذ مطلع الأسبوع. وردت قوات الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
وغالباً ما يتظاهر محتجون منذ انطلاق تظاهرات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في خريف العام 2019، شاركت فيها طرابلس بكثافة، أمام منازل النواب والوزراء في طرابلس. ويتهمونهم بإهمال المدينة ومرافقها وسكانها.
وسأل قرحاني: “لدى هذه المدينة مرفأ ومعرض ومصفاة للنفط وكل المقومات التي لا تملكها الدولة ونحن المنطقة الأفقر.. لماذا؟”. واتهم قيادات طرابلس بأنهم “ذلوا المدينة”.
وبحسب تقديرات للأمم المتحدة عام 2015، يعاني 26 في المئة من سكان طرابلس وحدها من فقر مدقع ويعيش 57 في المئة عند خط الفقر أو دونه. إلا أن هذه النسب ارتفعت على الأرجح مع فقدان كثيرين وظائفهم أو جزءاً من مدخولهم على وقع الانهيار الاقتصادي، الأسوأ في تاريخ لبنان.
وشارك عشرات المحتجين في التظاهرة التي انطلقت من ساحة النور، ساحة التظاهر المركزية في المدينة، وجالت على منازل السياسيين التي منعتهم وحدات الجيش من اقتحام باحاتها، وفق ما أفاد مصور “فرانس برس”.
وجالت التظاهرة وسط انتشار عسكري كبير، بينما عمل متظاهرون بعضهم ملثم، على سحب العوائق الحديدية التي تُستخدم لتطويق المتظاهرين والحد من حركتهم ليلاً. وعمد محتجون إلى قلبها ووضع عوائق وسط الشارع لمنع الجيش من ملاحقتهم.
“المعيشة صعبة”
وقال عدنان عبدالله (42 عاماً) خلال مشاركته في التظاهرة لـ”فرانس برس”: “نواب وزعماء طرابلس.. هم من أوصلوا هذه المدينة لتكون المدينة الأفقر”، داعياً المسؤولين إلى الاستقالة بعدما “دمروا مستقبل الشباب وأوصلوا البلد إلى الخراب”.
وشهدت المدينة جولات عنف دامية حدثت بين عامي 2007 و2014 بين حيي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن المجاور ذات الغالبية العلوية، وأوقعت قتلى من الطرفين. وفي عدد كبير من أحياء طرابلس، يتفشى التسرب المدرسي وترتفع نسبة البطالة خصوصاً في صفوف الشباب.
ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعد من بين الأكثر صرامة في العالم، لكن الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية متمادية يدفع كثيرين إلى عدم الالتزام سعياً للحفاظ على مصدر رزقهم.
ولا يمنع تشدد السلطات في تطبيق الإغلاق العام الذي يستمر حتى الثامن من فبراير وتسطير قوات الأمن يومياً الآف محاضر الضبط بحق مخالفي الإجراءات، كثيرين خصوصاً في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس.
ورغم إصابته في رجله ليل الأربعاء وتضميد وجهه، شارك عدنان الحكيم (19 عاماً) في الجولة على منازل السياسيين.
وقال لـ”فرانس برس”: “نخرج إلى الشوارع لنحصل حقوقنا. يكفينا الذي جعلونا نعيش به”.
وأضاف: “المعيشة باتت صعبة، لم نعد قادرين على تحمل المزيد”.